عبدالله الموسى
نتج عن مباحثات الأطراف الكردية في سوريا الاتفاق على 6 بنود ضمن ما سُمّيت “المرجعية الكردية العليا”، بنسب تمثيل متساوية بين مكونات “قسد” السياسية وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، وأُعلن عنها مع وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الذي رسم بزيارته أطر التعاون بين أي مكون سياسي كردي قادم والمعارضة السورية، وفق مرجعية القرار الأممي 2254 للحل السياسي في سوريا. الحل السياسي الجدّي الذي يمكن أن يبدأ في حال تحقق ما أكده لافروف بانتهاء المواجهة بين النظام والمعارضة.
ووصل جيفري يوم الأحد الفائت إلى الحسكة لحضور إعلان الأطراف الكردية عن التوصل لتأسيس “المرجعية السياسية الكردية”، كأول ما تم الاتفاق عليه بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية PYNK والمجلس الوطني الكردي ENKS، بعد عشرة اجتماعات بين الجانبين، بدأت مطلع نيسان الماضي.
انقلاب أميركي على “قسد”
وتتكون المرجعية السياسية من 40 عضواً مقسمة بنسبة 40% لكل طرف (16 عضواً من المجلس الوطني الكردي و16 عضواً من أحزاب الوحدة الوطنية الكردية و8 أعضاء بنسبة 20% من المستقلين خارج الإطارين يعيّن كل طرف أربعة أعضاء من قبله). واللافت أن نسبة التمثيل جاءت متساوية بين سلطة أمر واقع متفردة بالسيطرة المطلقة على كل الجوانب في شمال شرقي سوريا والمجلس الوطني الكردي الذي يقبع أعضاء منه في سجون “قسد” والمنضوي في صفوف الائتلاف الوطني السوري.
وعلى الرغم من ترحيل الملفات الخلافية بين الأطراف الكردية المتفاوضة فإنه ومع اتخاذها أولى الخطوات العملية؛ حدّد جيفري خطوط سياسة بلاده العريضة فيما يتعلق بمستقبل سوريا، وحضّ على “ضرورة التنسيق بين الأكراد والمعارضة السورية لتدعيم وتقوية جبهة المعارضة ضد نظام الأسد”، بحسب ما أكده مصدر لموقع تلفزيون سوريا.
وعلى هذا الأساس توجّه جيفري إلى أربيل، للقاء أعضاء من لجنة العلاقات الخارجية لـ “المجلس الوطني الكردي” وبعض أعضاء “الكتلة الوطنية الكردية” في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”.
والتقى جيفري قبل خروجه من سوريا يوم أمس الإثنين برفقة جنرالات من البنتاغون، قائد “مجلس دير الزور العسكري” أحمد الخبيل، و”رئيس مجلس دير الزور المدني” غسان اليوسف، وهما الممثلان المدني والعسكري للمكون العربي في شمال شرقي سوريا.
بعد انتشارها عسكرياً في مناطق سيطرة “قسد” واختلال موازين السيطرة، التي حاولت واشنطن منع ازديادها عبر اعتراض الدوريات الروسية، بدأت موسكو استثماراتها في المنطقة سياسياً لحين التوصل لمذكرة تفاهم تم توقيعها في موسكو بين “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) وحزب “الإرادة الشعبية” برئاسة قدري جميل. ولحق ذلك زيارة لافروف لدمشق لتقديم الشروط والمحددات الروسية النهائية حول مستقبل سوريا.
ركّزت المذكرة المكونة من 7 بنود على “شكل الحل في سوريا”، وجاء في البند الثالث “الحل السياسي هو المخرج لسوريا.. يستند إلى سيادة شعبها بكل مكوناته.. إن الطرفين يدعمان ويعملان لتنفيذ القرار 2254 كاملاً بما في ذلك تنفيذ بيان جنيف وضم منصات المعارضة الأخرى إلى العملية السياسية السورية بما فيها “مجلس سوريا الديمقراطية”.
وتتسارع خطوات السباق الأميركي الروسي في هذا الصدد، حيث كشف علي تمي عضو المجلس الوطني الكردي لموقع تلفزيون سوريا أن جبهة السلام والحرية التي تتضمن (المجلس الوطني الكردي وتيار الغد والمنظمة الآشورية)، ستزور اليوم موسكو بدعوة رسمية من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وأوضح تمي أن هدف الزيارة هو “محاولة لإرضاء الكرد وإبعادهم عن واشنطن.. لكن هذه المحاولات لن تنجح باعتقادي رغم أهمية هذا الاجتماع مع دولة مثل روسيا”.
ومن جهته يرى عبد المجيد بركات عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأنه من الواضح أن واشنطن والدول الأوروبية ترغب أن يكون لقسد دور في العملية السياسية، وهو أمر يتقاطع مع رغبة “قسد” لكسب التعويم السياسي وإضفاء الشرعية عليها بإشراكها في العملية السياسية السورية.
وأضاف بركات “أميركا تضغط على حلفائها في المنطقة الشرقية من أحزاب ومكونات مجتمعية للدخول في عملية تفاوض وحوار مع قسد للوصول لصيغ تشاركية بينهم، كما ضغطت روسيا أيضاً على أحزاب منصة موسكو للدخول في عملية حوارية مع قسد وإعطائها الصفة الشرعية. وهنا كان سباق روسي أميركي لكسب قسد”.
قلة مكاسب “قسد” في التعاون مع روسيا، دفعها – بحسب بركات – للتجاوب مع الضغوط الأميركية والتفاوض من المجلس الوطني الكردي، وتابع “أعتقد أن قسد بدأت تدرك أن استمرارها في هذا الشكل غير مقبول ومحرج للتحالف وقسد غير قادرة على استقطاب أي معارضة حقيقية”.
ويشارك علي تمي الرأي مع عبد المجيد بركات بأن خيارات “قسد” محدودة وصعبة للغاية في المرحلة المقبلة، وهذا ما دفعها لقبول شروط المجلس الوطني الكردي في تحقيق نسبة تمثيل متساوية في المرجعية السياسية. وأكد تمي أن هذا التساوي في التمثيل يمكن اعتباره نصراً سياسياً”.
سياسة واشنطن في إعادة ترتيب شمال شرقي سوريا
قال علي تمي إن هناك خيارين أمام واشنطن، أن يتنازل للروس لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لصالح الشعب السوري، فحينئذ ستتنازل واشنطن عن “مشروعها المنفصل في شرق الفرات لصالح كل سوريا وستتعامل معها كدولة ذات سيادة حليفة للولايات المتحدة مستقبلاً”.
وتابع “أما إذا تعنّت النظام والروس، فإن واشنطن ستتمسك بشرق الفرات وستعمل على تشكيل كيان منفصل بالتنسيق مع المعارضة السورية. في بداية الأمر سيكون المشروع مقتصراً على توحيد الصف الكردي، ومن ثم دعوة المعارضة السورية إلى شرق الفرات وإشراكها في إدارة المنطقة بالتنسيق مع القوى الكردية وتحت حماية التحالف الدولي”.
واشار تمي إلى أن “الروس شعروا بوجود مخطط كهذا، فهم يتسابقون الزمن ويحشدون إلى دير الزور وإلى مطار القامشلي.. يبدو أننا أمام صراع أو مواجهة محتملة بين المحورين في شرق الفرات الغنية بالنفط والثروات الطبيعية”.
وأوضح تمي أنه وحتى الآن، تم التفاهم على الرؤية السياسية بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، ومن أهم نقاطها أن الكرد في سوريا جزء من المعارضة السورية السياسية، والتأكيد على علاقة حسن الجوار مع الدول الجارة. لكن هناك نقاط مهمة ما زالت عالقة، فالمجلس يعتبرها نقاطاً أساسية قبل التوقيع على الاتفاق النهائي، مثل عودة قوات البشمركة روجافا من إقليم كردستان إلى المناطق الكردية في سوريا، وفي الوقت نفسه مغادرة كوادر حزب العمال الكردستاني من مناطق الإدارة الذاتية والكشف عن مصير المختطفين ومجهولي المصير وموضوع التعليم.
وربما كان ملف إبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني هو سبب وجود وفد عسكري وأمني من البنتاغون برفقة جيفري، باعتباره مصيرياً في نجاح الحوار الكردي – الكردي، وضرورة ملحة لتطمين أنقرة التي تسيطر على مفاصل القرار السياسي والعسكري بما يتعلق بالمعارضة السورية.
هل الائتلاف جاهز للتعاون مع مكون كردي قادم؟
قال عبد المجيد بركات لموقع تلفزيون سوريا، “في المعارضة رفضنا بشكل قطعي في السنوات السابقة وفي كل مراحل العملية السياسية أن يكون هنالك دور لقسد في العملية السياسية، وذلك انطلاقاً من أسس ومبادئ وطنية في هذا الرفض لأن قسد قوة غير وطنية وسلطة أمر واقع وعابرة للحدود ومرتبطة بتنظيم إرهابي وارتكبت انتهاكات بحق الأهالي وتمارس سلطات سيادية من قبيل توقيع عقود نفط مع شركة أميركية ومصادرة الأملاك وتغيير المناهج التعليمية، وهذا يضعها خارج الساحة الوطنية، لذلك رفضنا إدخالها”.
وأشار إلى أن هذه الجهود الأميركية لـ “تجميل قسد” من خلال إشراك عدد من المكونات السورية في الإدارة الذاتية لإعطائها صفة الوطنية؛ لا ينفي عن قسد ارتباطها بحزب العمال الكردستاني وممارستها بحق السوريين.
ولا يبدو أن الائتلاف السوري متفائل كثيراً بنجاح التفاهمات الكردية، حيث شبّه بركات فك ارتباط قسد مع حزب العمال بفك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة، وأضاف “فك ارتباط قسد عن العمال الكردستاني عملية صعبة لأن العلاقة بينهما عضوية وليست مصلحية، وهذا ما أخبرنا به المجلس الوطني الكردي عند بدء المفاوضات، فهذا الحوار سيصل إلى طريق مسدود مثل ما حدث عام 2014 لأن أي تنازل من قسد عن سلطاتها السيادية يعني انهيارها”.
وتابع بركات “لن تثمر هذه الجهود والمباحثات إلا لحين توقيع الطرفين على وثيقة اندماج.. أعضاء المجلس الوطني الكردي أكدوا لنا أنه لولا الضغوط الأميركية لما قبلت قسد أساساً ببدء المحادثات والمفاوضات”.
ويرى بركات أنه من المبكر الحديث عن تعاون بين الائتلاف وأي كيان كردي جديد مؤلف من قسد والمجلس الوطني، والائتلاف على تواصل مستمر مع مكونات المنطقة الشرقية بينهم ممثلون في الائتلاف مثل مجلس القبائل والعشائر والمجلس الوطني الكردي ورابطة المستقلين الكرد والمنظمة الآثورية، “وهم الممثلون الحقيقيون، وقسد تحاول سرقة هذا التمثيل لتعويم نفسها وكسب شرعية وهي حتى الآن محاولات فاشلة وزيارة جيفري الأخيرة للضغط ربما لن تكون سهلة ولن تصل لنتائج سريعة”، بحسب بركات.
تصريحات لافتة للافروف.. روسيا تكسب الوقت والود
خرج يوم أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على شاشة العربية، ليعلن عن “انتهاء المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة في سوريا”.
وجدد دعوة موسكو لتركيا بمكافحة ما وصفها بـ”الجماعات الإرهابية” في إدلب، وأكد أن المذكرة الروسية التركية سارية المفعول بالكامل، بالرغم من فشل اللقاءات الأخيرة التي شهدتها العاصمة أنقرة، وأن روسيا أوقفت الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق الدولي (M4).
وفي هذا السياق أشار لافروف إلى أن سيطرة “تحرير الشام” بدأت تتقلص في إدلب، في حين أن “النقطة الساخنة الثانية هي منطقة الجانب الشرقي لنهر الفرات حيث يوجد هناك العسكريون الأميركيون الناشطون في المنطقة بصورة غير قانونية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويلعبون مع الأكراد بطريقة غير مسؤولة”.
وتعوّل موسكو على تقارب مع أنقرة في سياقات الحل السياسي السوري، وتشير تصريحات لافروف اللافتة إلى أن موسكو مستعدة لإنهاء الحرب على إدلب مقابل تعاون تركي جدي وسريع لمساعدتها في استقطاب “قسد” إلي الصف الروسي ميدانياً وسياسياً، وفق ضمانات تريح أنقرة وتزيل عنها هواجس أن حزب العمال الكردستاني ينتشر على حدودها الجنوبية.
وفي الوقت نفسه ومن جهتها، سارعت تركيا إلى إعادة ترتيب السيطرة في إدلب عبر دمج هيئة تحرير الشام مع الجبهة الوطنية للتحرير ضمن هيكلية عسكرية ناظمة يشرف عليها ضباط أتراك، وذلك بالتزامن مع هجوم هيئة تحرير الشام على التنظيمات الأكثر تطرفاً في إدلب.
أما هواجس أنقرة شرقي الفرات فهي في تزايدٍ خاصة بعد توقيع قسد اتفاقاً مع شركة النفط الأميركية، والتي من شأنها زيادة إنتاج النفط بنحو 60 ألف برميل يومياً، مما يوفر دخلاً يومياً يبلغ 3 ملايين دولار أميركي، وبحسب دراسة لمركز “تشاتام هاوس”، فإن ميزانية الإدارة الذاتية تبلغ حالياً نحو 2.5 مليار دولار أميركي، وهي في نظر تركيا ميزانية لحزب العمال الكردستاني.
يعمل الثلاثي المتحكم الأميركي – الروسي – التركي على إعادة ترتيب مناطق سيطرتهم في سوريا، بشكل متسارع ومتناغم بين كل طرفين على حدة، بهدف الوصول إلى أرضية أولية وثابتة لبدء حل سياسي جدي وحقيقي بعد ما وصفها السوريون بمهازل الحل السياسي التي لم تقِ السوريين جحيم المعارك والقصف والتهجير.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا