عماد كركص
لا تبدو الأمور في منطقة إدلب ومحيطها، شمال غربي سورية، متجهة إلى هدوء قريب، مع استمرار التباين التركي الروسي حول هذا الملف، وتصاعد تهديدات أنقرة وتشديدها على أنها لن تنسحب من المنطقة، وذلك بعد “رسالة” تركية عبر الهجوم الذي شنّته والفصائل المقاتلة باتجاه بلدة النيرب، وكبّدت فيه النظام السوري خسائر كبيرة، وذلك في ما كانت الأمم المتحدة تحذر من “حمام دم” في إدلب.
وحضر ملف إدلب في اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مساء أمس الجمعة، أكد خلاله بوتين ضرورة لجم النظام السوري ووقف المأساة الإنسانية في إدلب، مشدداً على أن الحل في إدلب يكمن في تطبيق كامل لمذكرة سوتشي، وفق الرئاسة التركية، التي أشارت إلى أن الرئيسين أكدا التزامهما بكافة الاتفاقيات المبرمة حول إدلب.
وكان أردوغان قد وصف، في تصريحات أدلى بها للصحافيين عقب صلاة الجمعة في مدينة إسطنبول أمس، ما يجري في إدلب حالياً بأنه “حرب”، لافتاً إلى مقتل جنديَين تركيَين وتدمير بعض المعدات جراء الاشتباكات العنيفة المستمرة هناك. وأكّد أن خسائر النظام في مقابل ذلك أكبر بكثير، إذ تم تحييد نحو 150 عنصراً من قواته. كذلك أعلن عن تدمير 12 دبابة و3 عربات مدرعة و14 مدفعاً وعربتي دوشكا للنظام في إدلب. ولفت إلى أن الكفاح في المنطقة مستمر بشكل حازم، مضيفاً أن “الانسحاب من هناك غير وارد ما لم يتوقف النظام عن اضطهاد سكان إدلب… لا يمكننا تحقيق وقف إطلاق النار إلا بهذه الطريقة. هذا الظلم المستمر هنا سيتوقف”. وأشار إلى أن مليون شخص تقريباً نزحوا من إدلب باتجاه الحدود التركية، مضيفاً: “أين سنوفر السكن لهؤلاء. من تدابيرنا في إدلب تأسيس منطقة آمنة، بطول 30-35 كيلومتراً من حدودنا باتجاه الداخل السوري، وقد أقدمنا على خطوة جديدة حيال إقامة هذه المنطقة”. وأوضح أن هذه الخطوة تتمثل في بناء مساكن مؤقتة من الطوب مساحتها 25-30 متراً مربعاً، وأن أعمال تركيا في هذا الصدد متواصلة.
كذلك أعلن أردوغان عن اقتراح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من أجل تنظيم قمة رباعية (تركية، روسية، ألمانية، فرنسية) حول سورية في إسطنبول في 5 مارس/ آذار المقبل. وأشار إلى أن الرد حول القمة لم يأت بعد من بوتين. وبيّن أن ميركل وماكرون طالبا بوتين بإقرار وقف إطلاق نار في إدلب، مردفاً: “لا أستطيع القول بورود الجواب المنتظر من موسكو على هذه الدعوة حتى الآن”.
وردّاً على سؤال حول حقيقة الأنباء عن طلب تركيا أنظمة “باتريوت” من الولايات المتحدة، قال أردوغان إنه اقترح أصلاً لنظيره الأميركي دونالد ترامب شراء هذه الأنظمة عندما كان ملف أنظمة “إس-400” الروسية مطروحاً. وأوضح أن تركيا قالت للجانب الأميركي إن بإمكانها استخدام النظامين في آن واحد ولكنها لم تحصل على رد إيجابي.
وكانت وكالة “الأناضول” قد نقلت أول من أمس الخميس عن مسؤول أميركي لم تسمه قوله إن تركيا تقدّمت بطلب لبلاده بخصوص بطاريات “باتريوت” الدفاعية، لكن لم يتم اتخاذ قرار بعد في هذا الصدد. وبينما لم يحدد المسؤول توقيت توجيه أنقرة هذا الطلب لواشنطن، اكتفى في رده بالقول “حدث ذلك خلال الآونة الأخيرة”. كذلك نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مسؤول تركي لم تكشف عن اسمه أن “تركيا طلبت من الولايات المتحدة مضادات جوية من نوع باتريوت لردع روسيا في إدلب”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة قد تستخدم طائرات إف 16 لضرب نظام الأسد في حال تم نشر بطاريات باتريوت”، وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في حديث مع قناة “سي إن إن- تورك” بأن “واشنطن قد ترسل منظومة باتريوت الدفاعية لتركيا لاستخدامها في إدلب”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه “سيتم تفعيل أنظمة صواريخ إس 400 الروسية من دون شك”.
وفي مؤشر آخر على تباعد وجهات النظر الروسية – التركية، ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن تركيا منعت أربع طائرات عسكرية روسية، بينها قاذفتان، من عبور أجوائها نحو سورية.
في غضون ذلك، حذرت الأمم المتحدة من أن القتال في شمال غرب سورية قد “ينتهي بحمام دم”. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه، خلال إفادة صحافية، إن الأطفال يشكلون نحو 60 في المائة من 900 ألف شخص نزحوا وتقطعت بهم السبل في مساحة آخذة في التضاؤل. ودعا “إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لمنع مزيد من المعاناة وما نخشى أن ينتهي بحمام دم”. وتابع قائلاً “تستمر خطوط القتال الأمامية والعنف المستمر في الاقتراب من هذه المناطق المكتظة بالنازحين، مع تزايد القصف على مواقع النزوح والمناطق المجاورة لها”.
في المقابل، نفت وزارة الدفاع الروسية تقارير عن نزوح مئات آلاف السوريين من إدلب باتجاه الحدود التركية، وقالت إنها تقارير كاذبة، وحثت أنقرة على السماح لسكان إدلب بدخول مناطق أخرى في سورية.
ميدانياً، وبعد هدوء نسبي صباحاً على مستوى الهجمات البرية بين النظام وقوات المعارضة، ارتفعت حدة الاشتباكات عصراً في بلدة النيرب بريف إدلب الجنوبي. ونقلت “الأناضول” عن مصادر في المعارضة أن الطائرات الحربية الروسية استهدفت فصائل المعارضة على طول خط الاشتباك. وتسعى فصائل المعارضة إلى السيطرة على البلدة بهدف الوصول إلى مدينة سراقب الاستراتيجية، وفق “الأناضول”.
وكانت الطائرات الروسية قد قصفت صباح أمس مناطق في ريفي حلب وإدلب. وقال مراسل “العربي الجديد” في إدلب، إن الطائرات الروسية قصفت محيط مناطق قميناس وجبل الأربعين وأريحا، في إدلب، والأتارب ودارة عزة في ريف حلب الغربي، فيما شهدت محاور التماس في ريف إدلب الجنوبي قصفاً صاروخياً متقطعاً متبادلاً بين قوات النظام والفصائل. كذلك قصفت القوات التركية والفصائل مواقع النظام على محاور النيرب وداديخ وآفس، بينما قصفت قوات النظام مناطق في الأتارب ودارة عزة غرب حلب، وسرمين وقميناس وكفرنبل وحاس في ريف إدلب.
وكانت الفصائل المقاتلة قد شنّت الخميس، بإسناد مدفعي من الجيش التركي، هجوماً على محور بلدة النيرب شرقي إدلب، وتقدّمت إلى داخل البلدة، بعد أن كبّدت قوات النظام ومليشيات تساندها خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، قبل أن تنسحب لاحقاً.
وحول الهدف الميداني من هجوم النيرب، قال سيف الرعد، عضو المكتب الإعلامي في “الجبهة الوطنية للتحرير”، أحد تشكيلات المعارضة المقاتلة في إدلب، إن “الهجوم كان جيد النتائج من خلال إلحاق خسائر في صفوف العدو، إذ دمر المقاتلون أربع دبابات لقوات النظام وأعطبوا واحدة، فيما دمروا عربتي BMB، وقاعدة صواريخ مضادة، بالإضافة لإسقاط طائرتي استطلاع، وتجاوز عدد القتلى الـ80 جندياً من قوات النظام والمليشيات التي تسانده”، مضيفاً: “تراجع المقاتلين عن البلدة كان بسبب كثرة الألغام على بعض المحاور، وليس بسبب المقاومة”.
وأشار الرعد في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “مثل هذه الهجمات تفيدنا باستنزاف العدو وإرهاقه وإشغاله دائماً من دون أن يكون لمقاتليه فرصة للراحة، والمرحلة المقبلة هي مرحلة هجوم من قبلنا على العديد من المحاور وليس النيرب فقط، بعد أن أوقفنا تقدّم النظام، وثبّتنا خطوط الرباط على أكثر من محور، والآتي سيكون لشن المزيد مثل هذه الهجمات، مع استعدادنا وجاهزيتنا لعملية برية واسعة في حال حدوثها”. وأشار الرعد إلى أن “إسناد المدفعية التركية كان عاملاً مساعداً في إلحاق خسائر في صفوف النظام، بالتزامن مع تقدّم مقاتلينا على الأرض، وهذا الهجوم هو إغارة بسيطة وخاطفة لم نضع فيها كل قوتنا وطاقتنا”.
وتعليقاً على التطورات، رأى المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه بغض النظر عن الاتصالات الدبلوماسية والسياسية المختلفة الموازية للتطورات الميدانية في إدلب، فإن “تركيا حسمت أمرها بعد خسارتها لعدد من جنودها في إدلب، واستمرار النظام وروسيا بقصف واستهداف المدنيين بغية تهجيرهم عن منازلهم، ولذلك لا تراجع لتركيا عن مطلبها بتطبيق سوتشي وحدوده الجغرافية”. وأشار إلى أن “التهديدات من قبل النظام لا تزال حاضرة تجاه النقاط التركية، وعملية التغيير الديمغرافي وتهجير الناس باتجاه الحدود التركية لا تزال مستمرة، وبالتالي هناك سببان رئيسيان يدفعان تركيا للجوء إلى الحل العسكري في حال لم يتم تطبيق اتفاق سوتشي بالكامل، يتعلق الأول بتهديد أمن تركيا القومي، والثاني متعلق بالكارثة الإنسانية بحق السوريين”. وعلّق كاتب أوغلو على ما تم تناوله أخيراً عن تسيير دوريات مشتركة بين الروس والأتراك في إدلب، واصفاً ذلك بأنه “أمر غير مطروح في الوقت الحالي، وليس هو الحل الأمثل والبديل، وبعد إراقة دماء الجنود الأتراك تم إيقاف الدوريات الروسية-التركية المشتركة شرقي الفرات كما رأينا، وإعادة طرحها الآن في إدلب، هي محاولة روسية لإلهاء تركيا بالفرعيات”، مضيفاً أن “الضرورة الآن هي انسحاب النظام من كامل حدود سوتشي ورجوعه إلى ما وراء النقاط التركية هناك، وفي حال لم ينسحب، وأعتقد أنه لن يفعل ذلك، فإن العملية العسكرية حتمية”.
المصدر: العربي الجديد