بيناي بليند
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
“سوف تواجه صعوبة جمة في العثور على نقطة في التاريخ حيث لم تكن فيها حكومة الولايات المتحدة تدير معسكرات اعتقال وتقوم بإصابة الناس بالعقم قسرًا”. هكذا كان تعليق أونيسونو شاتوير، منظم حزب ثورة كل الشعب الإفريقي، على دعوى قضائية أخيرة تدَّعي أن طبيبًا أخضع نساءً لعمليات لاستئصال الرحم أثناء احتجازهن لدى سلطات مراقبة الهجرة وإنفاذ الجمارك (ICE) في الولايات المتحدة.
وكما تكتب تينا فاسكيز، قدمت العديد من المنظمات الشكوى نيابة عن مهاجرات داخل “مركز احتجاز مقاطعة إيروين”، وهو مرفق في جورجيا تديره شركة السجون الخاصة “لاسالي كوريكشن”. وطبقاً للمبلِّغة عن المخالفات، دون ووتين، وهي ممرضة ممارسة مرخصة في المركز، فإن العديد من النساء أخبرنها بأنهن نُقلن إلى منشأة خارجية لمقابلة “جامع الأرحام” -الاسم الذي أطلقنه على الطبيب الذي يُعتقَد أنه المسؤول عن هذه الإجراءات.
وقالت إحدى المحتجزات في الشكوى: “عندما قابلت كل هؤلاء النساء اللواتي خضعن لعمليات جراحية، اعتقدت أن هذا كان بمثابة معسكر اعتقال تجريبي”.
في واقع الأمر، لدى إدارة الهجرة والجمارك تاريخ طويل في استهداف النساء المهاجرات الحوامل وغيرهن من الناس المستضعفين في نظام الاحتجاز. وبموجب سياسة “سياحة الولادة” الجديدة التي وضعها ترامب، والتي سُميت كذلك نسبة إلى الأمهات اللواتي يُزعم أنهن يسافرن إلى الولايات المتحدة للحصول على الجنسية لأطفالهن الذين لم يولدوا بعد، يجب على بعض المتقدمات للحصول على تأشيرات دخول تقديم دليل على أنهن لا يسافرن إلى أميركا لهذا السبب.
تستند الكثير من هذه السياسات إلى الخوف من تغيير التركيبة السكانية، وهو خوف شائع في أوساط الأميركيين البيض الذين يتصورون أن رأسمالهم الثقافي يفقد قيمته. ولأن المرشح الرئاسي، جو بايدن، يدعي أن هناك “روحاً مشتركة توحد بلدينا (إسرائيل والولايات المتحدة)، جيلًا بعد جيل”، فمن المنطقي أن يخاف كلا البلدين من تغير الأزمان والأحوال.
على سبيل المثال، بعد أعوام من الإنكار، اعترفت إسرائيل في العام 2013 بأنها أمرت الأطباء بحقن النساء اليهوديات الإثيوبيات بعقار يجعلهن عاقرات قسراً. وباللغة نفسها التي يستخدمها المتطرفون البيض في أميركا، حذر نتنياهو من أن المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا “يهددون وجودنا كدولة يهودية وديمقراطية”.
يمكن، بالطبع، وضع عمليات استئصال الرحم قسراً أو كرهاً في سياق تاريخ أوسع لاستخدام علم تحسين النسل في كلا البلدين. وربما يكون هتلر هو أكثر المؤيدين شهرة لفكرة العرق المتفوق، لكن حركة التطهير العرقي نشأت، كما يلاحظ إدوين بلاك، في الولايات المتحدة.
كعلم زائف يدعى التوجه إلى “تحسين” الجنس البشري، يهدف هذا الاتجاه في أكثر أشكاله تطرفاً إلى إبادة البشر “غير المرغوب فيهم”. ويمكن العثور على أوجه لهذه الفكرة في الخطط الإستراتيجية، مثل قوانين التعقيم القسري والفصل العنصري، فضلاً عن القيود المفروضة على الزواج بين الأشخاص البيض والأميركيين الأفارقة، والتي استمرت حتى وقت متأخر من القرن العشرين.
لوقت طويل في السبعينيات والثمانينيات أيضاً، أُخضِعت النساء الأميركيات الأصليات لعمليات ربط قناة فالوب لجعلهن عاقرات بينما اعتقدن أنهن يخضعن لعمليات لاستئصال الزائدة الدودية. وربما خضعت ما يصل إلى 25-50 في المائة من النساء الأميركيات الأصليات لمثل هذه الإجراءات في الفترة بين العامين 1970 و1976. وتم تسجيل المزيد من عمليات التعقيم التي أجريت في بورتوريكو؛ حيث تشكل مثل هذه الأفعال جزءا مظلما من تاريخ الجزيرة.
في قرار صدر في العام 1927، كتب قاضي المحكمة الأميركية العليا، أوليفر ويندل هولمز: “من الأفضل للعالم كله، بدلاً من انتظار إعدام الأبناء المنحلِّين بسبب الجريمة، أو تركهم يتضورون جوعاً بسبب حماقتهم، أن يحول المجتمع دون استمرار نوع أولئك الذين هم غير لائقين بشكل واضح… تكفي ثلاثة أجيال من البُلهاء”.
ويتكرر هذا الخطاب في إسرائيل؛ حيث يُعرَف مسؤولون، مثل أييليت شاكيد من حزب البيت اليهودي، بتصريحاتهم العنصرية. وعلى سبيل المثال، دعت شاكيد علانية في العام 2015 إلى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني من خلال نشر اقتباس من أوري إليتزور، الصحفي اليميني الراحل وزعيم حركة الاستيطان الإسرائيلية:
“خلف كل إرهابي، يقف عشرات الرجال والنساء الذين من دونهم ما كان (العدو) ليستطيع الانخراط في الإرهاب. فاعلون في الحرب هم أولئك الذين يحرضون في المساجد؛ الذين يكتبون المناهج القاتلة للمدارس؛ والذين يؤمّنون المأوى، ويؤمنون السيارات، وكل أولئك الذين يكرمونهم ويعطونهم الدعم المعنوي. إنهم كلهم أعداء مقاتلون، وسوف تكون دماؤهم على كل رؤوسهم. والآن يشمل هذا أيضًا أمهات الشهداء اللواتي يرسلنهم إلى الجحيم بالزهور والقبلات. يجب أن يتبعن أبناءهن، لا شيء سيكون أكثر عدلاً. يجب أن يذهبن، وكذلك يجب أن تفعل المنازل المادية التي قمن بتربية الثعابين فيها. وإلا، فستتم تربية المزيد من الثعابين الصغيرة هناك”.
وفقًا لبن نورتون، فإن آراء شاكيد يتبناها آخرون في حكومة نتنياهو. أثناء هجوم إسرائيل على غزة في العام 2014، والذي أطلق عليه اسم “عملية الجرف الصامد”، أفاد نورتون بأن الجيش نفذ في عمله مضمون خطاب شاكيد المتطرف.
في ذلك الوقت، دعا موشيه فيغلين، عضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، إلى “احتلال قطاع غزة بأسره وإبادة جميع القوى المقاتلة وأنصارها”. ويتعقب تصريحه خطوط خطاب التطهير العرقي. وقال “هذا بلدنا -بلدنا حصرياً، بما في ذلك غزة”.
في 14 أيلول (سبتمبر)، غردت منظمة Bend the Arc اليهودية التقدمية:
“التعقيم القسري إبادة جماعية. وتقوم سلطات مراقبة الهجرة وإنفاذ الجمارك بإجراء عمليات استئصال رحم جماعية للنساء المهاجرات. سلطات مراقبة الهجرة وإنفاذ الجمارك ترتكب جريمة الإبادة الجماعية. إنه جزء من تاريخ طويل لعلم تحسين النسل والاعتداءات على الحرية الإنجابية في الولايات المتحدة -وهو نظام ألهم النظام النازي بشكل مباشر”.
لكن هذه المنظمة، كحركة يهودية “تقدمية” تلفت الانتباه إلى مثل هذه القضايا، تفشل في إقامة الصلة مع معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وكذلك الإبادة الجماعية على النحو المعرّف من قبل “مركز الحقوق الدستورية”.
إذا وحدت القيم المشتركة إسرائيل والولايات المتحدة، كما يدعي جو بايدن، فيجب علينا جميعًا أن نقلق. وعلينا جميعًا أن نصل بين النقاط.
عندما انتشرت أخبار ممارسات التعقيم القسري في مركز احتجاز جورجيا قبل أيام قليلة، كان هناك شعور غامر بالصدمة والغضب، كما ينبغي أن يكون. ومن ناحية أخرى، فإن لهذه المعاملة تجاه “غير المرغوب فيهم” تاريخا طويلا في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، يمكن بسهولة اتهام كلا البلدين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في إسرائيل للفلسطينيين، وفي الولايات المتحدة للسكان الأصليين هنا.
وإضافة إلى ذلك، إذا كان ثمة اختلاف بسيط بين ترامب وبايدن فيما يتعلق بدعمهما بنسبة 100 في المائة لإسرائيل، كما يقترح رمزي بارود، فيبدو أن أفضل إجراء للنشطاء في هذا البلد سيكون العمل التثقيفي والإجراءات الشعبية على مستوى الجذور في الشوارع.
ذات مرة، قال كوامي توري (ستوكلي كارمايكل) إنه لكي يعمل اللاعنف، يجب أن يكون لدى خصمك ضمير. وخلص إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها أي شيء منه.
ويمكن قول الشيء نفسه عن كلا المرشحين، على الأقل فيما يتعلق بإسرائيل. في الواقع، كما كتب بارود، فإن رفض بايدن نقض العديد من سياسات ترامب تجاه إسرائيل، بما في ذلك تطبيقه لقانون سفارة القدس، يوضح “الإفلاس الأخلاقي” للحزب الديمقراطي الذي يبدو مدفوعًا بأجندته السياسية أكثر من كونه معنياً بأجندة أخلاقية.
*Benay Blend، تحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة نيو مكسيكو. تشمل أعمالها العلمية “دوغلاس فاكوتش وسام ميكي، محرران”. (2017)، “لا الوطن ولا المنفى كلمات: المعرفة الواقعية في أعمال الكتاب الفلسطينيين والأميركيين الأصليين”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Eugenics and Ethnic Cleansing: The Values that Unite the US and Israel
المصدر: (ذا بالستاين كرونيكل) / الغد الأردنية