نور عويتي
يبدو أن حالة التذمر التي تسيطر على الشارع السوري في الآونة الأخيرة، في ظل عجز نظام الأسد عن تأمين احتياجات مواطنيه الأساسية في مناطق سيطرته، جعلت النظام يبتكر أساليب جديدة لإحكام قبضته الأمنية، خوفاً من أي تمرد جديد قد يولد ضده. وفي سبيل ذلك، عزز النظام مؤخراً طرق الرقابة لديه من طريق جيشه الإلكتروني، الذي يقوم بنشر تطبيقات رقمية خبيثة، هدفها المراقبة والتجسس على المواطنين من خلال هواتفهم الذكية.
ولا يعتبر تجسس النظام السوري على مواطنيه وانتهاك خصوصيتهم، مستغرباً، فلطالما كان عناصر المخابرات يملؤون الشوارع السورية، ليرفعوا تقارير ترصد كل تحركات المواطنين ليبقى الوضع تحت السيطرة، وفي السنوات الأولى للثورة قام النظام باختراق عدد كبير من حسابات الناشطين المعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي وراقب هواتفهم لتتبعهم والإيقاع بهم؛ إلا أنه اليوم يسعى إلى خلق شبكة كبيرة وشاملة تستهدف كافة المواطنين السوريين. وحتى السوريين في الخارج لا يَسلَمون من التجسس والمراقبة والتقارير الأمنية، إذ تضطلع السفارات السورية، مع طواقمها ومجنّديها في الخارج، بهذا الدور.
قد يكون الهدف من تلك العملية هو رصد تحركات الصحافيين والمراسلين المعارضين الذين مازالوا يعملون في الداخل بشكل سري ويوثقون انتهاكاته وينقلون أحوال الشارع السوري، كذلك تهدف هذه الشبكة الرقابية إلى رصد عمليات تحويل الأموال التي لا تتم عن طريق مكاتب الصرافة المرخصة التي تسرق نسبة كبيرة من قيمة الحوالات، بعدما لجأ عدد كبير من المواطنين في الأعوام الأخيرة إلى شركات وأفراد يعملون على نقل الأموال بين الداخل والخارج من دون رخصة، ويصرّفون الدولار بسعر السوق السوداء.
تؤكد ذلك التصريحات الصادرة عن مصرف سوريا المركزي في الأشهر الأخيرة، والتي ورد فيها ذات مرة أن النظام ألقى القبض على أحد محولي الأموال من خلال مراقبة رسائل “واتس آب” الخاصة به، من دون مبالاة بأن هذه التصريحات تكشف عن الانتهاكات التي يمارسها النظام باختراق خصوصية الناس. كما صرح وزير الداخلية محمد رحمون مطلع العام، علانية، بأن الوزارة تراقب حسابات السوريين في “فايسبوك”.
الأسلوب الذي بات النظام السوري يستخدمه مؤخراً لمراقبة تحركات مواطنيه، لا يقتصر على الرقابة التقليدية، بل يتجاوزها إلى زرع تطبيقات تجسس في هواتف المواطنين الذكية. وهنا يقوم الجيش السوري الإلكتروني بنشر روابط لتثبيت بعض التطبيقات ويدعوا إلى نشرها على نطاق واسع عن طريق مجموعات كبيرة ضمن تطبيقي “واتس آب” و”تيليغرام”. ولا تكون تلك التطبيقات متوافرة في متجر “غوغل” لأجهزة “أندرويد”، ولا في متجر “آبل ستور” لأجهزة “آيفون”، بل هي من تطوير الأجهزة الأمنية نفسها.
وغالباً ما تحمل هذه التطبيقات أسماء جذابة تثير اهتمام العامة، فيتم طرح بعضها على أنها برامج خاصة بإنقاص الوزن، والبعض منها يشار إلى أنه ذو محتوى جنسي، وفي الآونة الأخيرة استثمر النظام السوري هلع وخوف المواطنين السوريين من فيروس كورونا، لنشر تطبيقات التجسس الخاصة به بسرعة البرق باعتبارها تطبيقات لفحص فيروس كورونا من خلال الهاتف. وأشهر تلك التطبيقات هو تطبيق “فحص فيروس كورونا” الذي يدّعي بأنه مخصص لقياس حرارة الجسم عن طريق الهاتف من خلال الإصبع، وبالطبع هو فحص غير مجدٍ وليس له أي أهمية من الناحية الطبية، لكن أثناء تشغيل التطبيق يتم نقل كافة المعلومات الموجودة على الجهاز الذي يحتويه إلى مخدمات خاصة بالأجهزة الأمنية.
والحال أن مهمة التطبيقات التي يقوم النظام بنشرها، لا تنحصر بمراقبة محتويات الجهاز نفسه والنشاط الذي يمارسه صاحبه على وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما يتعدى ذلك ليشمل كافة تفاصيل حياته اليومية. فعقب تثبيتها تتمكن أجهزة الاستخبارات بالسورية من مراقبة صاحب الجهاز بالصوت والصورة.
في هذا السياق شخّص متخصص في البرمجيات آلية عمل هذه التطبيقات في حديث مع “المدن”: “منذ اللحظة الأولى لتثبيت التطبيق في جهاز الموبايل، يعمل التطبيق في خلفية الجهاز الرقمية على التقاط صور للشاشة الرئيسية، وفتح الكاميرا الأمامية والكاميرا الخلفية على حدٍ سواء، وتسجيل الفيديو والصوت من دون إذن، ومن دون أن يلاحظ صاحب الجهاز ذلك، إضافةً إلى تحديد الموقع الجغرافي للشخص والحصول على سجل اتصالاته ورسائله والقدرة على تسجيل مكالماته، إضافةً إلى مراقبة نشاطه على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي”.
ولا يقتصر نشاط النظام السوري في نشر تلك التطبيقات التجسسية من طريق الإنترنت ومجموعات “واتس أب”، وإنما قام مؤخراً بتجنيد عدد من عناصر الجيش الإلكتروني في محلات صيانة الأجهزة الخلوية لزراعة تلك التطبيقات في هواتف الزبائن بشكل مباشر.
وهنا، أوضح أحد العاملين في مجال صيانة الأجهزة الخلوية في برج الشام، بمنطقة البحصة في دمشق: “قبل ثلاثة أشهر، قام بعض العساكر بافتتاح محل لتصليح الموبايلات بالقرب مني، وكانت تلك المرة الأولى التي يقوم بها عساكر باستثمار محل في هذا البرج. وفي أحد الأيام، راجعنا أحد الزبائن في المحل، وكانت مشكلته بطء جهازه بعدما قام بتصليح عطب بشاشة عند محل العساكر الجديد. وعندما تفحصنا الجهاز، تبين لنا وجود برنامج مخفي للمراقبة بداخل يحمل اسم علوش Allosh”.
المصدر: المدن