عبد التركي
منذ أن أعلن الجولاني تبعية جبهة النصرة للقاعدة في10 نيسان / ابريل 2013م قبل يوم من انعقاد قمة الثمانية للنظر بتسليح الجيش الحر وحتى اليوم وقبل أن يعلن حل الهيئة مع تغير الأسماء من الجبهة إلى فتح الشام إلى الهيئة وفك ارتباطها بالقاعدة وثبات القيادة نفسها ما الذي قدمته الجبهة للثورة السورية؟ وهل كانت ضارة لها أم نافعة؟
إنّ ما قامت به الجبهة منذ بداية تأسيسها إلى اليوم هي وكل الفصائل الإسلامية كفيل بأن يجيب عن هذه التساؤلات فقد استطاعت هذه التشكيلات وفي مقدمتها الجبهة أن تحرف الثورة عن مسارها الحقيقي وإن ظروف تأسيس هذه الفصائل عليها الكثير من إشارات الاستفهام خصوصاً أن قادتها من المفرج عنهم خلال الثورة وقد كان “زهران علوش”، قائد جيش الشام و”حسان عبود” قائد أحرار الشام و”أحمد عيسى الشيخ”؛ قائد صقور الشام، كل أولئك كانوا معتقلين في سجون النظام قبل بدء الثورة كما أن هناك خلاف على الجولاني هل كان في سجون النظام أم العراق وبعيداً عن التخوين ونظرية المؤامرة فإن هؤلاء القادة وخلفياتهم الفكرية في عكس اتجاه سير الثورة فهم ينتهجون فكراً لم يكن في أي شعار رفعته الثورة كما أن انتماءهم العابر للوطن والذي يتكلم عن الأمة يجعلهم أقل تمسكاً بالوطن السوري الذي لا يمثل بالنسبة لهم ما يمثله للمواطن العادي الذي يحلم بوطن حر يستطيع أن يعيش فيه هو وأبناؤه بكرامة بينما بالنسبة لهم هو جزء من مشروع أكبر هو مشروع الأمة الذي لا يملك جغرافيا ولا حدود ثابتة
لذلك فقد استطاعت الجبهة العزف على وتر العواطف ودغدغة المشاعر الدينية للسوريين المعتدلين واستطاعت أن تكون الفصيل الأول في الثورة خلال زمن قياسي بسبب الدعم المالي من التنظيم الأم ومن بعض الإسلاميين الداعمين خارج سوريا واستقطبت مقاتلين أجانب لتقدم بذلك أولى خدماتها للنظام ضد الثورة عندما أعلنت تبعيتها للقاعدة وخَدمته بتثبيت الوصمة الإرهابية على الذين يواجههم في سورية لذلك تراجع المجتمع الدولي من التأييد إلى الوقوف على الحياد أو ضد الثورة ومنع عنها التسليح إلا بالقطارة وخاصة الأسلحة النوعية وهذا أول الغيث الجبهوي ليلحق به أدلجة الصراع فمن ثورة للحرية والكرامة ولكل السوريين انتقلت الثورة بجهود الجبهة وأخواتها بعد أن اسلمتها إلى صراع بين تيارين أحدهما يدعي القومية ويرفع شعارات الدفاع عن الأقليات الدينية بلا مصداقية على أرض الواقع من قبل النظام وآخر أصولي يتحدث عن تطبيق الشريعة وما يستدعيه ذلك من مخاوف عند الأقليات الدينية والطائفية التي بدأت بالابتعاد عن الثورة لأن الأهداف أصبحت مختلفة وهذا ما استدعى عزوفاً وابتعاداً كذلك من بعض الديمقراطيين ودعاة المدنية والعلمانية لتكون هذه الخدمة الثانية للنظام فقد استطاع تحييد هذا الطيف الطائفي والمدني إن لم يُخضعه له بارتفاع أصوات مناصريه الذين هم من الطوائف أو بعض دعاة المدنية والعلمانية لأن الطرف الثوري من هذه الألوان التزم الصمت لأنه لم يستطع الوقوف بوجه هذا السيل الجارف.
لم تكتف الجبهة بهذا فعلى خلفية صراعها مع شقيقتها داعش وتركها لشرق سورية لدولة الخلافة وانتقالها شمالا انتهجت نفس طريق داعش بقتالها للفصائل وطردها لهم من إدلب والسيطرة عليها وقاتلت حتى الفصائل التي تعتنق نفس الفكر كحركة أحرار الشام وصقور الشام وجبهة تحرير سوريا كما فعلت معها داعش.
كل هذه المقدمات كان لابد أن تتبعها نتيجة واحدة هي ما نراه الآن من تسليم للمناطق للنظام وروسيا وإيران دون أي مقاومة حقيقية، في الوقت الذي كانت تقاتل بكل قوتها وأسلحتها عندما كان القتال مع الفصائل، وترسل الكثير من الانغماسيين والمفخخات والآليات، نراها اليوم شبه غائبة عن الجبهات هي وكل ما لديها بما فيهم الاستشهاديين. ويلاحظ أن أغلب القصف والقتال هو على جبهات الفصائل الأخرى وليس على جبهات الهيئة وأصبحت أماكن تواجدها ومكاتبها ومقراتها هي الأكثر أماناً في الشمال كما كانت مقرات داعش في مناطق غرب الفرات التي دمرت مدنها على المدنيين هي الأكثر أماناً.
لهذا أعتقد ان وجودها الآن هو ذريعة لمتابعة الحرب ضد باقي الفصائل ولتدمير المدن واستعادتها من قبل النظام كما أنها لعبت دوراً مخرباً ومانعاً لكل محاولات التوحيد بين الفصائل وكذلك على المستوى السياسي بعدم الانصياع للاتفاقيات التي تم توقيعها في آستانا وسوتشي والتي ضمنتها تركيا وتعهدت بموجبها بالضغط على الهيئة للانسحاب من منطقة الطرق وفتحها مع ذلك لم تقاتل من أجل الحفاظ عليها بل انسحبت وتركت أبناء المنطقة بأسلحتهم البسيطة يحاربون ضد النظام في حين أن أسلحة الهيئة لاتزال كاملة فهل يتكرر مشهد تسليم السلاح للنظام كما حدث في الغوطة؟ .
هناك مفارقة أخرى وهي تعرض كل القيادات الإسلامية أو الثورية للاغتيال أو سقوط القادة شهداء في الوقت الذي لايزال قادة الصف الأول في الهيئة شبه كاملين وهذا يجعلنا نتساءل أين هم القادة الذين يبحثون عن الشهادة؟ ألا يدعي هؤلاء أنهم يقومون بما قام به السلف والتاريخ يخبرنا عن قادة السلف الذين كانوا دائماً في مقدمة جيوشهم ولعل حادثة استشهاد ثلاثة في معركة واحدة هي غزوة مؤتة وهم من الصحابة رضوان الله عليهم (زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة) تخبرنا من هم السلف وأين قادة الجبهة منهم. ولم نسمع أن خالداً أو سعداً أو أبي عبيدة رضي الله عنهم أجمعين أو حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفوف الخلفية. فعن أي عقيدة جهادية يتحدثون؟ وهل هذه السلفية الجهادية ومغريات الشهادة التي يتكلمون بها لا تنطبق إلا على الأفراد المساكين؟ وهم الذين منعوا القادة من التقدم وهذا ما قاله الجولاني في لقائه مع بعض العناصر على إحدى الجبهات عندما كان يحثهم على التضحية لأن مستقبل الأمة كلها متوقف على تضحيات هؤلاء البسطاء قائلاً في حديثه (لو أن الأخوة يسمحون لي لكنت أولكم). لا نعرف من هم اللذين يمنعون الجولاني ورفاقه من التقدم للحصول على شرف الشهادة التي يتمناها كل المجاهدين.
لكننا نستطيع القول إنه شرف كبير لا يستحقونه لأنهم ألحقوا الضرر بالسوريين وثورتهم وهم أبعد ما يكون عن تمثّل الفكر الجهادي فهم قاموا بدور وظيفي مرسوم لهم ربما لا يكون عن سابق إصرار وتصميم ولا عن علم مسبق بهذا الدور بل نتيجة لاختراقات أمنية بينهم أو لقصور في الرؤية وهنا المصيبة الكبرى والأيام وحدها هي التي ستخبرنا الحقيقة.