أمين العاصي
على الرغم من الهدوء النسبي الذي واصل السيطرة، أمس الأربعاء، على محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سورية، وحديث المسؤولين الأتراك عن خروق بسيطة، إلا أنّه من الواضح أنّ جميع الأطراف لا تزال متأهبة تحسباً لاستئناف المعارك، في الوقت الذي لا يزال فيه الجانبان التركي والروسي يحاولان التوصّل عبر محادثات بين وفديهما، كانت قد بدأت أول من أمس الثلاثاء، إلى آليات واضحة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الطرفان في العاصمة موسكو الأسبوع الماضي، وفتح الطريقين الدوليين “أم 4” و”أم 5″، اللذين كانا سبباً مباشراً لعمليات عسكرية عدة من قبل الروس والنظام قتلت وأصابت مئات المدنيين، وهجّرت أكثر من مليون آخرين.
وتسعى أنقرة إلى تحويل اتفاق وقف إطلاق النار من مؤقت إلى دائم، لتجنيب الشمال الغربي من سورية عمليات عسكرية، بينما يحاول الروس الحصول على مدينتي أريحا وجسر الشغور بعد السيطرة على معرة النعمان وسراقب، على نحو لا تبقى تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية من المدن الكبرى في الشمال الغربي من سورية سوى مدينة إدلب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، ويدور صراع كبير لحسم مصيرها. وقد قفزت أخيراً مدينتا أريحا وجسر الشغور اللتين تسيطر عليهما فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، إلى واجهة الحدث السوري مع ظهور مؤشرات فعلية على إمكانية عودتهما إلى سيطرة الروس والنظام.
واستمر الهدوء شبه التام، أمس الأربعاء، في عموم مناطق محافظة إدلب في ظلّ سريان وقف إطلاق النار لليوم السادس على التوالي، وفق ما أكّدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”. وذكرت المصادر أنّ قوات النظام كانت قد خرقت اتفاق وقف إطلاق النار، مساء الثلاثاء، بقصف مدفعي طاول مناطق في قرية السرمانية بريف حماة الشمالي الغربي، ومناطق في قرية اشتبرق، جنوب غرب إدلب، ما أسفر فقط عن أضرار مادية في ممتلكات المدنيين.
وفي ظلّ هذا الهدوء، تشهد المنطقة تحليقاً متقطعاً لطيران الاستطلاع الروسي، كما تقوم قوات النظام السوري بتعزيز قواتها على محاور سراقب، شرق مدينة إدلب، وكذلك على محاور جبل الزاوية، جنوب الطريق الدولي “حلب – اللاذقية”، في ما يبدو تحضيراً لاستئناف المعارك في حال انهيار وقف إطلاق النار.
من جهته، تعهّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بردّ قوي على أي هجوم قد تشنه قوات النظام السوري على نقاط المراقبة التركية في داخل محافظة إدلب. وأكد، في كلمة خلال مشاركته في اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمقر البرلمان التركي في العاصمة أنقرة، أمس الأربعاء، أنّ موافقة بلاده على وقف إطلاق النار “ليست عجزاً”. وأشار أردوغان إلى وجود خروق وصفها بـ”بسيطة” لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، من قِبل النظام السوري وداعميه من المليشيات الطائفية، مضيفاً: “ننتظر من روسيا اتخاذ التدابير اللازمة حيال هذا الأمر”.
وقال أردوغان إنّ موافقة تركيا على وقف إطلاق النار المؤقت، “ليست بسبب عجزها عن مواجهة النظام السوري والتنظيمات الإرهابية، بل لرغبتها في إيجاد حلّ لأزمة إدلب، يمكن قبوله من قِبل الأطراف كافة”. وأوضح أنّ تركيا “لن تكتفي بالردّ المماثل على أصغر هجوم قد تتعرّض له نقاط المراقبة التركية بسورية، بل سترد بقوة أكبر”، مضيفاً: “نراقب عن كثب تحشّد النظام السوري وداعميه من المليشيات قرب خطّ وقف إطلاق النار، وسنوجه لهم ضربات قاسية في حال مخالفتهم لوعودهم”.
وأشار أردوغان إلى أنّ العمليات التي نفذتها تركيا في إدلب بشكل فعلي طيلة شهر كامل وعملية “درع الربيع” التي أطلقتها هناك، “كلها تعكس عزم أنقرة على منع التهديدات القائمة على الحدود التركية”.
ويأتي ذلك فيما تواصلت، أمس، لليوم الثاني على التوالي، المحادثات بين الوفدين العسكريين التركي والروسي في أنقرة، في إطار اتفاق موسكو بشأن الوضع في محافظة إدلب. وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان، أمس، إنّ الوفدين التركي والروسي التقيا في أنقرة لليوم الثاني، في مقر وزارة الدفاع.
في السياق، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إنّ بلاده تعمل حالياً على تحويل الوقف المؤقت لإطلاق النار بمحافظة إدلب السورية إلى دائم. وفي تصريحات للصحافيين قبيل اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب “العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة، أوضح جاووش أوغلو أنّه “يتم التباحث حالياً بين الوفدين العسكريين الروسي والتركي حول التدابير التي ستتخذ من أجل فتح طريق أم 4 أمام حركة المرور، بشكل آمن”. وأشار جاووش أوغلو إلى أنّ “تركيا وجهت التحذيرات اللازمة إثر حدوث خروقات بسيطة لاتفاق وقف إطلاق النار بالمنطقة قبل يومين”.
وكان بوتين وأردوغان قد توصّلا، يوم الخميس الماضي، في العاصمة الروسية موسكو، إلى اتفاق جديد ملحق باتفاق سوتشي، حول “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، على وقف لإطلاق النار، بدأ منتصف ليل الخميس – الجمعة، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق “أم 4″، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس/ آذار الحالي.
من جانبه، أفاد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الأربعاء، بأنّ المحادثات التي بدأها الوفدان التركي والروسي بشأن الوضع في إدلب “إيجابية وبناءة”. وأشار أكار إلى أنّ اللقاءات المتبادلة مع الوفد العسكري الروسي تتواصل، مضيفاً أنّ تركيا “تخطط وتعمل من أجل البدء بتسيير الدوريات المشتركة مع الروس على الطريق الدولي أم 4 بسورية في 15 مارس”.
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أفادت، مساء الثلاثاء، ببدء محادثات الوفدين العسكريين التركي والروسي حول تطبيق الاتفاق الأخير الخاص بتسوية الأوضاع في منطقة إدلب.
وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الدفاع الروسية صمود نظام وقف إطلاق النار في إدلب بما يتماشى مع الاتفاق مع تركيا. وقال مدير “مركز حميميم لمصالحة الأطراف المتناحرة في سورية” والتابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء البحري أوليغ غورافلوف، في بيان، مساء الثلاثاء: “لم يتم رصد أي عمليات قصف خلال الساعات الـ24 الماضية من قبل التشكيلات المسلحة غير الشرعية الخاضعة لأنقرة”. وذكر غورافلوف أن “الشرطة العسكرية الروسية أمنت خلال الساعات الـ24 الماضية إيصال 4 قافلات عسكرية تركية إلى مواقع وجود نقاط المراقبة للقوات المسلحة التركية في منطقة إدلب لخفض التصعيد”.
ولم ترشح معلومات مؤكدة عن نتائج اجتماعات الوفدين الروسي والتركي في أنقرة لوضع آليات لتطبيق الاتفاق حول إدلب، لكن أعادت تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الثلاثاء، إلى الواجهة مصير أهم ثلاث مدن على الطريق الدولي “أم 4” الذي يصل مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بالساحل الغربي للبلاد، إذ حملت إشارات إلى أنّ هذه المدن أو على الأقل مدينتين منها، وهي أريحا وجسر الشغور، في طريقهما للخضوع لسيطرة النظام. وقال جاووش أوغلو إنّ جنوب الطريق الدولي اللاذقية – حلب “أم 4” سيخضع للرقابة الروسية، وشماله سيكون تحت رقابة الأتراك، في إطار توضيحه أحد بنود الاتفاق الروسي – التركي.
ووفق تصريح جاووش أوغلو، فإنّ الجانب الروسي له الحق بالسيطرة على جنوب الطريق وعلى طوله بين قريتي ترنبة، غرب سراقب (شرق إدلب)، وعين حور بريف إدلب الجنوبي الغربي، الخاضعة لسيطرة المعارضة، ما يعني بقاء مدينة سراقب بيد النظام والروس، إضافة إلى مدينتي أريحا وبلدات أخرى.
وكانت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد قالت لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، قبل أيام، إنّ “اتفاق وقف إطلاق النار الذي جاء برعاية من الحليف الروسي، تمّ على خطوط التماس التي وصل إليها الجيش العربي السوري، ما يعني أن المناطق والمساحات الكبيرة التي تحررت بقيت بيد الجيش، وهذا لمصلحة سورية طبعاً لأنّ رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، كان يريد إعادة الجيش إلى منطقة معرة النعمان”، وفق قولها. وأشارت إلى أنه “في حال طُبق (الاتفاق)، سيتم تحرير أريحا وجسر الشغور، وسيفتح طريق حلب اللاذقية، ما سينشط الحركة التجارية والاقتصادية”.
وفي خطوة يبدو أنها تأتي لفتح الطريق الدولي “أم 4” أمام حركة المرور، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أنّ قوات النظام أزالت السواتر الترابية عند مفرق قرية كفرية، شمال شرق اللاذقية، تجهيزاً لتسيير الدوريات الروسية – التركية وفتح الطريق الدولي باتجاه حلب، فيما تجري عمليات إزالة السواتر منها باتجاه عين الحور في ريف اللاذقية قرب الحدود الإدارية مع محافظة إدلب.
كما بدأ النظام السوري، أمس الأربعاء، بإزالة السواتر الترابية والحواجز الإسمنتية عن الطريق الدولي حلب – دمشق “أم 5”. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، إنّ قوات النظام بدأت بإزالة العوائق والسواتر الترابية والحواجز الإسمنتية عن الطريق الدولي “أم 5″، ابتداءً من مدينة سراقب وحتى مدينة حلب. وأضافت أنّ ذلك يتزامن مع استمرار النظام بإزالة السواتر والعوائق عن الطريق الدولي “أم 4”.
وفي الشأن ذاته، قالت مصادر عسكرية من “الجيش الوطني السوري”، لـ”العربي الجديد”، إنّ مواقع عناصر المعارضة بشكل عام وبقية الفصائل لم تتغير إلى الآن. كما أكدت المصادر أنّ الجيش التركي لم ينسحب من أي نقطة أقامها جنوب الطريق الدولي حلب اللاذقية، وما تمّ سحبه هو آليات معطلة وأخرى تضررت من قصف النظام السوري على النقاط التركية في المنطقة.
وتسيطر قوات النظام ومليشيات إيرانية موالية لها على مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، حيث فشلت محاولات عدة لاستعادتها من قبل فصائل المعارضة السورية التي لا تزال تسيطر على مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، ومدينة جسر الشغور في ريفها الغربي. ومدينة جسر الشغور التي تقع على نهر العاصي، تبعد نحو 50 كيلومتراً عن مدينة إدلب. ولطالما كانت هذه المدينة هدفاً رئيسياً لقوات النظام التي منيت بهزيمة مدوية فيها في بدايات عام 2015، لذا يسعى النظام لاستعادتها لتحقيق نصر إعلامي أمام مؤيديه. كما أنّ استعادة النظام للمدينة تعني استعادة ريف اللاذقية الشمالي برمته، الذي استعصى جانب منه، وخصوصاً تلة الكبانة، على قوات الأسد التي خسرت المئات من مسلحيها في عشرات محاولات اقتحام فاشلة. بينما تقع مدينة أريحا التي تتبع لها نحو 55 قرية، إلى الجنوب الغربي من مدينة إدلب بنحو 15 كيلومتراً، وهي من المدن الهامة التي يمر بالقرب منها الطريق الدولي “أم 4”.
المصدر: العربي الجديد