د- معتز محمد زين
لي قريبة سورية متزوجة من شاب تركي. أخبرتني أنهما شعرا بصدمة كبيرة أثناء متابعة الأخبار في بداية ليلة الانقلاب حيث بدا أن الأمور تسير نحو إسقاط الحكومة الشرعية. يستغرب زوجها من الأعداد الكبيرة المشاركة بالانقلاب. يسيطر القلق والتوتر على البيت. ويرتفع مؤشر الخوف مع تسارع الأحداث والأخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام لحظة بلحظة. تدخل في هذه الأثناء والدة الشاب المسنة الغرفة وترى حالة القلق والذهول التي تخيم على الشاب التركي وزوجته السورية – ولجنسية الزوجين علاقة عضوية بدوافع القلق -. وبأعصاب باردة تقول: هذا رئيس شرعي، نحن اخترناه ولم يفرض علينا، لا يمكن لأحد أن يزيحه. ثم غادرت بهدوء إلى سريرها وخلدت للنوم. كثيرة هي الدروس المستفادة من الأزمة التركية الأخيرة ومن التجربة التركية بشكل عام. كثيرة هي المقالات التي كتبت وستكتب عنها وعن خلفياتها وأسبابها ونتائجها. كثيرة هي الصور والمقاطع التي ستوثق الحدث أو تشوش عليه. كثيرة هي النفوس التي ستهدأ بعد فشل الانقلاب وكثيرة هي النفوس التي ستختنق كل ليلة لذات السبب. لا أريد أن أخوض في بحر الدراسات والتحليلات حول قضية شغلت العالم بأجمعه وحبست أنفاسه طوال الليل، وستشكل دون شك مفصلاً مهمًا من مفاصل حركة التاريخ المعاصر في المنطقة وربما العالم. قضية يتوضح يومًا بعد يوم أن من يقف وراءها ليس مجرد مجموعة مغامرين طامعين بحكم البلد وإنما دول وازنة لها أهداف استراتيجية بعيدة المدى وعظيمة الخطر. لكنني أفضل أن أنظر للقضية بطريقة بسيطة من زاوية رؤية تلك المرأة المسنة. لقد نجحت تلك المرأة بتكثيف المعنى الحقيقي للديمقراطية، وتصوير القوة الحقيقة للشعب الواعي، وإدراك أهمية الجسور المتينة التي نجحت الحكومة على مدى عقود في بنائها بينها وبين حاضنتها الشعبية بجملة عفوية هي جوهر القضية بأكملها. إن الرئيس الذي ينتخبه شعبه اختيارًا ويمددون له حبًا وقناعة لما قدمه لهم وللبلد من انجازات ضخمة اعترف بها العدو قبل الصديق لا يمكن لمجموعة مأجورة أن تزيحه مهما بلغت قوتها ومهما عظم مكرها وحسن تدبيرها. قد ينجحون بقتله لكن من الصعب جدًا أن ينجحوا بإزاحته وفصله عن شعبه. يحتاج بناء مثل تلك الجسور الضخمة من الثقة والاحترام والارتباط العضوي بين الحاكم والمحكوم إلى عمل دؤوب، وجهد كبير، وإنجازات لافتة تصب في مصلحة الشعب وتوسيع دائرة حرياته والحفاظ على حقوقه ورفع مستوى معيشته. ليس كل من وقف ضد الانقلاب محب لأردوغان وفريقه، لكن وبدون شك فإن كل من وقف ضد الانقلاب مؤمن بالديمقراطية وأهميتها في استقرار المجتمع، ومقتنع بأداء أردوغان وفريقه وبأهمية الانجازات التي حققها لتركيا على جميع المستويات، والتي انعكست ايجابًا على جميع أفراد الشعب التركي. هم يدافعون عنه وعن فريقه من أجلهم أولًا ولمصلحتهم وحفاظا على مكتسباتهم. على الرغم إذاً من أصوات الطائرات والصخب الذي رافق العملية الانقلابية، نامت تلك المرأة المسنة بهدوء واستيقظت – كما توقعت – على صباح مفعم بالأمل وقد أمسك الشعب بخيوط المسألة المعقدة وبدأت عملية التفكيك وإعادة الترتيب من جديد، ووضعت المزيد من الدعائم والأعمدة لتلك الجسور التي حاول الانقلابيون تدميرها. أعدت فنجان قهوتها وجلست على شرفة البيت تراقب حركة الشارع التي تنبأت بها، ونظرت بزاوية عينيها نحو الزوجين اللذين تورمت عيونهما من السهر والتربص والقلق، وتمتمت بكلمات لم يسمعاها جيدًا لكنهما فهما مغزاها.
مسكينة هي تلك الشعوب التي لا تعرف وجه حاكمها إلا عند قراءة البلاغ رقم واحد، أو عندما يخرج على شاشات التلفزة مبتسمًا كالأبله لشعب يعتقد أنه ورثه عن أبيه تمامًا كما ورث الوطن بما فيه. مسكينة تلك الشعوب التي تربطها بحاكمها جسور من ورق أو خوف. ومساكين كبار السن فيها. هم لا يتمكنون من النوم بهدوء للحظة واحدة عندما تحلق طائرات الجيش في سماء المدينة.
المصدر: اشراق