عماد كركص
ترفع تركيا تدريجياً مستوى تدخلها في شمال وشرق سورية بحجة “ضبط الأوضاع الأمنية” في مناطق نفوذها، في ظلّ التوتر الأمني الذي تشهده المناطق الممتدة بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، منذ السيطرة عليها من قبل الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري”. وبرزت بوادر هذا التدخل أثناء زيارة نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتاكلي إلى رأس العين في 10 يوليو/تموز الحالي، بعد أيام من الاشتباكات العنيفة بين فصيلين من “الجيش الوطني السوري”: “السلطان مراد” و”فرقة الحمزات” والذي أوقع ضحايا مدنيين من أبناء المدينة. وبعد اشتباك رأس العين، وقع اشتباك مماثل بين فصيلي “فيلق المجد” و”الجبهة الشامية” التابعين لـ “الجيش الوطني السوري” في تل أبيض، ما جعل الجانب التركي يسرع الخطى لجهة وضع حد لحالة الانفلات وتدخل الفصائل في الحياة المدنية.
ويبدو أن زيارة وزير الداخلية التركي إلى رأس العين أعطت مفعولها، مع إعلان فصيلي “فرقة الحمزات” و”السلطان مراد” سحب مقراتهما إلى خارج المدينة والتمركز حولها. وتضمن الأمر الإداري الذي أصدرته “فرقة الحمزات” لعناصرها في رأس العين، إخراج كافة المقرات العسكرية من المدينة وتوجهها إلى نقاط الرباط، وعدم حمل السلاح داخل المدينة وبين المدنيين إلا بمهمة رسمية وتحت طائلة المسؤولية، ومنع أي قائد أو مسؤول عسكري من أي تصرف عسكري أو مدني أو أمني إلا بمراجعة القيادة، كما أصدر فصيل “السلطان مراد” تعميماً مماثلاً.
وازداد السخط الشعبي أخيراً في المنطقة بعد تردي الوضع الأمني، من تزايد حالات التفجير والمفخخات إضافة إلى تفشي السرقات وحالات الخطف والقتل، وزاد من معاناة المدنيين الاقتتال الفصائلي الذي يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين في هذه المنطقة. وذكرت مصادر في رأس العين لـ”العربي الجديد”، أن تركيا قد تتجه لافتتاح مكتب للشكاوى بإشراف ولاية شانلي أورفة التركية الحدودية مع المنطقة، لتلقي شكاوى المدنيين عن تجاوزات الفصائل والعناصر من “الجيش الوطني”، ولا سيما لجهة انتهاك الحقوق والسطو على الممتلكات.
وعن زيارة المسؤول التركي إلى رأس العين أشار نائب رئيس المجلس المحلي للمدينة، عبد الله الجشعم في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن زيارة نائب المسؤول التركي إلى مدينة رأس العين وتل أبيض كانت بهدف “الاطلاع على الواقع الخدمي الحالي ووضع آلية لتطوير وتوسيع الخدمات الموجودة”. وأشار إلى أن نائب وزير الداخلية التركي “لم يتطرق بشكل مباشر للمواجهات الفصائلية الأخيرة، لكنه أكد على زيادة التعاون بين كل المؤسسات، المدنية والعسكرية”.
وأضاف الجشعم، أن المسؤول التركي “بحث آلية تفعيل جهاز الشرطة والأمن العام وزيادة التنسيق بين المؤسسات العسكرية والشرطة المدنية، لسد الثغرات الأمنية وزيادة التعاون ما بين الشرطة و(الجيش الوطني السوري)، كما تحدث عن زيادة دورات التدريب للشرطة المدنية، لتغطية المنطقة بشكل كامل”.
وأوضح أن زيادة تفعيل دور المجالس المحلية ستتم من خلال آلية تم تحديدها، فتتواصل المجالس المحلية في المنطقة بشكل عام مع تركيا، وكل مجلس ينسّق بشكل مباشر مع ولاية من الولايات التركية المحاذية للحدود، لتنظيم آلية الدعم والتنسيق، فمجلس رأس العين ينسق مع ولاية شانلي أورفة التركية، وهي التي ستتابع تنفيذ قرارات المجلس”.
بدوره، كشف رئيس الهيئة السياسية في محافظة الحسكة، مضر حماد الأسعد، لـ”العربي الجديد”، أنه “سبق زيارة نائب وزير الداخلية التركي بأيام، جولات لوفود حكومية تركية في المنطقة على أثر المواجه بين فصيلين من الجيش الوطني السوري. وزارت هذه الوفود مدينتي تل أبيض ورأس العين وبلدتي سلوك وتل حلف، في مهمة لتهدئة الأوضاع الأمنية وفك الاشتباك أولاً، ومن ثم إيجاد صيغة لتحسين الواقع الخدمي والمعيشي والأمني في المنطقة. وناقشت هذه الوفود ملفات عسكرية وأمنية واقتصادية وخدمية وفي أولويتها تفعيل دور المجالس المحلية”.
وأشار الأسعد إلى أن “التحركات التركية تلقى قبولاً شعبياً في المنطقة بعد تردي الأوضاع المعيشية والأمنية، ولا سيما بعد الوعود بحل مشاكل الواقع الخدماتي بتوفير المياه والكهرباء، بالإضافة لسحب قطعات ومقرات (الجيش الوطني السوري) وتفعيل دور جهاز الشرطة المدنية لضبط الوضع الأمني عوضاً عن العسكر”. وأضاف أن الوفود التركية ناقشت كذلك موضوع الحرائق التي طاولت الأراضي الزراعية أخيراً وأتت على المحاصيل الاستراتيجية الهامة، مشيراً إلى أنهم في “(الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة) التقوا المجالس المحلية في المنطقة وكذلك قادة الفصائل العسكرية في (الجيش الوطني السوري)، ثم نقلوا التوصيات إلى الجانب التركي من خلال اللقاء بمسؤولين أتراك. وكانت أبرز وعود الجانب التركي تتعلق بإعادة تأهيل البنى التحتية ولا سيما الكهرباء والماء والمدارس والطرق والاتصالات وتطوير الواقع الزراعي في المنطقة، بالإضافة لتجهيز معبر رأس العين بهدف إدخال المواد الإغاثية وتفعيل الجانب التجاري في المنطقة من خلاله”.
المصدر: العربي الجديد