محمود عادل بادنجكي
كنت في الثانويّة عندما عرّفني إليه والدي كبطلٍ حقيقيّ. نظرتي إلى البطل كمَثَلٍ كانت قبلها محصورةً في مفتولِ عضلاتٍ يحمل سيفاً، يقارع به الأشرار، وينتصر عليهم. لكنّ المعادلة في ذلك اليوم اختلفت. البطل الذي رأيته هو ذلك الشخص الهادر بهدوئه، القويّ بعضلات فكره، المقتحم بصدْحِهِ بالحقّ أمام الظالم، وبصدق ابتسامته لمن حوله.
بعد استشهاد والدي، وبعد خروج (أبي لطفي) من معقل الأحرار، أصبح بمقام أبي، وبمثابة صديق كما كان أبي كذلك صديقي. وعندما دعوتُ إلى إقامة يومٍ للأب في سوريا في العام 1996، أقمتُ معرضاً لهدايا الآباء، وقدّمتُ هديّةً لأبي في شخصه.
لقد امتلك مفتاحاً سحريّاً للقلوب، تلك الابتسامة المنسالة بعذوبة السلسبيل، تقتحم الصخر فتُجري فيه حياة وطلاوة. كما حاز على سيفين قاطعين، حاجباه يزدان بهما وجهه جمالاً، فيقطّبان انتصاراً للحقّ يُهيب بهما قلوب المتجبّرين.
لجأت إليه في العام 2004 لرفع دعوى على “زهير مشارقة” الذي كان على كرسيّ نائب رئيس الجمهوريّة٫ و”رشيد أختريني” المُبعَد عن السلطة لدورهما في اغتيال والدي، فلم يتلكّأ للحظة، بل توسّعت ابتسامته، وسألني متى نبدأ؟ أوقفَنا منْعُ والدتي (رحمها الله) التي قالت: تكفينا خسارة واحدة. بعد قيام الثورة، كنّا نقصد مكتبه نتعلّم ونسترشد، وكان يزورنا في “منتدى حلب عاصمة الثقافة الإسلاميّة” يطمئنّ ويتابع. ربّما أكسبني التعرّف إليه شجاعة إلى ما اكتسبته من شجاعة والدي، وربّما كانت لقاءاتنا المتكرّرة خلال الثورة وقوداً جعلني أتابع المسير.
كنت أرجو الله أن نتعانق في “حلب” تحت ظلال الحرّيّة، لكن يبدو أنّ اللقاء مؤجّلٌ إلى أن يأذن الله، في غير هذه الدنيا التي لم يعُد فيها للفرح مكان. رحم الله (أبا اللطف) وأرجو أن يكون في مستقرّ عفوه ورحمته وكرمه.