أحمد مظهر سعدو
أتم التدخل الاحتلالي الروسي عامه الخامس، وهو الذي دخل بأدواته العسكرية إلى الجغرافيا السورية مع يوم 29 أيلول/ سبتمبر عام 2015. لينقذ النظام السوري المجرم، من انهيار كان قاب قوسين أو أدنى منه. جاء التدخل الروسي لينقذ النظام، بعد أن عجزت عن إنقاذه كل جحافل (التتار والمغول) الإيرانية وجل الميليشيات الطائفية التي استقدمها لكبح جماح الشعب السوري الذي قام من أجل حريته وكرامته المستباحتين من نظام الأسد منذ خمسين عامًا أو يزيد.
جاء الاحتلال الروسي ليحقق ما عجز عن تحقيقه في فترات سلفت، وهو إعادة الحياة لتمدده المصلحي البراغماتي، الذي أَفل مع أُفول نجم الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينيات من القرن الفائت. وصولًا إلى استنزاف الثروات الطبيعية السورية، ورفد الاقتصاد الروسي بمناهل جديدة، لاقتصاد آيل للسقوط، لكن هذا الاحتلال الذي ظن أنه ستستتب له الأمور بأشهر ثلاثة أو أكثر قليلاً، مازال يحصد الخيبات تلو الخيبات، ومازال النظام الأسدي في مرحلة هي الأقرب للسقوط منها إلى الحياة أو القيام، رغم كل القصف والدمار الذي قامت به ومعه حربيات الروس وقوات المرتزقة من روس وفرس وما بينهما. وهو اليوم إذ يحاول تثبيت أركان مصالحه، يحاصر إدلب ويدفع باتجاه الانقضاض على ما تبقى منها بيد الثوار، أو المناطق التي هي خارج سيطرة النظام، بالرغم من تصريحات لافروف من أن الحرب قد انتهت، خلا بؤرتين اثنتين في إدلب وشرق الفرات. فهل يمكن القول اليوم وبعد خمس سنوات من الوجود الروسي، وولوج العام السادس أن إدلب وبعض ريف حلب وريف حماة، وضمن حالة الخلاف التركي الروسي. ستكون مصائرها مجهولة أم معلومة، وهل ستتمكن روسيا من دعم النظام وزجه في معارك جديدة قد لا تحمد عقباها بوجود ما ينوف عن عشرين ألف مقاتل تركي ضمن جغرافيا إدلب، يتهيؤون لأي عدوان أسدي جديد؟
حول مصير إدلب اليوم وكيف يراه السوريون في قادم الأيام وفي ذكرى الاحتلال الروسي لسورية استطلعت إشراق بعض الرؤى حيث أكد الدكتور محمد حاج بكري الباحث والمعارض السوري قائلاً: ” كلام الرئيس أردوغان واضح وصريح بقوله أي كفاح لا نقوم به داخل سورية سنجبر على القيام به لاحقًا في تركيا، وقوله إذا تركنا المبادرة للنظام السوري وداعميه لن نرتاح في تركيا. كل يوم يزداد عدد الجنود الأتراك والآليات العسكرية في سورية وتسعى تركيا لتطبيق اتفاق سوتشي، واليوم يدخل الصراع في إدلب مرحلة جديدة ونظام الأسد لا يستطيع أن يأتي دون غطاء روسي، ويبدو أن هناك أزمه تواجه العلاقة الروسية التركية. وتركيا لديها الاستعداد الكامل للدخول في عملية عسكرية لإبقاء النظام وداعميه بعيدًا عن إدلب لكن للآن تفضل المباحثات بدلًا من الحرب، وذلك من خلال المسارات التي اعتمدت في الآستانة وسوتشي، وحتى لا تصل الأمور إلى نقطة اللا عودة”. ثم أضاف:” الخطر القادم إلى إدلب سيجر إلى درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام بالإضافة إلى الخطر الداخلي على أنقره نتيجة علاقة نظام الأسد مع قوات سورية الديمقراطية فرع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، أضف إلى ذلك الحجم الهائل من اللاجئين. ومن المؤكد أن تركيا تستطيع تحقيق الانتصار على نظام الأسد لكنها لا تستطيع مجابهة روسيا وإيران لوحدها، وخاصة في ظل تقييد الجو من قبل روسيا وفي هذه الحالة سيزداد احتمال طلب المساعدة من حلف الناتو، وهو احتمال يتحمل عدة أوجه ما بين القبول والرفض بالإضافة إلى أن الإعلان الرباعي الذي يضم روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا أكد على وقف النار في إدلب.” ثم قال:” هدف بوتن الأساسي أن يكون دور تركيا ثانويًا في مستقبل سورية وسيطرة النظام على إدلب تهدد الملفات الكبيرة بين تركيا وروسيا كمشروع السيل التركي ومنظومة اس ٤٠٠و تركيا مصرة على عدم تحويل حدودها إلى مناطق آمنة وحقيقة فرض روسيا استراتيجيتها في إدلب يعتبر هزيمة لتركيا ونقطة تحول كبيرة في مسار الثورة السورية وربما يكون انسحاب قوات النظام إلى ما بعد النقاط التركية وإدارة روسيا وتركيا لبعض المناطق الحل الأمثل. الواقع التركي مصالحه في إدلب أكبر من مصالح روسيا ولا يتعلق بقضية النازحين فقط، إنما تحاول الحفاظ على العلاقة مع روسيا عن طريق التفاهمات وتسعى تركيا دائمًا لتحديد مواجهتها مع نظام الأسد فقط. وفي حال استنفاذ كافة الفرص للتفاهم لا بد من واجهة عسكرية، وستكون ضربات مؤثرة بشكل كبير على قوات النظام ولا يمكن أن تتراجع تركيا عن موقفها من إدلب. ولا يستطيع الروس إدارة المعركة عسكريًا على هواهم رغم صلفهم وإن حصلت. هناك تصريح حلف شمال الأطلسي بأن أي عدوان على تركيا وقواتها فهي تقف معه بصورة كاملة بالإضافة إلى عامل الحدود والبالغ طوله ٨٥٠ك. م الذي يمنح الجيش التركي وفصائل المقاومة مساحة كبيرة من حرية التحرك وتوجيه الضربات النوعية وتحقيق الانتصارات وخاصة في حال طرد النظام وإيران من منطقة التصعيد الرابعة وستكون خسارة كبيرة لهم وهو عامل حسم في تفكير الروس قبل المعركة. تركيا حازمة في موقفها وخاصة بالنسبة لأمنها القومي المرتبط ارتباطًا وثيقًا ببقاء إدلب خارج سيطرة النظام وداعميه”.
أما السيد محمود عادل بادنجكي المعارض والناشط السوري فيقول:” قد تكون من أصعب المهمّات إطلاق التكهّنات. فالأمور تختلط بين المصالح القوميّة والبينيّة بين تركيا وروسيا. وكلّما خمّن المحلّلون شيئاً وفق مجريات الأحداث وخارطة المصالح المشتركة، تجد الأفعال وردودها في الكثير من الأحيان متعاكسة ومتشابكة، يتدخل فيها الجيوسياسي مع القومي مع التكتيكي، فتضيع البوصلة على صنّاع القرار في الجانبين وفقاً لما يقتضيه حساب الأرباح والخسائر لدى الجانبين. فإن قلنا هناك تصعيد نظراً للإرهاصات الماثلة، الضاربة بعرض الحائط بتفاهمات أستانة وسوتشي، والواقع المأساوي على الأرض. نجد في أحيان كثيرة عدم تطابق التوقّعات على الأرض، حين تتدخّل المساومات والتبادلات والتنازلات كلّ طرف للآخر، في هذه البقعة أو تلك، لتتحقّق التوازنات من جديد بانتظار الحركة التالية على رقعة الشطرنج، التي نمثّل نحن السوريين جزءاً مهمّاً من أحجارها السوداء والبيضاء. أكرّر نظريّة “لعبة الشطرنج” لأنّها خير تعبير عنّا. نحن تلك القطع التي لا تعلم الحركة التالية لها، إن كانت تقدّماً، تراجعاً، أو خروج من الرقعة، بل هي رهن باللاعبَيْن فقط.”
بينما قال السيد منجد الباشا معارض وكاتب:” يبدو أن المرحلة الحالية من مسار القضية بل الثورة السورية تفرض نقلة نوعية تتطلبها مسألة إنجاز خطوة متقدمة على مستوى التسوية السياسية. وخاصة على مستوى اللجنة الدستورية. وكذلك الانتخابات الأميركية القادمة التي صارت على الأبواب. كما أن الوقائع على الأرض التي ارتسمت مؤخرًا من خلال التفاهم الروسي التركي في الشهر الخامس من هذا العام، والتي لم تعد مقبولة من قبل الطرف الروسي. ووفق رؤية كل طرف من الأطراف لدوره وحصته من الكعكة السورية” ثم تابع يقول: ” جميع ذلك وبإشراف المايسترو الأكبر الأميركي. عموم ذلك ما دعا إلى تحريك الساكن على خطوط التماس m4–m5. ومن جهة أخرى يبدو أنه لا مجال بعد الآن للمناورة بين الفريقين الروسي والتركي. فقد بات الموقف التركي في حرج فيما لو نفذ المطالب الصادرة عن الطرف الروسي حيال خطوط التماس. وفي التسريبات. إن الطرف التركي.. لا يمكن أن يستجيب للإملاءات الروسية، وأنه سيتقدم ليستحوذ على مناطق أخرى. كما وأن خروج السيد اردوغان بتصريح يبشر فيه بعودة اللاجئين السوريين قريباً إلى ديارهم. ووفق تسريبات أخرى أيضًا تؤكد أن الطرف التركي. لن يستجيب للضغوطات الروسية. وسيخوض معركة حاسمة في سبيل إبقاء وضع إدلب على ما هو عليه. هذا ما يجعلنا نركن إلى تصور ما عن ادلب. غير أن الأصح هو ما ستقدمه الأيام القادمة، حيث سيكون فيها الجواب الواقعي والحقيقي على الأرض. أما الآن فلا أعتقد أن أحدًا ما يمكن أن يجزم بطبيعة ونتائج هذه المواجهة. سوى صانعي القرار أنفسهم
وإن غدًا لناظره قريب”.
من جهته فقد أكد المعارض السوري السيد محسن حزام قائلاً :” المتتبع لقراءة المشهد في إدلب يرى على الأرض مسألتان لابد من التنبه لهما عندما نريد توصيف الحالة الراهنة، مسألة أولى تخص المتغيرات التي تتم داخل مناطق إدلب التي تعتبر آخر منطقة خفض تصعيد في اتفاق سوتشي الذي وقع عليه الضامنين الروسي والتركي بخصوص تجميد وقف إطلاق النار وبشكل مؤقت حتى يتم حسم وجود (هيئة تحرير الشام) بهدف الانتهاء من جيوب المنظمات الإرهابية في هذه المنطقة وفتح منطقة إدلب بشكل كامل أمام النظام السوري واستعادتها إلى الأراضي السورية (المحررة) بمنطق النظام والروس. لكن النظام استمر بخروقاته لوقف إطلاق النار والاعتداء على السكان المدنيين. من طرفه الجانب التركي يدعم وجوده داخل إدلب. في المنظور القريب مازال الخلاف الروسي التركي قائمًا حول إدلب. أما فيما يخص مصير إدلب في قادم الأيام: أرى أن التوافقات السياسية بين الأطراف هي المخرج في حالة إدلب وليس الحسم العسكري الذي يتوعد به النظام. لكن تبقى معضلة تحتاج إلى حل جذري وهي النصرة المسيطرة على مساحات واسعة من جغرافية مناطق إدلب التي باتت تواجه بردود أفعال عسكرية من قبل الفصائل غير المنتمية لها ومن القطاعات المدنية والشعبية المتضررة من ممارسات النصرة. ” ثم قال ” الصراع الداخلي سيكون هو بداية الحسم، وسيلعب الجانب التركي دورًا إيجابيًا مهما في ذلك. في الختام التوافق التركي الروسي ضروري في إدلب لأنه سيكون مقدمة لتوزيع الأدوار حتى في الشمال السوري. ومن خلاله سيفتح الطريق لاستمرار المسار السياسي عبر اللجنة الدستورية التي تعقد عليها الآمال من قبل المعارضة للخروج من النفق والوضع غير المستقر في سورية بشكل كامل وعلى كافة المستويات.”
المصدر: اشراق