محمد خليفة
يتبادر إلى ذهني باستمرار السؤال التالي: ماذا لو قامت الثورة السورية وأبو عمار على قيد الحياة …؟ هل كانت مواقفه وردود أفعاله مما يجري في سورية بين شعبها وطاغيتها، ابن حافظ الأسد كالمواقف التي اتخذها خليفته محمود عباس، وبقية قادة الفصائل من الثورة السورية ..؟
وكنت دائما أنتهي إلى استحالة أن تكون مواقف خلفائه كمواقفه من سورية نظاما وشعبا، لأن هذه تحتاج شجاعة لا تتوفر لهم، وزعامة بحجم زعامة عرفات، بل انني كنت أنتهي الى القطع، بأنه كان سيؤيد الشعب السوري في ثورته، تأييدا مطلقا بلا تردد، بناء على معرفتي بما يكنه من محبة للشعب السوري وخصوصية في العلاقة.
هذه النتيجة التي انتهيت اليها دائما، نابعة من فهمي لطريقة تفكير طائر الفينيق الفلسطيني ياسر عرفات الذي أحيا شعبه من رماد نكبة 1948، وما يكتنف علاقته المضطربة والمتوترة مع حافظ الأسد. ولأن الشخصين غادرا الحياة منذ سنين طويلة فإنني سألقي الأضواء على بعض الجوانب المجهولة من علاقات عرفات – الأسد.
علاقات الغريمين: الداهية والطاغية!
كان الزعيم الفلسطيني الراحل متعدد المواهب. جمع على نحو خاص بين مقدرتين متناقضتين، الأولى مقدرته أن يكون ثوريا نبويا، كأي فدائي لا يساوم على فلسطين. والثانية مقدرته أن يكون براغماتيا عملانيا الى درجة المكيافيلية، في سلوكه السياسي وحركيته على الساحة الدولية الى حد قد تظهره أحيانا متناقضا. ولولا هاتان الموهبتان، ما استطاع “الختيار” الداهية السير على رؤوس اصابعه، على حبال مشدودة ورفيعة بين القادة العرب (الأخوة الأعداء)، ومحاورهم المتناقضة، وصراعاتهم البدوية. وأجاد بمهارة السير على الحبال المشدودة، ورقص عليها أيضا! واستطاع دائما التنقل ببراعة من أقصى العداء الى أقصى العناق.
في علاقته المعقدة والمضطربة بسورية والسوريين، وتعامله الضروري مع طاغيتها الأقوى حافظ الاسد خلال ثلاثين عاما احتاج الداهية لتوظيف كل مهاراته ليحافظ على “شعرة معاوية” مع حافظ الأسد الذي كان يتبادل معه الكراهية والتوجس والشك.
كانت كيمياء الرجلين مختلفة، منذ البداية. في عام 1965 أمر وزير الدفاع السوري اللواء حافظ الأسد ورئيس الاستخبارات العسكرية اعتقال مؤسس فتح في دمشق، وأفرج عنه بعد عدة أيام، ولكن الحادثة تركت جرحا غائرا في صدره.
والحادثة الثانية أن حافظ الأسد اتخذ موقفا أقرب للنظام الأردني في حرب أيلول الأسود، بينما كان بقية القيادة السورية مؤيدة للفلسطينيين وتريد التدخل العسكري، دعما لهم، لكن وزير الدفاع ورئيس أركانه مصطفى طلاس رفضا التدخل، وكانا ينسقان مع نظام الاردن عبر رئيس حكومته وصفي التل (عديل طلاس)!
وأدى الخلاف على الموقف من أيلول الأسود ليكون من أهم عوامل انقلاب الأسد على رفاقه بعد شهرين (في 16 نوفمبر 1970).
وتعمق التناقض بين الغريمين الداهية والطاغية بعد انتقال قيادة الثورة الفلسطينية من الاردن الى لبنان. وبلغ مداه بدخول الجيش السوري عام 1976 والصدام العسكري الذي بين الطرفين في الجبل وبيروت وصيدا، وسقوط عدد كبير من القتلى من الجانبين، ويروي ياسر عبد ربه أن الاسد أعرب عن غضبه الشديد لعرفات في أحد لقاءاتهما، بينما كان ما ارتكبه جيش الأسد في تل الزعتر أشد وأقسى.
في تلك الفترة كانت علاقات الغريمين يحكمها عاملان: أولهما محاولات الأسد المتكررة للسيطرة على قرار منظمة التحرير، للتحكم بالورقة الفلسطينية، عبر ما سماه الأسد (الوحدة السورية – الفلسطينية)، وهذا ما كان يرفضه أبو عمار مطلقا، وجاهز دائما للقتال دفاعا عن القرار الوطني المستقل، لأنه مبرر شرعيته، وصميم السياسة الفلسطينية التي يقودها عرفات شخصيا.
وثانيهما صراع السيطرة على لبنان. فعرفات تحالف مع الحركة الوطنية اللبنانية، ذات التوجهات (اليسارية والقومية) بقيادة كمال جنبلاط وعبد المحسن ابراهيم وجورج حاوي، وكان هذا الحلف في الواقع معاديا لنظام الأسد من قبل تدخله في لبنان. وتحالف الأسد مع القوى الانعزالية المعادية للحركة الوطنية، وتدخل في لبنان، بناء على تفاهم واتفاق مع اسرائيل والولايات المتحدة.
هكذا تراكمت ملفات الخلاف بين عرفات والأسد وتعمقت التناقضات، واستحكم بين الرجلين عداء مستمر، يختفي تحت غشاء رقيق من السياسة والمجاملة الضرورية في علاقات القادة. على سبيل المثال اعتقلت الاستخبارات السورية في تلك الفترة مئات من الشخصيات الفلسطينية الفتحاوية في سورية بتهمة الانتماء لفتح والولاء لعرفات فقط، وتطور الصراع بين الطرفين، الى أن وقع الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وكان الاسد يعلم به مسبقا، ولم يخبر عرفات به. وبعد انسحاب منظمة التحرير من لبنان الى تونس رفض ابو عمار الخروج عبر دمشق، وخرج بحرا مرورا بأثينا حيث استقبله اندرياس باباندريو استقبالا يليق بزعيم اغريقي اسطوري. فغضب الاسد وحرض عصاباته على شق حركة فتح، بواسطة أبو موسى وأبو خالد العَملة، ومهاجمة بقايا خلاياها في لبنان بواسطة أحمد جبريل، فعاد عرفات الى لبنان وقاتل السوريين وعملاءهم في طرابلس، قبل أن يخرج ثانية بوساطة فرنسية جديدة، وفي الأعوام التالية وقعت قطيعة طويلة، لم تنته إلا بعد الانتفاضة 1988. وفي الأعوام التالية بعد اتفاق أوسلو تعرض ياسر عرفات لعملية طرد رسمية وعلنية من دمشق. وقال الفلسطينيون إن عرفات تعرض لأكثر من محاولة اغتيال من قبل السوريين بأوامر مباشرة من الأسد.
ظلت علاقات الجانبين مغمسة بالدم على مدى 35 سنة، كانت علاقات كل من الرجلين تتوتر مع أطراف عربية عديدة، ثم تصفو، إلا أن علاقات عرفات والأسد توترت ولم تصفو أبدا بعد ذلك، لأن خلافاتهما وتناقضاتهما كانت في الواقع موضوعية واستراتيجية. ولعل أبلغ دليل على استحالة صفائها هو العبارات السوقية البذيئة جدا التي أطلقها الجنرال مصطفى طلاس في خطاب علني ضد ياسر عرفات. في أواخر حياة حافظ الأسد. ويروي حارسه الشخصي محمد دية للبي بي سي كيف أراد أبو عمار المشاركة في وداع وتشييع الأسد بعد موته عام 2000 فرفض بشار، وربما كان أول قرارته رئيسا لسورية، وخشي عرفات إن ذهب بدون موافقة أن تقصف طائرته. فلجأ عرفات للرئيس مبارك، طالبا منه اصطحابه معه في طائرته لدمشق، فوافق مبارك، وفوجئ السوريون بوصول عرفات غير المرغوب به. وعندما انتقل الى القصر لإلقاء نظرة الوداع على جثمان الأسد، وانضم الى القادة العرب الذين كان البروتوكول ينظم دخولهم واحدا واحدا ، ورفض السماح لأبي عمار بالدخول الى الصالة المسجى بها ، فانتهرهم عرفات واقتحم الصالة بحدة ، وأجبرهم على الابتعاد عنه ، ثم انتقل بنفس الطريقة الى الغرفة الجانبية التي وقف فيها بشار الأسد وبجانبه فاروق الشرع وزير الخارجية ومصطفى طلاس وزير الدفاع فدخل عليهم ، وبادر بعناق بشار ، وصافح الشرع وانتقل لمصافحة طلاس الذي شتمه قبل فترة وجيزة، فاضطر الماريشال لتقديم التحية العسكرية له !
وكانت آخر زيارات عرفات الى دمشق قبل أن يموت الزعيم الفلسطيني الذي صاغ الهوية الفلسطينية المعاصرة، وانتزع من العرب (القرار الوطني المستقل) وأصبح رمزا للشعب الفلسطيني، وبمثابة أب لكل الفلسطينيين.
عداء وصراع حتى الرمق الأخير:
لم يكن الزعيم الراحل أقل قدرة من غريمه الأسد في العبث بالساحة السورية ردا على عبث الأسد في الساحة الفلسطينية، على مدى ثلاثين عاما.
وأود هنا أن أكشف شيئا عشته بنفسي، لم أكشف عنه سابقا في نص مكتوب.
1 – لقد انتسبت لحركة فتح عام 1968 في مكتبها بحلب (الواقع في مبنى العبارة في مركز المدينة) وارتبطت بقائدين هما أبو صالح، وأبو السعيد. وفي يونيو عام 1970 تلقيت دورة عسكرية في أول معسكر لما سمي حينها (الجبهة المساندة) في بلدة زملكا التابعة لغوطة دمشق. ونظرا لأهمية الجبهة، وكون المعسكر هو الأول، وتميز المشاركين فيه من دول عربية كثيرة، افتتحه ياسر عرفات. زارنا فيه أبو جهاد وابو اياد وابو الهول وأبو عمار سعد، كلا على انفراد. وتلقيت دورة تدريبية ثانية في معسكر يقع بمدينة مصياف – حماة في صيف 1972. ودورة ثالثة سريعة في مخيم النيرب – حلب في ايلول 1970 بعد بدء حرب ايلول الاسود، بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الاردني. كانت هذه الدورة سريعة لتهيئة من سينتقلون للأردن للقتال، وكان العدد الذي سيشارك من حلب مائة شخص، بينهم عشرة سوريين فقط، وكنت واحدا منهم. وبعد نهاية الحرب أخبرني بعض القادة بأنهم يريدون تكليفي بمهمة نضالية خاصة وسرية، وسيرسلون لي مندوبا ليبلغني بها. بعد شهور وصل الى حلب اثنان من القيادة الفتحاوية لزيارة مخيمي النيرب وحندرات، وطلبوني لمقابلتهما، وذهبت اليهما، قالوا لي إن القيادة راضية عن التزامي ونضالي مع فتح، وتقدر لي ما قمت به في حرب الأردن. وبناء على ذلك كلفتني القيادة تشكيل تنظيم سري للسوريين المؤيدين لفتح والثورة الفلسطينية، فوافقت وحددا لي وسيلة الاتصال الدائمة، ونقل الكتيبات والمنشورات التي يتعين عليّ استعمالها في التنظيم، وشددا على الناحية الأمنية، وأعطياني تعليمات كثيرة مسجلة على ورق، التزمت بها وطبقتها حرفيا. وخلال سنة استطعت تجنيد عشرات الشباب، مقسمين على خلايا لا تزيد الواحدة على 7 اشخاص، تجتمع كل اسبوع أو اسبوعين. واستمرت العملية حتى 1976 ودخول الجيش السوري للبنان وصدامه بمقاتلي فتح الفلسطينيين في لبنان، جاءني أمر بحل التنظيم حرصا علينا، لأن مصيرنا سيكون مأساويا لو اعتقل أحدنا واكتشف التنظيم.
وقد سمعت من قادة فتح أن ما كنت اقوم به في حلب (انشاء تنظيم فتحاوي من السوريين) كان له ما يوازيه في دمشق وبقية المحافظات السورية، ما يعني أنه خطة استراتيجية لبناء تنظيم سوري موال لفتح ومؤيد للثورة الفلسطينية.
2 – في السنوات الأولى من السبعينيات انفتحت معسكرات فتح في سورية والأردن لتدريب مئات من عناصر الاخوان المسلمين السوريين، تدريبا قتاليا متقدما. بينهم المقاتلون الذين بدأوا الصدام ضد النظام من عناصر (الطليعة المقاتلة وجماعة مروان حديد) والتنظيم العام الذي كان عدنان سعد الدين (المراقب العام) بينهم. وهذه المعلومة السرية كشفها لي صديقي محمد الحسناوي، أحد قادة الصف الثاني من الأخوان السوريين.
3 – في السنوات التالية أقامت حركة فتح علاقات مع عدد من التنظيمات السرية من كافة الاتجاهات بما فيها رابطة العمل الشيوعي، ودربتها أو قدمت لها مساعدات مختلفة في لبنان، بواسطة رابطة الشغيلة اللبنانية ومنظمة العمل الشيوعي.
4 – في السبعينات وما تلاها حتى وفاة عرفات كان شخصيا يحمي ويدعم عددا من الشخصيات أو مجموعات المعارضة السورية في لبنان وغير لبنان. بما فيها تنظيم كردي هو (حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية) الذي يقوده صلاح بدر الدين الذي كان يعيش في بيروت بحماية ودعم من عرفات وأجهزة فتح الأمنية.
5 – في نفس الفترة والى ما بعدها كان عرفات يساعد ويدعم شخصيات سورية معارضة محسوبة على البعث المعارض (جماعة صلاح جديد) في لبنان والعراق والجزائر واوروبا. وعندما تعرض الزميل الصحافي عاصم الجندي لمحاولة اغتيال في بيروت عام 1980 من الاستخبارات السورية أمر ابو عمار فورا بنقله بطائرة خاصة الى فرنسا ومعالجته على نفقته، فأنقذ حياته. ولولا تدخل عرفات بهذه السرعة والشهامة للقي عاصم حتفه متأثرا بإصابته في رأسه منذ ذلك الوقت عام 1980، إلا أنه عاش حتى عام 2001.
6 – في عام 1984 موّل أبو عمار (مجلة النشرة) التي أصدرها الصحافي الأردني ميشيل النمري من قبرص ثم نقلها الى اليونان والتي تخصصت بمهاجمة طاغية الشام وكشف مساوئه للرأي العام، وبعدها بقليل اغتالته استخبارات الأسد في أثينا، وحل في رئاسة تحريرها الزميل والصديق محمود خزام. كما دعم أبو عمار مجلة (اليوم السابع) التي أسسها ونشرها الزميل بلال الحسن من باريس (أمد الله في عمره) مع الزميل الصديق الراحل جوزيف سماحة، وتخصصت بمهاجمة النظام الأسدي أيضا وفضح علاقاته الخبيئة وسياسته المعادية للمصالح العربية والفلسطينية خصوصا.
7 – في عام 1986 تعرض (التنظيم الشعبي الناصري في سورية) لحملة اعتقالات وسحق واسعة من استخبارات النظام طالت حوالي 200 مناضلا معارضا، ووصلتني الاخبار وأنا في أثينا من بعض قادة التنظيم، وطالبوني بتوفير بعض المعونات المالية لإعالة أسر المعتقلين، فأرسلت بواسطة الصديق الزميل (م. خ) رسالة الى أبي عمار في تونس خاطبته فيها بالأب.. ولم تمض سوى أيام حتى جاءني الرد سريعا موافقا على تقديم عشرة آلاف دولار مساعدة عاجلة وأولى، وبلا أي سؤال.
8 – في مطلع عام 1989 تلقيت دعوة للمشاركة في مؤتمر للمعارضة السورية في جنيف يدعمه عرفات وقيادة العراق ضد نظام الأسد الذي اغتال كثيرا من الشخصيات الفلسطينية الكبيرة في لبنان ومناضلي حزب البعث – العراق في لبنان، وصدر قرار قتل أو اعتقال كل كوادر الحزب! وعلى إثر هذا المؤتمر تشكلت الجبهة الوطنية لتحرير سورية، وكنت منها. وبعد عام لبت الجبهة دعوة رسمية من عرفات لزيارة تونس والمشاركة في احتفال بذكرى انطلاقة فتح، والقى الوفد كلمة علنية باسم الجبهة السورية، فاتصل سفير سوريا بالحكومة التونسية محتجا على وجود معارضين للنظام، والقائه كلمات معادية له على الارض التونسية، طالبا تسليمهم أو طردهم، فطلبت السلطات التونسية من المنظمة إبعاد الوفد السوري فورا من تونس، فغضب أبو عمار أشد الغضب واتصل بمسؤول تونسي رفيع، وقال له بنبرة غاضبة ومرتفعة: هؤلاء ضيوفي فكيف تطلبون مني إبعادهم؟ إذا كنتم مصرين على طردهم فسأخرج قبلهم من بلادكم! فخجل المسؤول التونسي وسحب الطلب!
9 – دعم ياسر عرفات رفعت الأسد في بداية معارضته لشقيقه، ومول نفقات امبراطوريته الاعلامية التي أسسها رفعت في لندن وباريس (صحيفة الشام، مجلة الفرسان، محطة إي إن إن).
10 – حتى الآن ما زال هناك سوريون معارضون لنظام الأسد يعيشون في دول عديدة على نفقة منظمة التحرير منذ عشرات السنين، لم تتخل عنهم المنظمة رغم ازماتها الاقتصادية الخانقة التي مرت بها عدة مرات.
أسباب عميقة للصراع!
بناء على هذا التاريخ الطويل من المواقف القوية في مواجهة الطغيان الاسدي ضد الشعبين العربيين الشقيقين الفلسطيني والسوري كتبت ذات مرة قائلا: ياسر عرفات هو المعارض السوري الأول!!
كان هذا الموقف القوي للزعيم الفلسطيني في عصر لم يكن أحد من قادة الدول العربية يجرؤ على مناصبة الاسد العداء المكشوف، أو انتقاده علانية، باستثناء عرفات وصدام حسين.
كان صدام يستند الى بلد كبير وقوي وغني له جيش مليوني عرمرم مدجج بأحدث الاسلحة ويخطط لاقتحام دمشق، ولا يخاف ردود افعال جاره. أما عرفات فهو بلا جيش ولا دولة على الأرض، ولم يكن له من الأسلحة سوى شجاعته الادبية والسياسية والشخصية، ومع ذلك واجه الأسد في لبنان وعلى الساحة العربية.. وفي عقر داره على مدى ثلاثين عاما! وهذا موقف استثنائي لا بد أن يحسب له.
وأنا على ثقة تامة أن ياسر عرفات كان مثلنا نحن السوريين يعلم علم اليقين أن حافظ الأسد مرتبط بإسرائيل بعلاقة وثيقة هي تحديدا مشروع كيسنجر – ايغال الون الذي يسمح للأسد بالتوسع مقابل تعهده باحترام أمن اسرائيل وحدودها ، ولذلك كانت سياسته تخدم فعلا مخططات اسرائيل في المنطقة ، وخاصة تصفية القضية الفلسطينية التي كانت محور سياسته العربية ، ويقال إن كيسنجر شجعه على ذلك في اجتماعهما قبيل توقيع اتفاق فض الاشتباك مع اسرائيل عام 1974 ، وقال له : أعطني رأس منظمة التحرير أسلمك مفاتيح المنطقة من ايلات الى انطاكية ! وهو ما تأكد في موافقة كيسنجر عام 1976 على دخول جيش الأسد الى لبنان، وهو الاتفاق الذي تجدد مرارا حتى عام 2005 .
ولا يخالجني شك بأن حافظ الأسد وابنه وأجهزته يعرفون ما يقوم به غريمه الفلسطيني في الداخل السوري، ودعمه المستمر لمعارضيه، وكان يتحين الفرصة لقتله أو إزاحته من طريقه، لأسباب عديدة، أهمها استحوازه على القضية الفلسطينية، وثانيها منافسته على لبنان، ودعمه للمعارضة السورية.
لذلك أؤكد ان الرئيس ياسر عرفات وقف على مدى حياته مع الشعب السوري وقوى معارضته، لذلك يستحق أن نتًّوجه رحمه الله بمنزلة (المعارض السوري الأول والأقدم)!
المصدر: ملتقى العروبيين