محمد عمر كرداس
ننادي بالوطنية والعيش المشترك، وينادون بالقومية الضيقة والتعصب، إنهم الوجه الآخر للنظام واستبداده وفساده، كانوا يشعرون بالاضطهاد شأنهم شأن جميع السوريين وكنا معهم ونؤيد قضيتهم. الآن أصبحوا هم الخطر الذي يهدد وحدة سورية واستقلالها، مرفوضين حتى من أبناء جلدتهم، ولكن وبأوامر أمريكية وفرنسية وبرعاية من الدولتين، تم الاتفاق بين أحزاب المجلس الوطني الكردي العضو في “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، وبين ما سمي أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، الكيان المشكل بزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشكل الأساس، والباقي ديكور وتزيين على شاكلة جبهة النصرة وأسماءها المختلفة. وبهذا تكون أميركا وحلفاءها انتقلت من مرحلة إلى أخرى، بما يتوافق مع المخطط الأميركي لاستحقاقات المرحلة القادمة، التي لن تكون مختلفة عن مخططها بعد احتلال العراق.
مارست قسد وواجهتها السياسية مسد سياسة التغيير الديموغرافي في المناطق التي احتلتها وقامت باعتقالات واسعة وتهجير لكل من خالفها الرأي من عرب وأكراد وآشوريين وغيرهم، وكانت أحزاب المجلس الوطني الكردي، تجهر بمعارضتها لهذه السياسة، ولكن عندما جاءت أوامر أميركا التأم الجميع، ومن الغريب البحث الذي جرى بين المجموعتين لم يناقش موضوع المعتقلين عند قسد ولا المهجرين، ولا ننسى أنه ومنذ سنوات جرت اجتماعات كردية ــــــــــ كردية في أربيل العراقية برعاية مسعود برزاني الانفصالي المتعاون مع اسرائيل وأميركا، جرى خلالها تنسيق عسكري وأمني لدعم الكيان الكردي في شمال وشرق سورية.
حتى أكثر الأكراد تطرفًا وعلى رأسهم زعيمهم عبد الله أوجلان لم يقولوا بكردستان سورية، فكردستان العراق شكلت كيانًا شبه مستقل، وكردستان إيران وتركيا يعيش أكرادها في بلادهم إلا ما ندر من تمردات تثور وتهدأ حسب المعطيات المحلية والخارجية. وصُنفت البي كي كي كمنظمة ارهابية عالمية، لكن أميركا تستخدمه حاليًا في سورية وتدعمه بالمال والسلاح، وما محاولتها الأخيرة في جمع هذا الحزب مع المجلس الوطني إلا لتسويقه وتسويغه لتركيا ليصبح مقبولًا ويكون ضمن أي عملية سياسية مستقبلية.
لن يكتب لهذ الاتفاق النجاح لسبب بسيط انه اتفاق من طرف واحد، ويتجاهل أغلبية سكان المناطق التي يدعون سيطرتهم عليها، وأنها ستكون الكيان المستقبلي لهم، فقد أعطوا لأنفسهم 80 بالمئة من ثلاث محافظات سورية بينما هم لا يشكلون 30 بالمائة من سكان هذه المحافظات، لقد دفع هذا التصرف اللا وطني والذي يهدد وحدة أراضي سورية ويهدد لحمتها وتنوع شعبها المتعايش منذ الأزل، دفع مجموعة قوى وشخصيات سورية لتعلن “وثيقة إعلان الجزيرة السورية ـ التحالف العربي الديمقراطي إلى الإسراع برفض مخرجات الاجتماع الكردي / الكردي كونه تم تحت رعاية أميركية ومن طرف واحد.
كل ذلك يجري تحت بصر النظام وحلفاؤه، بل إن القوى الفاعلة على الأرض السورية كل يغني على ليلاه، فروسيا القوة الحليفة الكبرى تعمل على أجندتها الخاصة، متصورة أنها لوحدها من سيقوم بإنجاز العملية السياسية في سورية فتارة تعقد الاجتماعات مع معارضين زرافات ووحدانًا، وتسرب بعض ما يتم في هذه الاجتماعات، وطورًا تقوم بترتيب فيلقها الخامس في الجنوب السوري بتنسيق أميركي إسرائيلي بدعاوي متعددة، مثل إبعاد إيران عن حدود الجولان، والإيهام بأن المنطقة خالية من قوات النظام بوجود الفيلق الخامس المدار روسيا، وذلك لتجنيب المنطقة عقوبات قيصر، ليكون هناك كيان موازي لكيان الأكراد تابع لروسيا، وتقيم به تجربتها الخاصة بحل المسألة السورية بعد فشلها الواضح بالحل على مستوى سورية. أما إيران فحدث ولا حرج، فهي تعمل بجد وثبات ضاربة عرض الحائط بكل العقوبات، وعملها اليوم ينصب على تشكيل ميليشيات محلية لتحل محل المليشيات الآتية من العراق ولبنان وافغانستان وغيرها، وبذلك تقوم بتوطين الحرب ونزع حجج “الأعداء ” انها تستجلب المليشيات من الخارج، وهي بذلك تنجح مع شعب أذله النظام وجوعه، والحادثة الأخيرة بانشقاق أعداد كبيرة مما يسمى قوات الدفاع الوطني وانضمامهم للتشكيلات الإيرانية خير دليل على ذلك.
مع ذلك، فالنظام يتابع أعماله الاعتيادية، يشرع ويخطط، وها هو يجري انتخاباته المسماة تشريعية بعد أيام، ويملأ خزينته بالدولارات بعد أن فرض على كل مواطن قادم إلى بلده أن يدفع مئة دولار ويقبضها بالليرة السورية وبالسعر الذي يحدده، في سابقة لم يسبقه عليها أحد وقد تكون من إبداعات وزير خارجيته الذي ألغى أوربا من الخارطة وصرح بأنه لا يعرف من هو بومبيو.
لم يعد يكفي تسمية سورية بالدولة الفاشلة إنها الرجل المريض الذي فقد سيادته على أرضه وينادي بأن دمشق الجائعة والحزينة والمغلوبة على أمرها تكفيه.
سورية بحاجة لعملية سياسية تقصي هذا النظام بكل رموزه ومرتكزاته كما قلنا منذ اليوم الأول وكل الألاعيب والمخططات ستبوء بالفشل وسينتصر الشعب السوري الموحد ويقيم دولته الوطنية الجديدة الحرة والديمقراطية.
المصدر: صحيفة اشراق