أمين العاصي
بدأ النظام السوري بتسديد ديونه السياسية للجانبين الروسي والإيراني من خلال السماح لهما بالتوسع في أراض سورية تحت ذرائع مختلفة، إذ تتمدد موسكو أكثر في الساحل السوري غربي البلاد الذي بات منطقة نفوذ لها بلا منازع، بينما تتوسع طهران في دمشق ومحيطها، تحت غطاء ظاهره ديني وباطنه عسكري ومذهبي يهدف إلى تشويه هوية العاصمة.
ومنح النظام السوري الجانب الروسي قطعة أرض ومساحة بحرية على الساحل السوري غربي البلاد، بهدف إقامة مركز طبي لشؤون عسكرية، وفق “البوابة الرسمية للمعلومات القانونية الروسية”، التي نشرت، الأربعاء الماضي، الاتفاق الذي نص على أن “الجمهورية العربية السورية توافق على نقل قطعة أرض ومساحة مائية في محافظة اللاذقية إلى روسيا، من أجل إنشاء مركز طبي للصحة والتأهيل لفرق الطيران الروسي”. وبحسب الوثيقة المنشورة، فإن الاتفاق وُقّع في 21 يونيو/حزيران الماضي في دمشق، ثم وُقّع في 30 يوليو/تموز في روسيا، وتبلغ مساحة الأرض ثمانية هكتارات. كما نصت الوثيقة على تحمل روسيا تكاليف البناء وتجهيز شبكات المياه والاتصالات والصرف الصحي، إضافة إلى البنية التحتية الهندسية.
وبدأ التدخل العسكري الروسي المباشر لمساعدة النظام السوري في سبتمبر/أيلول 2015 بعد أن بدأت قوات النظام تترنح على وقع ضربات فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية وفي جنوبها، وكادت هذه الفصائل أن تطبق على العاصمة دمشق. وشرع الروس منذ ذلك الحين في توسيع قاعدة كانت لهم في مطار حميميم العسكري في ريف اللاذقية على الساحل، والتي باتت اليوم قاعدة روسية كبرى في شرقي المتوسط، تدير الوجود الروسي في سورية والممتد في أغلب الأراضي التي تقع تحت سيطرة النظام والمقدرة بنحو 60 في المائة من مساحة سورية الكلية، والتي تصل إلى نحو 180 ألف كيلومتر مربع. وفي إبريل/نيسان من العام الماضي، أعلن الجانب الروسي عن اتفاق مع النظام لـ”استئجار” مرفأ مدينة طرطوس على ساحل المتوسط لمدة 49 عاماً، في سياق استراتيجية روسية لوضع يدها على مقدرات سورية على طول الساحل. ونصت الاتفاقية في أحد بنودها على أنها “تجدد تلقائياً لفترة 25 عاماً أخرى، إذا لم يقم أحد الأطراف بإرسال كتاب نوايا عبر القنوات الدبلوماسية يطلب إنهاءها، على أن يكون إرسال هذا الكتاب قبل سنة على الأقل من تاريخ انتهاء الاتفاقية”.
وتعد هذه الاتفاقية من جملة اتفاقيات “مجحفة” أبرمها النظام مع الجانب الروسي، مقابل دعم عسكري وسياسي يُبقي بشار الأسد على رأس السلطة في سورية. وفي مارس/آذار من العام 2018، صادق “مجلس الشعب” التابع للنظام السوري على عقد بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” التابعة لوزارة النفط في حكومة النظام من جهة، وشركة “ستروي ترانس غاز” الروسية من جهة أخرى. ونصّ على إعطاء الشركة الروسية حق استثمار واستخراج الفوسفات في منطقة مناجم الشرقية (45 كيلومتراً جنوب غرب تدمر)، ضمن قطاع يبلغ الاحتياطي المثبت فيه 105 ملايين طن، على أن تكون نسبة الجانب السوري 30 في المائة فقط من الإنتاج. ولا يتوقف الوجود الروسي عند هذا الحد، إذ أنشأت موسكو قاعدة عسكرية مرتبطة بقاعدة حميميم في مطار القامشلي في محافظة الحسكة في الشمال الشرقي من سورية، وسط معلومات غير رسمية عن توقيع اتفاق لم يعلن بين النظام والروس لـ”استئجار” هذا المطار لمدة 49 سنة قابلة للتجديد. كما ينتشر الروس في مدينة تدمر ومحيطها في قلب البادية السورية، وفي مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، وفي دير الزور وحماة وجنوب سورية.
في موازاة ذلك، بدأت إيران بتوسيع وترسيخ وجودها في العاصمة دمشق ومحيطها، متخذة من الجانب الديني ذريعة وغطاء لهذا الوجود، الذي يستهدف تشويه وتمييع هوية سورية بشكل عام ودمشق على وجه التخصيص. وفي هذا الصدد، أعلنت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية عن مشروع توسعة مقام يُعتقد أنه يخص “السيدة زينب”، وضعت طهران يدها عليه بشكل جزئي مع استلام بشار الأسد السلطة في العام 2000، وبعد بدء الثورة السورية في 2011 تحول إلى منطقة نفوذ لمليشيات إيرانية بلا منازع.
وبحسب الوكالة الإيرانية، فإن مشروع التوسعة الذي تقوم به “لجنة إعمار العتبات المقدسة”، يجري في الجزء الشمالي ومنتصف الجانبين الشرقي والغربي من المقام، مشيرة إلى أنه تم الانتهاء من حفر الصحن، وتسقيف المنطقة المجاورة للضريح. وتقع بلدة “السيدة زينب” إلى الجنوب الشرقي من العاصمة. وتؤكد مصادر مطلعة في دمشق أن الإيرانيين بصدد شراء أراضٍ ومنازل في مخيمي اليرموك وفلسطين، اللذين كان يقطن فيهما لاجئون فلسطينيون، وفي بلدات سبينة وحجيرة والبويضة وعقربا من أجل إنشاء ضاحية في جنوب العاصمة السورية “شبيهة بالضاحية الجنوبية في مدينة بيروت”، وفق المصادر. وفي قلب دمشق القديمة وضع الإيرانيون يدهم بشكل كامل على مقام يُعتقد أنه للسيدة رقية، والذي يقع في حي العمارة الدمشقي خلف المسجد الأموي. ومع انطلاق الثورة السورية سمح النظام للجانب الإيراني بتحويل الجامع، الذي يضم المقام، ومحيطه إلى منطقة “نفوذ شيعي”.
المصدر: العربي الجديد