مصطفى محمد
أقرت حكومة النظام السوري، الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021، بزيادة لأكثر من الضعف عن العام 2020، لتصبح بذلك الميزانية الأضخم في تاريخ سوريا، قياساً على العملة السورية، وليس على الدولار الأميركي.
واعتمد “المجلس الأعلي للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي” مبلغ 8500 مليار ليرة سورية، كمشروع لموازنة العام المقبل، وتوجهات الإنفاق في جميع الوزارات للسنة المالية القادمة، مقارنة ب4000 مليارات ليرة للعام الماضي.
وقال إن مشروع الموازنة يهدف إلى تأمين 70 ألف فرصة عمل في القطاعين الإداري والاقتصادي، ويركز على دعم وتحفيز القطاع الخاص الزراعي والصناعي والسياحي مع زيادة الاعتمادات الخاصة بالضمان الصحي.
وأضاف أن مشروع الموازنة يركز على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، بما يتوافق مع متطلبات الظروف الحالية وتوجيه الإنفاق العام وضبطه بما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
وبلغت اعتمادات الدعم الاجتماعي 3500 مليار ليرة سورية، موزعة على دعم الدقيق التمويني والمشتقات النفطية والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية وصندوق دعم الإنتاج الزراعي، دون أن يشمل ذلك الدعم المقدم للقطاع الكهربائي.
ولا يعني إقرار هذه الموازنة بأرقامها غير المسبوقة في تاريخ سوريا، تنفيذها بالمطلق، لأن الموازنة بالنهاية هي تقديرات، ربما تنطوي على كثير من التضخيم المقصود، لخدمة أهداف سياسية، لا علاقة لها بالاقتصاد. وهو ما يؤكد عليه الباحث الاقتصادي في جامعة “يوزنجويل فان” التركية، الدكتور أحمد ناصيف، الذي يجزم بأن الأرقام المالية التي يتحدث عنها النظام، هي أرقام مبالغ فيها، ل”إظهار قوة الدولة السورية”.
ومن دون النظر إلى قيمة هذه الموازنة قياساً إلى الدولار، تُثار تساؤلات عن قدرة النظام السوري على تأمين هذه الترليونات، وإيراداته من النفط والضرائب وعائدات المؤسسات الاقتصادية الحكومية، تكاد تكون معدومة. ويجيب ناصيف عن هذا التساؤل قائلاً: “الأخبار التي تأتي من دمشق، من حجز على أموال كبار رجال الأعمال، وإتاوات على من هم أقل شأناً، تؤكد أن قسماً من أموال الموازنة يتم جمعها من هؤلاء”.
ويضيف أن النظام يساهم بجزء من المدخرات المالية في الميزانية، وهي المدخرات التي تدخل خزينته من العائدات القنصلية التي تُدفع من السوريين في الخارج، لقاء خدمات قنصلية متعلقة بوثائق السفر، ووثائق الأحوال الشخصية، وبدل الخدمة الإلزامية، وكذلك من عائدات العقود التي يجريها النظام تباعاً مع روسيا وإيران في مجالات استثمارية عديدة.
وحسب ناصيف، فإن من غير المستبعد أن يلجأ النظام إلى طباعة النقود لتمويل الموازنة، غير آبهٍ بالآثار والتداعيات الاقتصادية المدمرة، وقال: “القراءة الأولية أن النظام غير مهتم بارتفاع مستويات التضخم، وهو يتكتم على حجم الكتلة النقدية المتداولة في الأسواق، وهذا ما يعزز من فرضية اللجوء إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية”.
ويشاطره الرأي المستشار الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات” خالد التركاوي، الذي يرجح بدوره أن يقدم النظام على إغراق السوق السورية بمزيد من الأوراق المالية، الفاقدة لقيمتها الشرائية إلى حد كبير.
ويقول ل”المدن”، إن “الإيرادات المالية للدولة متوقفة واحتياطات المصرف المركزي تكاد لا تذكر، والنظام يقول إنه سيرصد 8500 مليار ليرة سورية للموازنة، وهذا يعني أن كل المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية الواردة في الموازنة ستبقى حبيسة الورق، مقابل التحرك في بنود قليلة منها الأجور والرواتب وما شابه، أي التمسك بشكل الموازنة فقط دون تنفيذها، وتدوير العجز”.
الأزمات إلى توسع!
قياساَ إلى خسارة العملة السورية أكثر من 300 في المئة من قيمتها منذ نهاية العام 2019، تقلّ قيمة الموازنة للعام المالي الجديد، عن موازنة العام الجاري 2020 (4000 ترليون ليرة سورية) بنحو 2.5 مليار دولار، ما يعني أن أزمة نقص المواد الضرورية التي تضرب البلاد إلى توسع، وخصوصاً المواد المدعومة من الدولة (غاز، مشتقات نفط، أدوية، خبز).
وأول ما يتوقعه الباحث أحمد ناصيف، أن تتراجع الخدمات التي يقدمها النظام للسوريين بالمجان، ويقول: “الأرجح أن تنحسر الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية على مستوى البلديات (طرق، كهرباء، مياه، صرف صحي) والمعونات الاجتماعية بشكل كبير، يرافق ذلك زيادة في أزمات البنزين والغاز، وسحب الدعم العام عن سلع غذائية عدة، وفي مقدمتها الخبز”.
كبرت أرقام الموازنة المقبلة بالعملة المحلية، لكنها قلّت عن سابقاتها أمام العملات الأجنبية، وتأتي عقوبات “قيصر” لتعمق حالة التردي المعيشي للسوريين، ما يجعل الصمود والتصدي شعار النظام للمرحلة القادمة، وكل المراحل!
المصدر: المدن