مالك سمارة
المال، وتبادل أراضٍ على أساس يخفّف هاجس إسرائيل الديمغرافي “ويخلّصها” من فلسطينيين داخل حدودها، ودولةٌ مقطّعة الأوصال بلا حدود نهائية ومحاصرة بالسيادة الإسرائيلية؛ هو كل ما قدّمه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطّته للفلسطينيين، “حتى يبدو منصفًا”، كما قال، مقابل تصفية قضايا الصراع الجوهرية لصالح الاحتلال: اللاجئين والقدس والحدود والاستيطان.
هذا ما يمكن أن نلخّص به “صفقة القرن”، التي أعلن عنها ترامب الثلاثاء، رفقة رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في حفلة غزل وتصفيق بدا وكأن الزعيمين يقدّمان خلالها دعاية انتخابية بينما كانا يصدّقان على مصادرة ما تبقى من الحق الفلسطيني.
اللاجئون
تطرح الخطّة قضيّة اللاجئين، الذين هجّروا بفعل الحرب الإسرائيلية إبّان النكبة، على أنها باتت اليوم “مشكلة عالميّة”، على اعتبار أن “المجتمع الدولي يكافح من أجل تحصيل التمويل الكافي لمعالجة إشكاليات 70 مليون لاجئ ونازح في العالم اليوم”.
انطلاقًا من ذلك، تعتبر الخطة أن “الصراع العربي الإسرائيلي خلق مشكلة لاجئين مشتركة للفلسطينيين واليهود”، ذلك بأن ثمّة “عددًا مشابهًا من اللاجئين اليهود طردوا من الدول العربية بعد وقت قصير من إقامة دولة إسرائيل، وذاقوا معاناة هم أيضاً”.
وينصّ التقرير على أن “حلًّا عادلًا ومنصفًا وواقعيًّا لقضية اللاجئين الفلسطينيين سيحل بالضرورة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، كما تنصّ، توازيًّا، على أن “حلًّا منصفًا للاجئين اليهود ينبغي أن يتم تطبيقه في إطار آلية دولية مناسبة منفصلة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. ومثلما “استقرّ اللاجئون الإسرائيليون وانخرطوا في دولة إسرائيل”، تنصّ الوثيقة على أن “الإخوة العرب يتحمّلون المسؤولية الأخلاقية عن إدماج اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم”.
القدس
تحت هذا البند، تنصّ الخطة على أن “قضية المواقع المقدّسة في القدس، وبالتحديد جبل الهيكل/ الحرم الشريف، يجب أن يتم التعامل معها بحساسية بالغة”. وتستطرد الوثيقة بالتأكيد أن “إسرائيل كانت حارسًا جيّدًا للقدس، وقد أبقتها مفتوحة وآمنة خلال إدارتها”، لتؤكد أخيرًا أن “القدس يجب أن تكون مدينة توحد الشعوب، وتبقى مفتوحة دائمًا للمصلين من الأديان كافة”.
على ذلك، تعتبر الوثيقة أن “وجود قوتين أمنيتين منفصلتين في إحدى أكثر المناطق حساسية على وجه الأرض سيكون خطأ كبيرًا”، ومن ثمّ تقرّر أن الحاجز القائم حاليًّا، والذي يفصل القدس عن الضفة، “يجب أن يبقى في مكانه، ويكون الحدّ الفاصل بين عاصمتي الدولتين”، ما يعني أن “القدس ستبقى العاصمة السيادية لدولة إسرائيل، وستبقى غير مقسّمة”، بينما “العاصمة السيادية لدولة فلسطين يجب أن تبقى في القدس الشرقية، في المناطق الواقعة شرق وغرب الحدود الحاليّة، بما يشمل كفر عقب، والقسم الشرقي من شعفاط، وأبو ديس، ويمكن تسميتها القدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية”.
الحدود
في المقابل، تطرح الخطّة انسحابًا إسرائيليًّا من أراضٍ داخل حدود دولة الاحتلال حاليًّا، تصفها بأنها “أراضٍ تملك إسرائيل ادعاءات قانونية وتاريخية شرعية فيها، وهي جزء من وطن الأسلاف للشعب اليهودي”؛ مقابل عدم انسحابها من الضفة، وتصف الخطّة ذلك الانسحاب بأنه “تنازل مهم”.
والأراضي المطروحة للانسحاب هنا، وفق خارطة مبدئيّة نشرها ترامب على حسابه في “تويتر” للدولة الفلسطينية المتخيّلة، تتركّز تحديدًا في منطقة المثلث شمال الضفة الغربية، وهي منطقة تقع داخل حدود إسرائيل وتسكنها أغلبية ساحقة من الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، إضافة إلى أراضٍ أخرى في صحراء النقب أيضًا، على أن يتمّ ضمّ المناطق المذكورة إلى “الدولة الفلسطينية”. وبينما تضمَن “الصفقة” لإسرائيل سيطرة كاملة ونهائيّة على غور الأردن وعلى المستوطنات، فإنها تترك حدود الدولة الفلسطينية مفتوحة للتفاوض المستقبلي بين الطرفين
في مقابل ذلك، تقرّ الوثيقة بأن 87% بالمائة من “الأراضي الإسرائيلية في الضفة الغربية سيتم ضمها إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة، و97% من الفلسطينيين في الضفة الغربية سينضمّون إلى الأراضي الفلسطينية المجاورة”. أمّا الـ3% المتبقين من المواطنين الفلسطينيين، والذين سيعيشون “ضمن جيوب فلسطينية داخل الأراضي الإسرائيلية”، فتنصّ الخطّة على أنهم سيكونون مواطنين فلسطينيين، على أن تخضع “الجيوب التي يعيشون بها وطرق وصولهم (إلى الدولة الفلسطينية) للسيادة الإسرائيلية”.
ومن المفترض بحسب الصفقة أن “تطور الدولة الفلسطينية ميناءها الخاص… وتستفيد من إمكانية وصول خاصّة إلى منشآت محددة لدولة إسرائيل في ميناءي حيفا وأسدود، مع وسائل فعالة لاستيراد وتصدير البضائع من دون المساس بأمن إسرائيل. وتنصّ كذلك على أن “الدولة الفلسطينية ستمتلك شبكة مواصلات سريعة”، تربط بين أراضيها المقطعة شرقًا وغربًا وجنوبًا، وتوفّر لها “العبور فوق أو تحت دولة إسرائيل”.
وفي قضيّة المياه، وهي إحدى القضايا الجوهريّة مفاوضات الحلّ الدائم، والتي أبقاها اتفاق أوسلو مرهونة باتفاق نهائي بين الطرفين، تؤكد الوثيقة أن “دولة إسرائيل ستبقي على سيادتها على المياه، التي تعتبر حيويّة لأمنها، وتوفّر استقرارًا للمنطقة”.
ترانسفير ديمغرافي
وبينما تزعم الوثيقة أنها “تطرح توسيعًا ملحوظًا للأراضي الفلسطينية”، فإن الواقع أن ذلك يبقى في المناطق “غير المفيدة” التي تشكّل عبئًا على إسرائيل، مثل منطقة المثلث، وتحديدًا، بحسب الوثيقة، “كفر قرع، عرعرة، باقة الغربية، أم الفحم، قلنسوة، الطيبة، كفر قاسم، الطيرة، كفر برا، جلجولية”؛ كلّ هذه البلدات من المفترض أن تقتطع وتضم إلى الدولة الفلسطينية المزعومة، على أساس أنها “حدّدت ضمن نطاق السيطرة الأردنية خلال مفاوضات خط الهدنة على 1949، لكن في نهاية المطاف احتفظت بها إسرائيل لأسباب عسكرية، خفتت أهميتها منذ ذلك الحين”.
وفيما تدّعي الخطّة أنها لا تطلب “اقتلاع الناس – يهودًا أو عربًا – من بيوتهم”، على اعتبار أن ذلك “قد يؤدي إلى اضطرابات أهلية، ويتعارض مع فكرة التعايش”، فإنها تمهّد لعملية اقتلاع ديمغرافي للفلسطينيين؛ ففي حين تضمَن عملية تبادل الأراضي تلك لإسرائيل ضمّ كل مستوطنيها اليهود في الضفة، جغرافيًّا وقانونيًّا، إلى دولتها، فإنها تقتضي إقصاء الفلسطينيين الذي يعيشون في المثلث، على وجه التحديد، ونزع مواطنتهم الإسرائيلية التي حملوها بحكم الأمر الواقع بعد النكبة، عبر ضمّهم جغرافيًّا وقانونيًّا إلى الدولة الفلسطينية الجديدة.
ترانسفير في النقب؟
إضافة إلى اقتلاع مواطني المثلث ديمغرافيًّا، ثمّة عملية اقتلاع أخرى يبدو أن الخطّة تمهّد لها في النقب، حين تخصص منطقة صناعية ومجمّعًا سكّانيًّا وزراعيًّا مع طريق يربطهما معًا بقطاع غزة. ولربّما يشي ذلك باقتلاع أهالي النقب ونقلهم إلى البقعة الجغرافية المنصوص عليها في الخارطة على حدود مصر، على أن يعيشوا هناك باعتبارهم فلسطينيين، علمًا أن إسرائيل تشنّ حملات منظّمة، منذ سنوات، على طرد أهالي النقب من بلداتهم المنتشرة على امتداد الصحراء الواسعة، وحصرهم في نطاق تجمعات سكانية حضريّة ضيّقة، وهو ما لم تحقق فيه أهدافها المنشودة حتى الآن.
أمن إسرائيل ومكافحة الإرهاب أولاً
وتعطي الصفقة “أولويّة”، كما تشير الوثيقة إلى ذلك حرفيًّا، لموضوعة الأمن؛ أمن إسرائيل تحديدًا بوصفها “تعاني من تحديثات جغرافية وجيواستراتيجية فائقة للعادة”، و”لا تملك هوامش لأي خطأ”.
وتسوق في هذه الإطار، “خطر الإرهاب” باعتباره خطرًا رئيسيًّا و”عالميًّا”، “ينبغي على كلّ الدول الاتحاد في مواجهته”، مشيرة بالتحديد إلى ضرورة التنسيق بين كل من مصر والأردن والدولة الفلسطينية المزعومة وإسرائيل في مكافحته.
غزة
وبخصوص غزة، تؤكد الوثيقة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تتوقع من إسرائيل أن “تتفاوض مع أي حكومة فلسطينية تتضمن أعضاء من الجهاد الإسلامي وحماس”، ما لم تعلن تلك الحكومة، بكل أطيافها، “نبذ العنف”.
وتنصّ “الصفقة” أيضًا على أن إسرائيل “ستنفّذ التزاماتها تجاه غزة بموجب اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي فقط إذا اكتسبت السلطة الفلسطينية، أو أي هيئة أخرى مقبولة لدى إسرائيل، السيطرة الكاملة على غزة، ونزعت سلاح المنظمات الإرهابية فيها”، مستطردة بأنه “لكي يتحقق السلام الشامل، فإن الأمر متروك للشعب الفلسطيني لكي يظهر أنه يرفض أيديولوجيات الدمار والإرهاب والصراع، وأن يتّحد من أجمل مستقبل أفضل”.
العلاقات العربية الإسرائيلية
وتحت بند العلاقات العربية الإسرائيلية والتعاون الاقتصادي الإقليمي، تحدد الوثيقة هدفها بأن “تتعاون الدول العربية بشكل كامل مع دولة إسرائيل لفائدة جميع الدول في المنطقة”. ومن المقترحات التي تطرحها الوثيقة في هذا السياق، على سبيل المثال، “أن تكون هناك رحلات طيران بين الدول العربية وإسرائيل لدعم السياحة المتبادلة، ولتمكين العرب والمسلمين والمسيحيين بشكل أفضل من زيارة الأماكن المقدسة في إسرائيل”.
وتنصّ كذلك على أن “الولايات المتحدة ستشجع بقوة الدول العربية على أن تباشر تطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل، والتفاوض على وثيقة السلام الدائم”. وتقرّ الخطة بأنها تهدف إلى تحقيق اعتراف وتطبيع كامل مع الدول التي لا تعترف حاليًّا بإسرائيل، ولا تقيم علاقات معها، على أن يكون الاعتراف على أساس أن “إسرائيل دولة للشعب اليهودي”، والدولة الفلسطينية “دولة قومية للشعب الفلسطيني”.
مبادرات سلام إقليمية
تحت هذا البند، تطرح خطة السلام نفسها أمرًا واقعًا جديدًا، بموجبه “ينبغي على إسرائيل والدولة الفلسطينية والدول العربية العمل معاً لمواجهة حزب الله، داعش، حماس (إذا لم تعد توجيه سياساتها)، وكل المجموعات والمنظمات الإرهابية الأخرى، وكذلك المتطرفة”.
وبينما تؤكد الوثيقة أن “إسرائيل والدول العربية وجدت بالفعل مصلحتها المشتركة ضد إيران”، فإنها تقترح مبادرة لتشكيل منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط، تضمّ إلى جانب كلّ من إسرائيل والدولة الفلسطينيّة المزعومة كلًّا من دول الخليج والأردن ومصر.
خطة ترامب الاقتصادية
انطلاقًا من مؤتمر المنامة، الذي تمخض عن خطة اقتصادية بعنوان “سلام من أجل الازدهار”، تأتي هذه الخطّة الاقتصاديّة التي تحمل اسم ترامب، وتطرح، بحسب وثيقة الصفقة، ثلاثة أسس لدعم المجتمع الفلسطيني تقوم على “الاقتصاد، الشعب، الحكومة”، وفق زعمها، مع “إمكانيّة تسهيل أكثر من 50 مليار دولار في استثمارات جديدة خلال 10 سنوات”.
بناء على ذلك، تعِد الخطّة بتحقيق “نموّ اقتصادي تاريخيّ للفلسطينيين”، مقدّرة بأن الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين سيتضاعف خلال 10 سنوات، ويخلف أكثر من مليون فرصة عمل، ويخفّض نسبة البطالة إلى أقل من 10%، والفقر بنسبة 50%، وذلك من خلال “إطلاق الإمكانات الاقتصادية للشعب الفلسطيني”، وضمان أن “تتوسع أسواق الضفة الغربية وغزة لترتبط بشركاء تجاريين رئيسيين، بما في ذلك مصر، وإسرائيل، والأردن، ولبنان”.
المصدر: العربي الجديد