طوني بولس
حاولت رئاسة الجمهورية استعادة ملف التفاوض من رئاسة المجلس لكنها لم تنجح وبقي الملف عند الرئيس نبيه بري.
كشفت مصادر دبلوماسية أميركية أن ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كان حاضراً في محادثات وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل مع المسؤولين اللبنانيين، وذلك استكمالاً لجهود الوساطة التي تبذلها واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق بخصوص ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الواقعة شرقي البحر المتوسط.
في ذات السياق، بدت مساعي هيل مثمرة في إعادة فتح مسار التفاوض مع لبنان على مستوى ترسيم الحدود، بعد الفرملة التي اصطدمت بها المفاوضات على هذا الصعيد في وقتٍ سابق، مشيرة إلى أن نقاشاً مطولاً في هذا الصدد أجري مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي له دور أساسي بتحريك المفاوضات كونه نقطة ارتكاز بين الشرعية اللبنانية وحزب الله.
وفي إشارات سبقت اللقاء بين هيل وبري، وبعد يومين من انفجار بيروت وما صاحبه من اتهامات بالتراخي والفساد، واتهامات لحزب الله بأنه صاحب الشحنة المنفجرة، فاجأ رئيس المجلس النيابي الرأي العام اللبناني بإعلانه أن “المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل أصبحت في خواتيمها”، مما اعتبره مراقبون تنازلاً مفاجئاً من الحزب الذي كان يتهم من قبل المجتمع الدولي بتسويف ترسيم الحدود عبر تسليم الملف للرئيس بري.
“الحزب” مستعد للتفاوض
من ناحيته، يرى الحقوقي المختص في القانون الدولي نبيل الحلبي أن “الموقف الراهن بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية دقيق للغاية، فهي بحاجة إلى موارد إضافية”، وأن الحكومة مضطرة إلى تعجيل ترسيم الحدود لتستطيع الاستفادة من الموارد الطبيعية في المنطقة”، معتبراً أن تصريحات بري، التي أكّد فيها تقدُّم جهود الوساطة الأميركية في المباحثات بين لبنان وإسرائيل، تشير بوضوح إلى التبدل في المواقف، وأن هناك رسالةً من حزب الله إلى واشنطن، مفادها أنه مستعدّ للتفاوض.
ولم يستبعد الحلبي أن تكون مسألة العقوبات الأميركية على حزب الله وإيران جزءاً من عملية التفاوض، مباشراً أو غير مباشر، موضحاً أن “مجرد إبداء الحزب مرونة في هذه المسألة يعني أنه يريد شيئاً في المقابل، ولا يُستبعد أن يكون تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة عليه أو على طهران جزءاً من الاتفاق”.
تفاؤل حذر
في المقابل، يستغرب العميد المتقاعد أمين حطيط، كلام بري عن وجود تقدم في مسار المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، مؤكداً وجود تعقيدات كثيرة لا تزال موجودة وتحول دون وصول الملف إلى خواتيمه، “سواء لناحية مفهوم الأراضي المحتلة أو المتنازع عليها أو لناحية مفهوم الحدود البرية الثابتة، وحول مفهوم المنطقة الاقتصادية”.
ووفق المعلومات غاب هذا الملف عن البحث مع الرئيس اللبناني ميشال عون، في حين حضر بند أولاً على طاولة مباحثات رئيس البرلمان نبيه بري والزائر الأميركي تأكيداً على تقدّم حاصل في مسار الترسيم الذي يعتبره الأخير فرصة يحتاجها لبنان كما المنطقة.
ويوضح حطيط أنّ “هيل بحث الموضوع مع بري وليس مع عون، لأن الملف عندما جرت إثارته للمرّة الأولى قبل ستّ سنوات، حصل نوعٌ من التوافق الوطني بأن يمسكه رئيس البرلمان بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية على أن يطلع عليه حزب الله بشكل مستمرّ، وحصلت محاولات لاستعادته من جانب رئاسة الجمهورية التي لها الحق الدستوري بالتفاوض الخارجي لكنها لم تنجح وبقيَ الملف عند رئيس البرلمان”.
ويرى حطيط أنه لا يمكن الجزم بأن هناك تقدماً بالمفاوضات قبل زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر إلى لبنان والمرتقبة نهاية الشهر الحالي.
ويضيف في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “إذا نجح هيل بمهمته ووجد أن الأجواء إيجابية ومناسبة، عندها سيأتي شنكر ومعه الصيغة النهائية للاتفاق ليأخذ موافقة لبنان ويعرضها على إسرائيل وإذا لم يحصل على نتائج ترضي أميركا أعتقد أن زيارة شنكر ستكون وقتها عرضة للأخذ والرد”.
الحدود البرية “مؤجلة”
في المقابل، تشكّل فكرة تلازم ترسيم الحدود البرية لنظيرتها البحرية نقطة خلاف مهمة بين الطرفين، إذ تبرز مسألة أراضي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر التي تحتلها إسرائيل، وتشير المعلومات إلى أن إحدى أبرز العقد في هذا الملف محاولة لبنان الربط بين الحدود البحرية والحدود البرية، في حين تفصل إسرائيل تماماً بين الملفين. وكان الجانبان اللبناني والإسرائيلي عبرا عن موافقتهما المبدئية نهاية العام الماضي على إجراء مفاوضات مباشرة برعاية نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، وتقرر إجراء هذه المفاوضات في مقر الأمم المتحدة في الناقورة.
وتشير التسريبات إلى تجنب الجانبين مناقشة قضية الحدود البرية في المفاوضات باعتبار أنه بات من المسلم أن قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لها علاقة بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وهو أمر متعذر على الرغم من طرحه مرات عدة منذ سنوات، مما يعطي ذريعة لإسرائيل بالإبقاء على قواتها في هذه المنطقة في سياق احتلالها للجولان السوري وربط المنطقة المتنازع عليها بالقرار الدولي 242 بدلاً من القرار 425 الذي تقول إسرائيل إنها طبقته في 25 مايو (أيار) 2000.
مجال حيوي للبنان
ويخوض لبنان نزاعاً مع إسرائيل على مثلث في البحر المتوسط تبلغ مساحته نحو 860 كيلومتراً مربعاً، ويُقسِّم تلك المنطقة إلى بلوكات عدة، أحدها البلوك النفطي رقم 9، وهي منطقة غنية بالنفط والغاز اكتُشفَت مخزوناتها من الطاقة عام 2009. وقد رفض لبنان في عام 2012 مقترحاً أميركياً يقوم على منح لبنان 360 كيلومتراً مربعاً من مياهه لإسرائيل، مقابل حصوله على ثلثي المنطقة الاقتصادية.
وترى مصادر عسكرية معنية بالملف أن “الإشكالية مع إسرائيل ليست ترسيم خط الوسط البحري بل المعايير التي يجب اعتمادها لترسيم الحدود”، موضحة أن لبنان لديه عدة خيارات لترسيم الحدود البحرية الخالصة، كاشفة أن هناك 1700 كلم مربع بين خط “هوف” المطروح أميركياً والحدود البحرية الرسمية للبنان، وليس 860 كلم كما هو مطروح.
وتؤكد المصادر أن الإشكالية في ذلك أن إسرائيل تعتبر صخرة “تخيلت” جزيرة وتستعملها في ترسيم الحدود، وهذا الموضوع غير قانوني لأنها وفق القوانين الدولية لا تعدو أكثر من كونها صخرة ولا يعتد بها في ترسيم الحدود، موضحة أنه إذا جرى التساهل من قبل لبنان واحتساب الخط الوسط دون احتساب جزيرة “تخيلت” يبقى للبنان مساحة 1350 كلم مربع.
وشددت المصادر على أنه في كل الطرق المتبعة في ترسيم الخطوط البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة تعطي لبنان مساحات إضافية على عكس ما يلحظه خط “هوف” الأميركي، مشيرة إلى أنه بحال القبول بالمخطط الأميركي سنخسر في البلوك رقم 8 بشكل كبير.
المصدر: اندبندنت عربية