إيدو فوك
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
سوف يؤدي قيام إسرائيل بضم أراض من الضفة الغربية الفلسطينية إلى زيادة تطبيع الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو شيء يعتبر عمومًا غير قانوني بموجب القانون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف تستمتع الدول عديمة الضمير في جميع أنحاء العالم، والتي تتطلع إلى اقتطاع شرائح من أراضي جيرانها، بالسابقة التي يضعها استيلاء إسرائيل على الأراضي التي احتلتها في الحرب.
حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موعدا نهائيا هو الأول من تموز (يوليو) لبدء عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية الفلسطينية إلى إسرائيل. وفي غضون أسبوعين، من المتوقع أن تضفي إسرائيل الصفة الرسمية على ما أصبح منذ حرب الأيام الستة العام 1967 حقيقة لا مفر منها على نحو متزايد: سيطرتها الدائمة على الضفة الغربية، وحرمان سكانها الفلسطينيين من أي حقوق.
وتعتبر الحكومة الإسرائيلية هذا الصيف فرصة نادرة تأتي مرة واحدة في العمر لتحقيق أحد الأهداف التاريخية العزيزة لليمين الإسرائيلي: إعلان السيادة اليهودية على الأراضي التي يسمونها “يهودا والسامرة”. ومع وجود دونالد ترامب -الذي لا يحاول حتى مجرد التظاهر بالحياد فيما يخص الشرق الأوسط- على رأس الدولة الحليفة الأقرب لإسرائيل، يعتقد الوزراء الإسرائيليون الآن أن هذا هو الوقت المثالي للاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.
يقول غيرشوم غورنبرغ، المؤرخ الإسرائيلي-الأميركي، أن نتنياهو ربما خرج من تجنبه التقليدي لاتخاذ خطوات جريئة ومثيرة تختطف عناوين الأخبار بفضل انفتاح ترامب على نزعة أحادية الجانب الإسرائيلية. وكانت معارضة الولايات المتحدة التاريخية للضم هي الذريعة المثالية لتجنب اتخاذ خطوة ربما تكون غير قابلة للتراجع عنها. ولكن، مع وجود ترامب، الذي يُنظر إلى “خطة السلام” التي اقترحها للشرق الأوسط على نطاق واسع على أنها تؤيد مخططات إسرائيل الخاصة بالأراضي، اختفى هذا العذر. ومع ذلك كله، ما يزال بإمكان نتنياهو أن يجد وسيلة للتملص من الوفاء بالتزامه، كما يقول غورنبرغ.
ولكن، في حالة المضي قدُماً بالضم، فإنه لن يغير إلا القليل نسبيا، سواء كان ذلك بالنسبة للفلسطينيين أو للمستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية. سوف يستمر الفلسطينيون في العيش تحت ظروف الاحتلال العسكري، وسوف يظلون محرومين من حق التصويت للحكومة التي تسيطر على جوانب لا حصر لها من حياتهم. وكما يقول المحامي الإسرائيلي لحقوق الإنسان، مايكل سفارد، فإن التحول إلى القانون الإسرائيلي سوف يزيل حفنة من الحمايات الممنوحة لهم بموجب قانون الاحتلال الدولي، لا سيما حول مصادرة الممتلكات. ومن ناحية أخرى، يعيش معظم المستوطنين الإسرائيليين بالفعل حياة مدنية في المستوطنات التي يمكن أن تشبه ضواحي نيوجيرسي المورقة أكثر مما تشبه مناطق الصراع، سواء كانت منازلهم تقع رسميًا ضمن الولاية القضائية الإسرائيلية أم غير ذلك.
ومع ذلك، سوف تكون للضم، من الناحية الأخلاقية والسياسية، تداعيات هائلة ودائمة، والتي سيتردد صداها أبعد من حدود إسرائيل والأراضي الفلسطينية، مع التسبب بأربعة عواقب رئيسة.
الأول هو تطبيع الرأي القائل بأن إسرائيل دولة فصل عنصري، وهي أطروحة ما تزال حتى الآن مقصورة على هوامش انتقاد الدولة اليهودية. منذ العام 1967، كان الموقف الرسمي المعلن للحكومة الإسرائيلية هو أن احتلال الأراضي الفلسطينية أمر مؤقت، والذي سيتم حله في نهاية المطاف بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. قد يعيش الفلسطينيون مؤقتًا تحت الاحتلال العسكري، وإنما فقط لأن إسرائيل مجبرة على الاحتفاظ بالضفة الغربية في الوقت الحالي، كما تقول الحجة.
ولكن، مع الضم لن تكون الحجة القائلة بأن الاحتلال مؤقت قابلة للإدامة. ويقول سفارد أن إسرائيل سوف تكون مذنبة ومدانة بعد ذلك بجرائم الفصل العنصري، التي يعرّفها القانون الدولي على أنها هيمنة جماعة عرقية على أخرى لفترة دائمة.
اعتمادًا على المساحة المحددة للأراضي التي تخطط إسرائيل لضمها، والتي لم يتم إعلانها للجمهور بعد، سوف يمكن رسم أوجه الشبه مع سياسة البانتوستانات التي انتهجها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وقد اقترحت الحكومة الإسرائيلية أنه لا يجوز ضم القرى الفلسطينية داخل الأرض المخصصة لإسرائيل. وهكذا، يمكن نحت الأراضي الفلسطينية في أرخبيل من الجزر الصغيرة المنفصلة داخل بحر من الأراضي الإسرائيلية –وهو خيال قانوني جامح، وفقًا للنشطاء، والذي يهدف إلى حرمان الفلسطينيين من الحق في التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الفلسطينيين سيقارنون حتماً الخريطة الجديدة للضفة الغربية بخريطة البنتوستانات القديمة، وهي الأوطان المفترضة للسود التي قسمت حكومة جنوب إفريقيا كلاً منها إلى ما وصل إلى 29 منطقة غير متجاورة.
كتب نيلسون مانديلا عن سياسة حكومة الأفريكانيين المتمثلة في إرسال السود من جنوب إفريقيا إلى البانتوستانات الصغيرة: “كان القوميون يبتكرون متاهة قاسية من حياة الناس”. وفي الحقيقة، كما قال بنيامين بوغراند، وهو حليف لمانديلا مولود في جنوب إفريقيا، والذي ألف كتابًا في العام 2014 يقول فيه إن إسرائيل لا تمكن مقارنتها بجنوب إفريقيا العنصرية، فإنه سيكون هناك، بعد الضم، ما يبرر المقارنة ورسم التشابهات مع الفصل العنصري.
سوف يكون التداعي الثاني للضم هو القضاء نهائياً على حل الدولتين، الذي ما يزال يشكل سياسة رسمية للغالبية العظمى من الدول حول العالم. وسوف يضع الضم نهاية لأي فرصة متبقية لقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف إلى جانب إسرائيل، كما يخشى قادة السلام.
نتيجة لذلك، سيحتاج الإسرائيليون والفلسطينيون والمجتمع الدولي على حد سواء إلى تقرير كيفية التوفيق بين وجود إسرائيل ودعم الحقوق المدنية والوطنية للفلسطينيين. وسوف تنقسم البلدان على أسس أيديولوجية وسياسية واقعية في ردود فعلها. سوف تتشبث الأقل قدرة على التخيل بالنموذج غير الضار، وإنما البائد المتمثل في حل الدولتين. وسوف تقف دول أخرى إلى جانب إسرائيل وأميركا ترامب، وتراهن على أن البلطجة في الشؤون الدولية موجودة لتبقى. ومع ذلك، ربما يدعم عدد أكبر من الدول الحلول غير التقليدية، مثل مبادرة “دولتان، وطن واحد”، التي تتصور حرية التنقل بين دولتين ذاتي سيادة، واللتين تشتركان في بعض المؤسسات المشتركة.
سوف يكون التداعي الثالث هو زيادة تطبيع الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو شيء يعتبر عمومًا غير قانوني بموجب القانون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف تستمتع الدول عديمة الضمير في جميع أنحاء العالم، والتي تتطلع إلى اقتطاع شرائح من أراضي جيرانها، بالسابقة التي يضعها استيلاء إسرائيل على الأراضي التي احتلتها في الحرب.
منذ العام 1945، كان سجل المجتمع الدولي في إدانة الاستيلاء على الأراضي -من من واقع الغربية بعد حرب الاستقلال الإسرائيلية في العام 1948، إلى العقوبات المفروضة على روسيا بشأن استيلائها على شبه جزيرة القرم في العام 2014- “لا تشوبه شائبة”، كما يقول سفارد. وسوف يتطلب الأمر إدانة قوية مماثلة لخطوة إسرائيل للإبقاء على هذا المحظور.
وأخيرًا، سوف يؤدي الضم حتمًا إلى التعجيل بنهاية الطابع الديمقراطي لإسرائيل. فالتوازن الديموغرافي في المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط يقوم على تكوين نصف يهودي ونصف عربي تقريباً (حوالي مليوني عربي هم مواطنون إسرائيليون). وسوف تستطيع إسرائيل على الحفاظ على نفسها كدولة يهودية فقط بالحرمان الدائم من الحقوق لغالبية الفلسطينيين تحت سيطرتها، والذين كانوا سيصوتون بخلاف ذلك في مجموعة كبيرة، وربما بأغلبية ضئيلة، لممثلين يكونون مكرسين لتفكيك الدولة اليهودية.
الآن، يستعد الفلسطينيون لخوض نفس المعركة التي كرس مانديلا لها حياته: مواطن واحد، صوت واحد. وإذا فاز الفلسطينيون، فإن هذا سوف يعني نهاية الدولة اليهودية بشكلها الحالي. وإلى أن يفعلوا ذلك، فإنه سوف يعني نهاية الديمقراطية الإسرائيلية.
مراسل دولي لمجلة “ذا نيو ستيتسمان”.
نشر هذا المقال تحت عنوان: The four consequences of Israel’s plan to annex West Bank territories
المصدر: (ذا نيو سيتسمان) / الغد الأردنية