خضر حسان
مسافة طويلة تفصل بين بدء ارتفاع أسعار الدولار وانطلاق الاجراءات المصرفية التي حجزت أموال المودعين، وبين ما وصل إليه لبنان من تعقيدات مرتبطة بالملف الاقتصادي والنقدي والسياسي.
لا يبالغ المرء إن قال إن المودعين اللبنانيين ارتضوا اجراءات المصارف وسقوف سحوباتها، مقابل وقف الركض الحاصل نحو الهاوية. لتصبح خسارة جزء من قيمة الودائع، أسهل من انتظار المجهول المرتقب جرّاء ما تعيشه البلاد من نكبات.
لكن إن ارتضى اللبنانيون هذا الحال، فهل يقبله المودعون غير اللبنانيين، وخاصة السوريين منهم؟
أزمة مشتركة
رفع المودعون السوريون صوتهم مع بداية أزمة الحجز على الودائع، وابتداع المصارف أساليب غير قانونية للسحب وفق سقوف محددة. أراد هؤلاء أموالهم، فهم غير معنيين بالفساد السياسي الذي أودى بالاقتصاد والنقد.
لكن في الواقع، كل اللبنانيين غير معنيين بسوء الإدارة السياسية والاقتصادية والنقدية للمنظومة الحاكمة، بمن فيهم جمهور احزاب السلطة الذي وقع بدوره ضحية الوعود والشعارات.
وعليه، بعد نحو سنة على اشتداد أزمة الودائع المصرفية، لا بد من الاعتراف بأن خوف المودعين السوريين هو نفسه خوف المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين. وهنا الحديث محصور بصغار المودعين، لأن كبارهم هرّبوا أموالهم مع بداية الأزمة، وما زالوا إلى اليوم يحظون بمعاملة خاصة لا تعترف بالقرارات والإجراءات الصادرة عن المصارف أو مصرف لبنان، سواء كانوا سوريين أو لبنانيين أو لأيّ جنسية انتموا.
الأزمة بالأرقام
لا يفصِل القطاع المصرفي بشكل رسمي ودائع زبائنه بحسب جنسيّاتهم وانتماءاتهم العرقية. جلّ ما يميّزه هو ودائع المقيمين في لبنان أو غير المقيمين. وبالتالي، فإن ودائع المغتربين اللبنانيين مشمولة بالسجلاّت الخاصة لودائع غير المقيمين، والتي تضمّ ودائع الأجانب، سوريين كانوا أم فرنسيين أم بلغاريين، على سبيل المثال لا الحصر.
وبحسب الأرقام الرسمية، “تبلغ نسبة ودائع غير المقيمين 21 بالمئة من مجمل الودائع المصرفية”، وفق ما يقوله رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، الذي يشرح في حديث لـ”المدن” أن مجموع ودائع القطاع الخاص في المصارف، بلغت 144 مليار و500 مليون ليرة. وقد سجّلت تراجعاً بقيمة 28 مليار دولار منذ أيلول 2019 حتى آخر حزيران 2020، وهذا يدل على حجم أزمة الثقة حيال القطاع المصرفي والدولة”.
ولذلك، يرى غبريل أن هذه الأزمة “تطال كلّ من لديه ودائع في القطاع المصرفي، سواء كانوا سوريين أو لبنانيين أو غيرهم. فالجميع يريد أمواله”.
لا استهداف للسوريين
اعتمدت المصارف تقسيماً طبقياً لمودعيها، ولم تلجأ إلى التقسيم الجندري أو العرقي. فهي بالتالي، لم تستهدف السوريين دون غيرهم، ولم تمنع أي مودع سوري من التصرّف بأمواله ضمن الشروط المحددة من قبل مصرف لبنان، والتي تطبَّق على صغار المودعين، بمن فيهم اللبنانيين. لكن لماذا ساد الخوف تحديداً بين المودعين السوريين؟.
تشير مصادر مصرفية في حديث لـ”المدن” إلى أن “المودعين السوريين خافوا بسبب تداعيات قانون قيصر الأميركي، بالإضافة إلى الضغوط التي يفرضها الصراع في سوريا. فكلّما ازداد الاضطراب في البيئة التي يعيش ضمنها المودع، ارتفع معدّل خوفه على مدّخراته وممتلكاته عامّة. ففي لبنان مثلاً، الخوف موجود عند كل المودعين، لكنّه أقل من الخوف الذي يشعر به السوريون، لأن الوضع الأمني في لبنان أقل حذراً مما هو عليه الوضع في سوريا، ولذلك، يبقى الخوف اللبناني محصوراً ضمن العوامل المؤثّرة في البيئة اللبنانية. وقد يرتفع معدّل الخوف حين تصبح التحدّيات في لبنان أمنية وليست سياسية واقتصادية”.
وتلفت المصادر النظر إلى أن “كل المودعين غير اللبنانيين، يتشاركون مع المواطنين اللبنانيين بالمشكلة ذاتها، لكن كل واحد يستشعر الأزمة انطلاقاً من واقعه ومحيطه”. وتضيف المصادر، أن “الخوف مبرَّر مهما كان صغيراً أم كبيراً، لأن صغار المودعين لا يملكون إلاّ مدّخراتهم، ولا يستطيعون مواجهة أي تغييرات سياسية أو اقتصادية الا انطلاقاً ممّا يملكونه. وإذا تبخّرت المدّخرات، تبخّر أمن هؤلاء”.
أمام هذا الواقع، يستحضر غبريل حلاًّ وحيداً يقوم على التمسّك بصندوق النقد الدولي، فبنظره “لا حلّ إلا بالوصول إلى اتفاق مع الصندوق، وببدء اجراءات استعادة الثقة على مستوى الدولة، وفق رؤية واضحة وأولويات تتفق عليها الجهات المعنية بالاقتصاد، وهي القطاع الخاص والمصارف والسلطة التنفيذية”. وهذا الحل من شأنه رسم خريطة طريق للافراج عن ما تبقّى من ودائع للسوريين واللبنانيين وغيرهم.
المصدر: المدن