أمين العاصي
في ظل تصعيد عسكري واسع النطاق في الشمال الغربي من سورية، يعقد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين لقاء قمة في موسكو، اليوم الخميس، يستهدف التوصل لوقف إطلاق نار في إدلب ومحيطها، على الرغم من أن المؤشرات، أمس، كانت تدل على عدم وجود توجّه للتهدئة، في ظل تصعيد ميداني إضافي، أكان من فصائل المعارضة المسلحة التي كانت تستهدف استعادة السيطرة على مدينة سراقب، أو من النظام السوري في جبل الزاوية، فيما كانت موسكو توجّه اتهامات لأنقرة بخرق القانون الدولي. ويأتي لقاء اليوم، في ظل تباين الرؤى بين الروس والأتراك حيال مصير محافظة إدلب ومحيطها، إذ تطالب أنقرة بانسحاب قوات النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية على حدود اتفاق سوتشي الموقّع عام 2018، في حين ترى موسكو أن الاتفاق المذكور انتهى مفعوله، وتدفع باتجاه بقاء الوضع على ما هو عليه مع استمرار وجود النظام في المناطق التي تقدّم إليها أخيراً.
وقبل يوم من القمة التركية الروسية، رفعت موسكو سقف انتقاداتها لأنقرة، في محاولة واضحة لتحميل الأتراك مسؤولية ما جرى ويجري في محافظة إدلب، وللتنصّل من مسؤولية المأساة الإنسانية التي تسبّب بها الروس لجهة تشريد أكثر من مليون مدني. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، في بيان أمس، إن “الدول الغربية والأمم المتحدة لم تكترث على الإطلاق بالانتهاكات الجسيمة لمذكرة سوتشي بشأن إدلب، والتي ارتكبتها تركيا والجماعات الإرهابية الموجودة هناك، والمتمثلة في قصف متزايد للمناطق السورية المجاورة وقاعدة حميميم الروسية وتعزيز قبضة الإرهابيين من (هيئة تحرير الشام) و(الحزب الإسلامي التركستاني) و(حراس الدين) على المنطقة وتمازج مواقعهم مع نقاط المراقبة التركية بدلاً من إخراجهم من المنطقة وفصلهم عن المعارضة المعتدلة”. وأشار إلى أن “عويل الغرب بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية في إدلب لم يبدأ إلا بعدما اضطر الجيش السوري لشن عملية عسكرية رداً على هجوم جديد من قبل الإرهابيين في مطلع فبراير/ شباط، وتمكن بنفسه من تطبيق ما نص عليه اتفاق سوتشي بشأن إزاحة التنظيمات الإرهابية خارج المنطقة منزوعة الأسلحة الثقيلة وعمقها ما بين 15 و20 كيلومترا”. وأضاف أن “لا أحد في الغرب يبالي بتصرفات تركيا التي نقلت إلى إدلب قوة عسكرية ضاربة بحجم فرقة مؤللة، وذلك في خرق للقانون الدولي”.
من جهته، قال الكرملين إنه يأمل بأن يتوصل بوتين وأردوغان إلى اتفاق على إجراءات مشتركة تتعلق بإدلب خلال اجتماعهما. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “نعتزم مناقشة أزمة إدلب… نتوقع التوصل إلى تفاهم مشترك بشأن الأزمة وسببها والآثار الضارة المترتبة عليها والتوصل إلى مجموعة إجراءات مشتركة ضرورية”.
في المقابل، كان أردوغان يقول في تصريحات للصحافيين في أنقرة، أمس، إنه يتوقع أن يتوصل مع بوتين، اليوم، إلى وقف إطلاق نار بسرعة في منطقة خفض التصعيد بإدلب. وفي إجابته عن سؤال عما إذا كان الجانب التركي قد تلقى أي مقترحات قبل زيارته إلى موسكو، قال أردوغان “لا توجد هناك مقترحات في الوقت الراهن، لنجري زيارتنا أولاً، وسنعقد مؤتمراً صحافياً مع بوتين عقب اللقاء”. وحول تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري بخصوص نيّة واشنطن تقديم ذخائر إلى تركيا، أوضح أردوغان أنه نقل مثل هذه الطلبات إلى نظيره الأميركي دونالد ترامب.
وفي كلمة له خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية” في البرلمان التركي، أكد أردوغان أن “تركيا لن تسمح بأن تذهب دماء شهدائها هدراً”. وأضاف أن نظام الأسد فَقَد لغاية اليوم (منذ انطلاق عملية درع الربيع) أكثر من ثلاثة آلاف و200 من عناصره. وتابع: “لن نترك الشعب السوري المظلوم لوحده”. وأضاف أن “النظام السوري فَقَد أيضاً قرابة 160 دبابة وأكثر من 100 مدفعية وراجمات صواريخ، وثلاث مقاتلات، وثماني مروحيات، وثماني منظومات للصواريخ، وأكثر من 10 مخازن للذخائر، ومئات من مركباته المسلحة وغير المسلحة”. وتابع “ندرك أن النظام السوري يحاول تكرار ما قام به في كل من درعا، وحماة، وحمص، وحلب، إلا أنه لن ينجح هذه المرة، فتركيا نزلت إلى الميدان بشكل فعلي، من أجل أمنها واستقرارها، ومن أجل إنقاذ حياة السوريين الأبرياء”.
من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن أنقرة تنتظر من روسيا الوفاء بالتزاماتها كدولة ضامنة واستخدام نفوذها على النظام السوري لوقف هجماته والعودة إلى الالتزام بحدود اتفاق سوتشي. وفي تصريحات صحافية أدلى بها في أنقرة، أمس، أوضح أكار أن الأنشطة التركية في محافظة إدلب تندرج تحت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق بـ”حق الدفاع المشروع”، وضمن إطار اتفاقيات أستانة وسوتشي. وأشار إلى أن هذه الأنشطة تهدف إلى عرقلة الهجرة، وإنهاء الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتوفير أمن حدود تركيا وشعبها. وأكد أن تركيا سترد بقوة أكبر ومن دون تردد على الهجمات التي ستتعرض لها وحدات الجيش التركي ونقاط المراقبة في إدلب.
ويسعى الطرفان إلى التوصل لاتفاق لجهة السيطرة على الطريقين الدوليين “إم 4″ الذي يربط حلب باللاذقية، و”إم 5” (حلب – دمشق)، وأشارت مصادر رفيعة في وزارة الخارجية التركية في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، إلى أن مباحثات الخبراء الأتراك والروس التي جرت أخيراً في أنقرة توصلت إلى مسودة اتفاق تحتاج إلى موافقة الرئيسين تتضمن بنود اتفاق حول الطريقين، والمناطق المفترض أن تنسحب منها قوات النظام.
وترجح مصادر مطلعة أن يفعّل الجانبان التركي والروسي الدوريات المشتركة على طول الطريقين الدوليين، مشيرة إلى أن الخلاف يكمن في المناطق التي يجب أن تنسحب منها قوات النظام، إذ يريد الروس تثبيت نقاط السيطرة كما هي اليوم، ما يعني انتهاء اتفاق سوتشي. وتبقى المعضلة الكبرى وهي مصير “هيئة تحرير الشام”، التي يطالب الروس بحلها على الفور، بينما يدرك الأتراك صعوبة هذا الأمر في ظل تقدّم قوات النظام وعدم اكتراث الروس بالاتفاقيات. وتحاصر قوات النظام عدة نقاط تركية من بين 12 نقطة في محيط إدلب.
وتتجه أنظار الدول المعنية بالملف السوري إلى قمة موسكو، وقالت متحدثة باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، إن على بوتين وأردوغان تحديد منطقة آمنة داخل سورية للاجئين ومنظمات الإغاثة، محذرة من وجود “وضع إنساني مأساوي على الأرض”. وأوضحت أن ميركل حضّت على إنشاء المنطقة خلال مكالمات هاتفية مع الرئيسين. كما حضر الملف السوري في مباحثات هاتفية، أمس، بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، مقتل جنديين تركيين، وإصابة 6 آخرين، خلال الـ24 ساعة الماضية، نتيجة استهدافهم من قبل قوات النظام، مؤكدة أن كل الأهداف التي تم تحديدها عقب استهداف الجنود، دمرت بالكامل. كما أدخل الجيش التركي تعزيزات إضافية من معبر كفرلوسين الحدودي في ريف إدلب الشمالي، ووصلت تلك التعزيزات إلى النقاط التركية في منطقة الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. وضمت التعزيزات آلية مدرعة ومصفحة ودبابات وراجمات ومدافع وناقلات جند، كذلك نقلت القوات التركية مجموعة من القوات، ونشرتها على محور الترنبة، قرب مدينة سراقب، شرق إدلب.
وكما كان متوقعاً، بدأت فصائل المعارضة عملاً عسكرياً لاستعادة مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي من قوات النظام. وقالت مصادر من “الجبهة الوطنية للتحرير” إن مقاتلي المعارضة شنوا هجوماً معاكساً ضد قوات النظام على محاور مدينة سراقب، مشيرة إلى أن معارك عنيفة دارت بين الطرفين، في المحور الشمالي الغربي للمدينة. وأضافت أن المعارك دارت أيضاً على محاور جوباس وآفس شرق وشمال شرق إدلب في محاولة من فصائل المعارضة لإحراز تقدّم في المنطقة بدعم جوي ومدفعي من الجيش التركي. وأوضحت المصادر أن مقاتلي المعارضة بدأوا هجوماً أيضاً من محور قرية الترنبة ودمروا قاعدة إطلاق صواريخ ودبابة وراجمة صواريخ وقتلوا مجموعة من قوات النظام. وأكد قيادي في فصائل المعارضة أن مقاتلي هذه الفصائل دخلوا بالفعل الحي الغربي من مدينة سراقب، رافضاً الخوض في تفاصيل المعركة.
من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الشرطة الروسية انسحبت من مدينة سراقب احتجاجاً على استهداف القوات التركية في محيط سراقب من قبل المليشيات الموالية للنظام. في المقابل، شنّت قوات النظام هجوماً على محاور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي. وقالت مصادر من “الجبهة الوطنية للتحرير” إن الهجوم استهدف قريتي سفوهن والفطيرة، حيث دارت معارك عنيفة. وأوضحت أن الجيش التركي يساند بالمدفعية والطيران المسيّر فصائل المعارضة في صد هجوم النظام. من جهته، كان “المركز الروسي للمصالحة في سورية” يدعي أن “إرهابيين حاولوا تفجير حاويات للمواد السامة في مدينة سراقب، بهدف تعطيل تقدم القوات السورية في الأحياء الغربية من سراقب واتهامها لاحقاً باستخدام السلاح الكيماوي”، موضحاً أن الحادث وقع ليل الأحد الماضي.
المصدر: العربي الجديد