ياسر الحسيني كاتب وإعلامي سوري
لم يعد اليوم خافياً على أحد حجم الكارثة التي حلّت بالشعب السوري والمعاناة التي يعيشها كلّ يوم، بل كلّ ساعة ودقيقة. وليس هناك ما ينافس حجمها سوى حجم التآمر الذي بلغ حدّاً يكاد يكون فريداً في تاريخ البشرية، فلم يعد بوسعنا أن نذكر عدد الدول التي تشارك في ذبحنا، كما أنّه لم يعد مقبولاً أن نذكر مصطلح “التخاذل العربي” لوصف مواقف العرب أو الحال الذي وصلت إليه الأمّة، لأن مثل هذا التعبير قد يبدو مجاملاً وفيه بعض العزاء ويغدو في حقيقة الأمر تبريرياً يبعد الحكام العرب عن مربع التآمر، بينما هم في صلبه وأحد أضلاعه الرئيسة.
نعم إن خيمة المتآمرين على الشعب السوري أصبحت تتسع للجميع، شرقاً وغرباً وعرباً بدون استثناء، فالجميع قد تكالب على الشعب السوري الأعزل الذي لم يرتكب جرماً سوى أنه طلب الحرية و الكرامة.
تسع سنين و هذا الشعب يكتوي بنيران شتى على مسمع و مرأى العالم، و ليس هناك من مكترث، تارةً بنيران الأسد الطائفية الحاقدة، و تارةً بنيران الميليشيات الإيرانية القادمة من عصور الظلام و المصابة بطاعون الثأرية المزيفة و المشبعة بأكاذيب “ملالي الدجل الصفوي”، و تارةً ثالثة بنيران الروسي المأفون حامل لواء الصليبية الأرثوذكسية السلافية الغارقة بالتعصب و السادية، و تارةً رابعة يتلوّى هذا الشعب الأبيّ بنيران القهر و الجوع و النزوح المتكرر، و تارةً خامسة تصفعه نيران العنصرية في بلاد اللجوء و خاصةً في بلاد نحسبها عربية، و أخيراً يتلوى ملتحفاً زمهرير البرد و الصقيع بلا مأوى و لا حتى خيمة في ريف إدلب و بالقرب من الحدود التركية.
تسع سنين من الحرب الشعواء يقف فيها هذا الشعب وحيداً مجرداً من كلّ مقومات الصمود، ومع ذلك نجده لا يزال معانداً، مكابراً، و متشبثاً بأرضه و مطالبه المحقّة، و ينتظر أن تأتي اللحظة التي يستيقظ فيها ضمير العالم، أو تدبّ في عروق من هم من بني جلدته دماء النخوة، إنهم لا زالوا يظنون بإخوانهم العرب خيراً رغم كلّ ما حدث و لكن ليس هناك ما يشير إلى ذلك، فلقد أصابتهم لوثة الإستخذاء حتى باتوا عوناً لإسرائيل و روسيا و إيران بدل أن يكونوا عوناً لهم، و عبيداً لسيدهم الأمريكي.
فمنذ دخول بوتين بطائراته في حربه على الشعب السوري انبرى له ملك البحرين ليقدم له السيف الدمشقي كمن يقدم “مفتاح دمشق”، ليأتي بعدها من يملأ جيوبه بأموال نفط الأمارات لتقول له أكمل ما بدأت به و لا تتوقف حتى آخر طفل سوري، فيما راح محمد بن سلمان بخزائن المملكة ليضعها بين يدي سيده ترامب، الذي يحضر نفسه لأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض على أشلاء أطفال الشعب السوري و آمال الشعب الفلسطيني، بما يسمى “صفقة القرن”.
ففي الوقت الذي كان يشاهد العالم فلم (لأجل سما) الحائز على جائزة بافتا البريطانية للأفلام الوثائقية التي تنظمها الأكاديمية البريطانية لفنون السينما و التلفزيون، و الذي يعرض جزءاً من مأساة الشعب السوري في حلب، و فلم (الكهف) عن ذات المأساة و لكن في غوطة دمشق، هذان الفلمان اللذان ترشحا لجائزة الأوسكار للأفلام الوثائقية الأسبوع الفائت من هذا الشهر، و بينما كان هذان الفلمان يعرضان في مسرح دولبي في هوليوود بمدينة لوس أنجلوس كان هناك حفل من نوع أخر في مدينة دبي تعرضه شاشتها الفضائية عن آخر إنجازاتها في الانحطاط، و قد أزاحت الستار عن “مرحاض” من الذهب و مرصع بالماس! إنه العراء الأخير من كلّ القيم الإنسانية لمن كانوا يقضون حاجتهم في العراء.