بعد كل هذه المحرقة والابادة الجماعية التي تقوم بها عصابات الأسد في الغوطة الشرقية، وبعد حالة الخذلان العربي والإقليمي والدولي، حيث تترك الغوطة الشرقية تغرق في دمائها، دون وازع من ضمير أو أخلاق، وبتجاوز واضح لكل الحضارة الإنسانية المعولمة التي يطنبون بها آذاننا ليل نهار، يبقى السؤال الأهم لماذا لم يعد في المجتمع الدمشقي العريق والثائر على مر العصور، أي حراك؟ وهو الذي فجر ثورة الحرية والكرامة، حيث الميدان والمزة وبرزة البلد وركن الدين تشهد على ذلك، لماذا كل هذا الصمت المطبق؟ والى متى؟ ويصعد للمخيال سؤال غاية بالأهمية، مفاده: لماذا يصمت المجتمع الدمشقي عما يجري في الغوطة؟ ولماذا لم نعد نشهد أية تحركات في دمشق نصرة لأهل الغوطة؟ هل من سبب مجتمعي أو أمني؟ وإلى متى؟ عن ذلك وفي أتونه نسأل بعض النشطاء والمطلعين لنسمع منهم آراءهم حول ذلك.
فقد أكد عزو فليطاني عضو الهيئة السياسية في ريف دمشق ومسؤول العلاقات والتواصل قائلًا “عانى المجتمع الدمشقي منذ انقلاب البعث في 8آذار/مارس عام 1963تراجعًا كبيرَا عن دوره الوطني نتيجة عدة عوامل منها-القبضة الأمنية من قبل (مجلس قيادة الثورة) والأفرع الأمنية، وتم إعدام الشرفاء من الضباط الدمشقيين، وإيداع عدد كبير منهم بالسجون والمعتقلات وتطبيق قانون الطوارئ والأحكام العرفية وإنشاء المحاكم الاستثنائية، وأيضًا-الممارسات الخاطئة في التأميم والإصلاح الزراعي، إضافة إلى-التغيير الديموغرافي في انتقال أهالي أرياف المحافظات السورية إلى دمشق، مما سبب نشاطًا ثوريًا وأحيانًا ديماغوجيًا بغير سياقه الطبيعي، لأن رأس المال يحتاج إلى حرية وديمقراطية وليبرالية وكذلك فإنه – قبل ربيع دمشق بدأت الاعتصامات للنخب ولأحزاب التجمع الوطني الديمقراطي ولكن لم توظف بشكل صحيح، وحتى إعلان دمشق لم يزدد عدد المتظاهرين، وكذلك بعد قيام الثورة”. وأضاف قائلًا ” أغلب الدمشقيين وسكان دمشق الذين وفدوا من الغوطة قمعوا أمنيًا وكذلك إجراءات الايجار والعمل والتجنيد وكبت الحريات والقبضة الأمنية وآراء بعض الوافدين إلى العاصمة، كانت ضد الثورة منذ اندلاعها بما في ذلك الذين أتاحت لهم الأنفاق الخروج والمغادرة والبحث عن فرص عمل ووظائف وموظفين قدامى وعمال لم يقوموا بواجبهم تجاه الأهل في الغوطة، ويعود السبب من بنائهم الفكري النفعي، حتى أن البعض يقتات على الأزمة والدعم والمعونات وتفضيل الهدن والمصالحات، كما حصل في المعضمية والزبداني والتل. وسقوط داريا ومضايا وتهجير أهالي الريف الغربي والتغيير الديموغرافي الجديد وكذلك القصف على الغوطة الذي لم يتوقف منذ بداية عام 2013 وفشل الإعلام الغوطاني وسياسة الأحزاب الجديدة والقديمة في العاصمة حال دون نصرة الغوطة، ولا ننسى أخطاء بعض العسكريين وممارستهم في القابون وبرزة وكذلك أخطاء العسكريين داخل الغوطة الشرقية من اقتتالات داخلية، وهذا الفشل وجميع هذه العوامل سببت إحجام أهل الغوطة من أجل نصرتها.”. ومع ذلك تحدث عن موقف إيجابي للكثير من الدمشقيين بقوله ” الجهود التي بذلت وما زالت تبذل من قبل البعض في رفع المعاناة عن الغوطة ونصرتها كثيرة، وهناك العدد الكبير من الدمشقيين الذين رفدوا الغوطة بالكوادر المدنية والعسكرية ونتحفظ على أسماء لامعة تعمل في الغوطة وفي دمشق وتساعد، ولا ننسى أن إفراغ دمشق من أعداد كبيرة من النشطاء والثوار وتهجيرهم قسرًا مع من تهجر، والبعض منهم التحق بقوافل التهجير عند انسداد أفق الثورة وطول مدة انتصارها وتخاذل القوى السياسية والقوى الناعمة”.
الناشطة الدمشقية زهرة العسير قالت لجيرون وبكل الحزن ” استطاعوا تفرقتنا بدمشق فلم نعد كتلة قوية كما كنا سابقًا، وشباب الحراك منهم من ترك البلد، ومنهم من حول نفسه للعمل الاغاثي الأقل عقوبة بنظره، والتحركات في دمشق لم يعد لها صدى كما السابق، وأغلبها أعمال فردية” ثم قالت ” نعم هو السبب الأمني، فأي معتقل جديد لن يشعر به أحد سوى أهله، والاعتقال لم يعد كما كان سابقًا فمن يدخل لن يخرج، هو الخوف، زرعوا فينا ثقافة الخوف. لكن السؤال متى نعود؟ وحين يعود كل شخص هاجر وترك البلد، حينها نعود قوة واحدة كما كنا سابقًا”.
الناشط السوري أحمد طه قال لجيرون ” دمشق الآن سليبة اختطفها النظام الأسدي منذ زمن ِ فحين يكون من الطبيعي في مثل هذه اللحظات الحاسمة والعصيبة التي تمر بها سورية عمومًا و الغوطة خصوصًا أن تقف دمشق مع غوطتها و لو بأدنى أشكال الرفض لما تقوم به حكومة الأسد والعصابات الطائفية، تراهم على العكس من ذلك حيث تمتلئ المقاهي والمطاعم ليس بشكل اعتيادي ولكن بشكل يفوق العادة ربما استرضاء للظالم وتعبيرًا له أننا لا نشبه أولئك الذين تصب جام غضبك عليهم، بل دعني أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك قليلًا عندما كانت تخرج مظاهرات في دمشق ضد العدوان الأميركي على العراق أو حتى في مناسبات أخرى كانت هذه المظاهرات هي من ابناء الريف المحيط بدمشق، فكنت ترى في هذه المظاهرات أبناء دوما وحرستا وعربين والمعضمية وداريا وقليل من أبناء دمشق من شارك بهذه الفعاليات”. وعن لماذا ذلك أجاب ” أما لماذا وهذا هو السؤال المحير الذي يحتاج لكثير من البحث، ولكن أعتقد أن بعض من الجواب هو أن أبناء دمشق هم من طبقة التجار التي حاول النظام ربطها بشكل أو بآخر بمنظومته السلطوية والمصلحية “.
أما المعارض منصور الأتاسي ورئيس حزب اليسار فقد قال لجيرون” لا أعتقد أن أحدًا في سورية يمكن أن يقف حياديًا وهو يرى ويتابع الأعمال الهمجية التي ينفذها النظام بالتعاون مع الروس والايرانيون ضد شعبنا الأعزل في الغوطة حيث تستخدم كافة أصناف الأسلحة من طيران وصواريخ ومدفعيه ودبابات في قصف المدن والقرى مستهدفين المدنيين بشكل خاص. ولا أحد في سورية لا يعرف قمع النظام ووحشيته في التصدي لأي تحرك تضامني مع سكان الغوطة، وخصوصًا في مثل هذه الظروف، حيث تنتشر عناصر الأمن في كل مكان بشكل استفزازي وعلني “. ثم نوه إلى أنه ” تقوم مجموعات أمنية أو تابعة لها بقصف الأحياء الدمشقية بقذائف وبشكل يومي وتنزل العديد من الخسائر لتوحي للدمشقيين بأن مقاتلي الغوطة هم من ينفذوا هذه الأعمال مما يساعد في تشويش أهالي دمشق، وأعتقد أنه من المطلوب إصدار بيانات من داخل الغوطة تنفي إطلاق القذائف على الأحياء المدنية في دمشق وتدين فاعليها. “
المصدر : جيرون