أن يكون الإنسان مواطناً سورياً في العام 2020 يعني حصراً انتماءه إلى أحد قسمين، من وجهة نظر نظام الأسد، الأول عدو يجب التخلص منه بقصفه وتشريده وتهديده واضطهاده، والثاني مصدراً للكسب وتكديس مزيد من الأرباح وتفريغ العقد النفسية وفائض القوة، وهو ما يحصل بالتحديد مع السوريين العالقين على الحدود السورية اللبنانية، منذ أشهر، والذين انتشرت صورهم المؤلمة في مواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة، بالتوازي مع تصريحات رسمية سخرت من معاناتهم.
وربما تكون سوريا الأسد هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تمنع مواطنيها من دخولها لعدم سدادهم رسوماً تُفرض عليهم وحدهم من بين جميع البشر، وإن كان المبلغ المطلوب لدخول البلاد لا يتعدى 100 دولار أميركي، فقط، إلا أن ذلك الرقم يعد ثروة صغيرة في بلد مثل سوريا الأسد، التي بات أكثر من 80% من سكانها تحت خط الفقر، حسب تقديرات الأمم المتحدة، والأسوأ من ذلك أن النظام أصلاً يمنع التعامل بالدولار الأميركي أو اقتناءه في البلاد، ما يجعل مهمة تقديمه لأجهزة النظام على المعابر الحدودية، من قبل أقارب العالقين هناك، مثلما دعت وزارة الداخلية، مشكلة من الصعب حلها.
وتبدو الصور للوهلة الأولى آتية من العام 2015 عندما انتشرت صور اللاجئين السوريين في الطرق الأوروبية، وبالتحديد عند حدود دول مثل صربيا أو في الجزر اليونانية، حيث يتم تطبيق سياسات يمينية صارمة، ضد اللاجئين الراغبين في الوصول إلى بر الأمان في دول مثل ألمانيا والسويد وفرنسا، لكن الصدمة تتضاعف عند قراءة التفاصيل التي تناقلها ناشطون في “فايسبوك” و”تويتر”، مع صور أرشيفية تعود إلى شهر حزيران/الماضي ونشرتها حينها وسائل إعلام موالية شبه رسمية، وجدت في القرار غير المسبوق، ظلماً بحق السوريين، وهي الوسائل نفسها التي تطبل في العادة لكافة القرارات الرسمية مهما كانت بعيدة عن المنطق.
وفيما شكك معلقون بالصورة، لكونها تظهر نوم اللاجئين مع أغطية سميكة فوقهم، في وقت تشهد فيه منطقة شرق المتوسط موجة حر هي الأسوأ منذ 140 عاماً على الأقل، رد الناشطون بأن الأجواء تميل للبرودة في المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، وخصوصاً في الليل، مع تفاوت درجات الحرارة خلال النهار.
وبغض النظر عن هذه الجزئية، فإن الصور من جهة، وقرار فرض رسومٍ لدخول البلاد من جهة ثانية، فجَّر نقاشاً في مواقع التواصل حول الهوية السورية والأرض السورية، وكرر معلقون في صفحات موالية للنظام، حديثهم أن سوريا لجميع السوريين وأنه لا يحق لـ”الحكومة” منع أي سوري من العودة إلى أرضه، فيما تحدث آخرون عن شعورهم بالغربة في هذا البلد الذي لم يعد يشبههم والذي لا يرحب بهم، بينما قال آخرون أنهم على استعداد لدفع أضعاف المبلغ للرحيل عن البلاد وعدم العودة إليها مطلقاً.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن معظم العالقين عند معبري “العريضة” و”جديدة يابوس” هم لاجئون سوريون، تقطعت بهم سبل العيش في لبنان، وساءت ظروفهم المادية بسبب الأزمات المتعاقبة في البلد الذي استضافهم لسنوات طويلة، لا سيما أن معظمهم من شريحة العمال المياومين الذين يكسبون قوتهم بشكل يومي، وقد توقفت الآن أشغالهم وانقطع مدخولهم وباتوا تحت خط الفقر، فيما فاقمت أزمة انفجار مرفأ بيروت من مشاكلهم، ما دفعهم ربما للعودة إلى سوريا الأسد، التي هربوا منها خوفاً على حياتهم قبل سنوات أو طلباً للرزق، رغم أن الخطر هناك مازال يحدق بهم.
يتوازى ذلك مع ظهور مدير إدارة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية السورية اللواء ناجي النمير، في مقطع فيديو تداوله ناشطون سوريون نقلاً عن إذاعة “نينار” المحلية، ليتحدث عن الطريقة التي تتم بها معاملة المواطنين السوريين العائدين إلى بلادهم، وليس بحوزتهم مبلغ 100 دولار المفروض تصريفها قبل دخول البلاد. وبالتحديد قوله أن المواطن في هذه الفترة يكون عالقاً، لكنه يكون “مكرماً” حيث “يمارس حياته الطبيعية” من أكل وشرب وغيرها، من دون أن يدخل البلاد فعلياً! في استعراض واضح لـ”فائض القوة” الذي يمارسه النظام على مواطنيه.
ويجب القول مجدداً أن النظام السوري قبل سنوات قليلة، كان يعتمد نوعاً من الدبلوماسية عند حديثه عن الإجراءات التي يفرضها على السوريين في مناطق سيطرته، والتي تهدف إلى سرقة ما تبقى في جيوب المواطنين المساكين، بعد قتل وتهجير نصف الشعب السوري منذ انطلاق الثورة في البلاد. لكن تلك السياسة تبخرت مؤخراً، مع وقاحة موظفي النظام في الحديث عن الإجراءات الجديدة، أمام كاميرات الإعلام، ومنها قرار منع السوريين من دخول الأراضي السورية في حال عدم تمكنهم من دفع الرسوم المطلوبة.
المصدر: المدن