نور عويتي
“إذا تمكنت من الحصول على القيمة الحقيقية من حوالة مالية مرسلة إليك من الخارج، فأنت إرهابي”، هذه هي خلاصة البيان الذي قام مصرف سوريا المركزي بنشره عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك” في 1 حزيران/يونيو.
البيان المطول نُشر لترهيب المواطنين وتهديدهم باتخاذ أقسى العقوبات إن لم تمر الحوالات المالية التي يرسلها لهم ذووهم المغتربون لإعالتهم عبر شركات الصرافة الرسمية المرخصة، والتي تفرض عليهم أتاوة تصل إلى ما يزيد عن 60 في المئة من قيمة الحوالة. الأتاوة التي يحدد قيمتها مصرف سوريا المركزي نفسه، من خلال تلاعبه بسعر صرف العملات الأجنبية.
ويحدد المصرف المركزي سعر صرف الدولار للحوالات القادمة من الخارج بـ 700 ليرة سورية، فيما بلغ سعر صرف الدولار اليوم 1800 ليرة سورية.
قيام النظام السوري بسرقة حوالات المغتربين لا يعتبر أمراً جديداً، فقد سبق وأن قام المصرف المركزي بنشر بيان سابق بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2020، عن ضرورة تعامل المواطنين مع القنوات المصرفية الرسمية وعدم التعامل مع السوق السوداء بتصريف العملات الأجنبية، عدا عن المرسومين رقم 3 ورقم 4، اللذين أصدرهما رئيس النظام السوري بشار الأسد نهاية العام 2019، بهدف تشديد العقوبات على كل من يتعاطى بالقطع الأجنبي، وما تلا ذلك من حملات اعتقال وإغلاق محلات الصرافة غير المرخصة.
لكن الجديد في بيان المصرف المركزي الأخير، أنه بدا كوثيقة تتضمن اعترافات بانتهاكات تمارسها حكومة النظام السوري. البعض منها بدا شديد الغرابة واللامنطقية، ابتداءً من التعاطي مع حوالات المغتربين بوصفها “تمويل إرهاب”، بحجة أنه ومن خلال الرقابة الشديدة على اتصالات مستلمي الحوالات تبين أن غالبيتهم ينتمون لمناطق كانت حاضنة للإرهاب، بحسب تعبيره.
هذا يقود إلى الانتهاك الآخر والأسوأ، إذ أن حكومة النظام السوري تطبق معايير مناطقية بالتعامل مع مواطنيها، وتتعاطى مع المواطنين الذي ينتمون للمناطق التي ثارت ضد الأسد كمواطنين درجة ثانية، لديهم نقطة سوداء بسجلهم، وهم متهمون مسبقاً بأنهم خلايا نائمة حاضنة للإرهاب.
كما أن بيان المصرف المركزي يؤكد بشكل واضح انتهاك حكومة النظام السوري لخصوصية مواطنيه وتجسسه على مكالماتهم الخاصة، بما في ذلك المكالمات التي يجرونها من خلال التطبيقات المجانية مثل “واتسأب”. والأسوأ أن البيان يتضمن اعترافاً واضحاً وصريحاً بأن النظام السوري قام باعتقال أفراد وإغلاق شركات، جريمتهم الوحيدة هي ايصال الإعالات لأسر المغتربين من دون فوائد.
وقال مصدر خاص ل”المدن” من دمشق، إن “الحملة التي شنها النظام مؤخراً لم تقتصر على إغلاق الشركات غير المرخصة التي تحول الأموال بأسعار أفضل من الشركات المرخصة، مقابل عمولة معقولة؛ بل تم اعتقال العديد من الأشخاص الذين يساعدون أهالي المغتربين في دمشق على استلام حوالاتهم من دون أن يكون لنشاطهم أي أهداف تجارية”.
وكان من بين المعتقلين تاجر شامي يتجاوز الخمسين من عمره، أرسل ابنه للدراسة في ألمانيا على نفقته الخاصة قبل عامين. وخلال هذه المدة لم يرسل لابنه حوالات عبر شركات الصرافة، بل كان ينتظر أن يستلم ابنه مبالغ مالية باليورو من المغتربين في ألمانيا، ويقوم هو بدفع قيمتها لأهاليهم دون ربح. هذا الرجل تم اعتقاله، ولايزال معتقلاً حتى اليوم”، بحسب المصدر.
ومن ناحية أخرى، يتزامن البيان الذي أصدره مصرف سوريا المركزي مع الموعد المحدد مسبقاً لتفعيل قانون “قيصر” الأميركي، والذي ستطال عقوباته مصرف سوريا المركزي بلا ريب؛ مما يجعل البيان يحمل أبعاداً جديدة، فهو رسالة واضحة إلى استمرار النظام على نهجه وعدم استعداده لتقديم أي تنازلات. وربما يكون هذا الإجراء بسبب إدراك النظام لتأثير قانون “قيصر” على اقتصاده في الفترة المقبلة، ولذلك هو يسعى للتعويض من خلال سرقة حوالات المغتربين المالية.
يذكر أن الحوالات المالية قد ازدادت خلال شهر رمضان الماضي بنسبة 20% عما كانت عليه في العام الفائت، بحسب مدير العمليات في شركة “الهرم”، أحمد عاصي. وربما تكون هذه الزيادة ناجمة عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها النظام السوري لضبط الحوالات المالية ومسارها؛ علماً أن عاصي فسر الزيادة بانتشار فيروس كورونا والحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشها السوريون في الداخل.
المصدر: المدن