أحمد مظهر سعدو
بينما تلج الثورة السورية/ ثورة الحرية والكرامة عامها العاشر، وحيث يتابع السوريون بإصرارهم المعهود مسيرة الثورة والانتفاض ضد الاحتلال الأسدي الروسي الإيراني، مهما اعترى أوضاعهم ومصائرهم من تخلٍ وخذلان، ومهما عاشوا من شظف للعيش لا قدرة على احتماله، وقلة الحيلة التي تلجم الحليم وتجعله في حالة حيرة.
لكن وللحقيقة نقول فإن الثورة السورية والسوريون عمومًا يعيشون في جو من الضبابية والغموض فيما يعتقدون أنه كاد أن يكون حلاً مؤقتًا لحالهم في إدلب وريف حلب، خاصة بعد توقيع بروتوكول ملحق باتفاق سوتشي الخاص بإدلب، مؤخرًا، وما يتمظهر عنه من محددات إن صدقت فإن الحال سيكون أكثر سوءً، ولن يتمكن كل السوريين المهجرين قسرًا إلى الشمال السوري، من العودة إلى منازلهم، حيث كل المساحة الممتدة جنوب طريق ال m4 ستكون تحت الهيمنة الروسية، وهذا يحيلنا إلى إمكانية أن يتدخل شبيحة الأسد ليديروا هذه المناطق بإشراف روسي، وهي تضم مدينتين كبيرتين هما (أريحا) و(جسر الشغور)، إضافة إلى (محمبل) وكل قرى وبلدات جبل الزاوية، وهو ما جعل لفيفًا من السوريين يقيمون اعتصاما على طريق الأوتوستراد المشار إليه، رفضًا لكل ما يقال عن ضرورة دخول قوات الشرطة العسكرية الروسية، بدوريات مشتركة مع الأتراك لينفذوا الاتفاق المنوه عنه.
وكما يقول السوريون وعلى ضوء ما سبق، ما يزال مصير إدلب يلفه مستقبل مجهول، ففي السياسة لا يجوز الركون إلى النوايا الحسنة، بصرف النظر عن مصداقية أصحابها. وللأسف؛ إن سيولة التصريحات المبهمة من عدة جهات تركيا وروسيا والنظام السوري تضفي على الموقف المزيد من الضبابية وعدم الوضوح.
والمشكلة الأساس أن المعارضة المغيبة والغائبة طواعية في كثير من الأحيان، مازالت هي الأخرى تنتظر مع المنتظرين دون الانخراط في المسألة برمتها، ضمن حالة القبول والارتكان والارتهان للاستبعاد المقصود، الممارس بحقها وحق كل السوريين.
ويبقى السؤال وفي ذكرى الثورة السورية، كيف يمكن لمعارضة هذا حالها، أن تبقى متربعة على رمل وثرى سورية، وهي راضية لحالها، وعاجزة بل متعاجزة عن أي فعل جدي، يُشرك الشعب السوري فيما آلت إليه الأمور، من سرقة القضية السورية وخطفها كلية، في ظل صمت دولي مريب وغريب، وتغول واضح من الاحتلالين الروسي والإيراني وما استتبعهما.
لعل عودة المهجرين من إدلب الذين يزيد عديدهم عن المليون ونصف، غير ممكنة، وغير واقعية، فيما لو تمكن النظام عبر الاتفاق / البروتوكولي الموسكوفي، من الوصول إلى جنوب خط أوتوستراد m4 إذ لا ثقة في النظام السوري، ولا في روسيا التي أعادت قيامة النظام بعد أن كان في عام 2015 آيلاً للسقوط، خاصة وأن التجارب القريبة فاقعة، عبر ما حصل في مناطق خفض التصعيد السابقة التي مازالت ماثلة للعيان، بل تزيد فداحة ووضوحًا، فقد وثّق “تجمّع أحرار حوران” مؤخرًا فيما يخص منطقة خفض التصعيد في الجنوب/ درعا، وخلال شهر شباط/فبراير الماضي فقط 37 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، أسفرت عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 12 آخرين، فيما نجا 8 أشخاص من محاولات الاغتيال. قام بها الشبيحة، وقوى الأمر الواقع من ميليشيا حزب الله والمليشيات الطائفية الأخرى المتواجدة في درعا، كمنطقة خفض تصعيد بعد أن تم منذ أكثر سنة توقيع الاتفاق ذاك الذي بات معروفًا وبرعاية أميركية.
الوضع السوري في بداية العام العاشر للثورة السورية مازال يلفه الألم والدم، والتهجير والاعتقال. حيث ذكرت منظمة اليونيسف مؤخرًا في بيان لها أنه: “كل عشر ساعات يموت طفل جراء الحرب في سورية”. وتُقدر المنظمة عدد الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة جراء الحرب بنحو 2.8 مليون طفل، مشيرة إلى أن كثيرًا منهم لم يذهب إلى المدرسة على الإطلاق. وذكرت اليونيسف في بيانها أن نحو 60% من النازحين كانوا من الأطفال.
إنها أرقام صادمة بحق، وهي توازي بالضرورة حالة الألم والعسف الذي مازال يمارس ضد السوريين في كل مكان، حتى لم يعد للسوري أن يأبه لكل ما يقال عن وباء (الكورونا) المنتشر في كل مكان من العالم، ولسان حاله يقول: ليس من كورونا أشد فتكًا بنا من كورونا المقتلة الأسدية الروسية الإيرانية، ومن تخلي المجتمع الدولي برمته عن شعب سوري خرج يومًا صبيحة 15 آذار 2011 لينادي بالحرية والكرامة وما يزال.
المصدر: المدار نت