أحمد مظهر سعدو
ثمة ظاهرة باتت واضحة المعالم، فاقعة الرؤيا، وهي ضلوع المشروع الإيراني الفارسي الطائفي في كل ما يجري في المنطقة، وخاصة عبر التمدد الشرياني الخبيث والمهيمن والتخريبي في كل من دمشق وبيروت، عبر أدوات إيران ومنهم بالضرورة الأداة الأكثر إرهابية وتشويهًا للوضع العربي، وهو ما يسمى حزب الله، ورأسه الأشد وضوحًا وعهرًا المدعو حسن نصر الله.
نُدرك جميعًا أنه كان قد أعلن (الخميني) ومنذ انتصار ثورة الشعوب في إيران قبل أكثر من أربعين سنة خلت، أن رؤيته للمنطقة هي في إعادة مجد الفرس وتمدد وتصدير (الثورة الإسلامية) الطائفية الخمينية إلى كل المحيط العربي. وكانت السياسة الإيرانية ومازالت واضحة في ذلك، وهي المزيد من الخراب في المحيط العربي، بل والمزيد في إشعال الفتن وتدمير البنى التحتية، واستنزاف أموال وخيرات البلاد، وقتل أكبر عدد من الناس الذين تعتبرهم إيران أعداءها، وبالطبع فهناك الكثير من الأدوات البائسة التي تجد إيران فيها رافعة وحاملًا مهمًا في تنفيذ مخططاتها ومشاريعها، كنظام بشار الأسد المجرم في سورية، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وأيضًا كل ما يسمى بالحشد الشعبي في العراق، وتلك الميليشيات الطائفية التي استقدمتها إيران من كل بقاع الدنيا للمشاركة في إقامة المشروع الإيراني الأخطبوط، ولتكون المُنفِّذ بالوكالة ضمن حالة من الحشد الطائفي البغيض، وشح الوعي الوطني أو القومي، وصولاً إلى إنتاج هذه الحالة من الخراب الكبير الذي آل إليه الوضع في المنطقة، ومنها بالضرورة سورية ولبنان، وكانت قمة الخراب والدمار ما فعلته هذه السياسة الإرهابية عبر الانفجار الكبير الذي حصل مؤخرًا في مرفأ بيروت.
ومهما قيل عن السبب الحقيقي وراء هذا الانفجار المدمر، ومهما جاءت التحليلات والتفسيرات فإن الواضح تمامًا أن أداة إيران في لبنان والمنطقة (حزب الله) تتحمل كامل المسؤولية مع شركائها في خراب لبنان، وخطف الدولة اللبنانية لصالح ميليشيا حزب الله، ومن ثم دولة الملالي ومصالحها الكبرى، ومشاريعها التي تطال المنطقة العربية برمتها. ولعل الهيمنة الحقيقية بقوة سلاح إيران التي تبسطها أدوات حزب الله على الساحة اللبنانية، والنهب والفساد المستشري بحماية الحزب المشار إليه ومن لف لفه، واستمرار تغول إيراني على أوضاع لبنان تحت دعاوى كاذبة في تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وكذلك الكذبة الأكبر وهي تحرير القدس المحتلة، كل ذلك وما يدور خلفه، هو ما أدى ويؤدي إلى استمرار الخراب الممنهج في البنى السياسية والعمرانية والاقتصادية ضمن حالة لبنانية لا تخفى على أحد، بعد سنوات طويلة من حرب داخلية لم تبق ولم تذر.
المأساة الكبيرة التي نتجت عن تفجير بيروت والتي راح ضحيتها أكثر من 160 شهيد، وآلاف المصابين، وذاك الخراب الدامي في البنية التحتية اللبنانية، جاءت نتيجة طبيعية للسياسات الحزب اللاتية الإيرانية التي ساهمت في إعادة إنتاج واقع لبناني أشد بؤسًاـ وهو الذي ولَّد ثورة أكتوبر/ تشرين أول الفائت في لبنان، والتي مازالت نيرانها مشتعلة حتى اليوم، ومتوقع لها أن تزداد أوارًا بعد الجريمة الانفجارية التي حصلت في 4 آب/ أغسطس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن السوريين نالوا نصيبهم من الموت الذي يلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا، حيث تجاوز عدد شهداء السوريين جراء الانفجار في المرفأ عتبة 39 شهيدًا.
ما يجب الحديث عنه أن ما بعد انفجار مرفأ بيروت ليس كما قبله، ويبدو أن المنطقة وأولها لبنان ستكون حبلى بالمتغيرات، التي ستطال المشهد اللبناني برمته، وستدفع الجميع إلى إعادة النظر في الحالة اللبنانية المُمِضة والقاتلة لكل شيء، وأن تغول حزب الله على النظام السياسي والمشهد عمومًا لن يكون بإمكانه الاستمرار فيه، بعد الذي حصل في المرفأ، حيث أدرك الخارج والداخل أن المسؤولية الأولى والأكبر تقع على سياسات حزب الله وسلاحه المشبوه، والذي بات أداة للخارج الإيراني وليس الواقع اللبناني.
وإذا كانت زيارة الرئيس الفرنسي (ماكرون) أتت في إطار المصالح الجيوسياسية الفرنسية في الساحة اللبنانية، إلا أن ما سمعه في الشارع اللبناني سوف يحمل بلاده على دعم مزيد من التغيرات الداخلية، وقد تؤدي إلى كنس ميليشيا حزب الله كلية خارج بيروت على الأقل، في خطوة أولى، من الممكن أن يكون لها ما بعدها.
ويبقى الخطر الإيراني الفارسي والطائفي ومشروعهم الامتدادي هو ما يجب التنبه إليه، ومناهضته ليس في سورية ولبنان فحسب، بل في كل المنطقة العربية والإسلامية، وصولًا إلى تحجيم الدور الإيراني التغولي، وصاحب الأطماع التاريخية الإمبراطورية المزعومة، التي مازالت تكمن في مضامين السياسة الإيرانية، وأطماعها التوسعية في المحيط الإقليمي.
المصدر: إشراق