عقيل حسين
لم يكن البيان الذي أصدرته شخصيات معارضة دعت فيه إلى الانسحاب من اللجنة الدستورية باعتبارها “حرفاً للعملية السياسية” جديداً أو مفاجئاً بقدر ما كان عملية استعادة لأفكار طيف واسع من المروحة المعارضة.
البيان اتهم دور اللجنة صراحة بأنه “يسمح باستمرار الهيمنة وإعادة إنتاج النظام”. وشدد على “أن الاستمرار في اللجنة الدستورية يعطي رسالة زائفة وينشر الوهم الكاذب عن استمرار العملية السياسية، في وقت يتم فيه تشويه هذه العملية لحرفها عن مسارها”.
وينظر طيف واسع في المعارضة إلى أعمال اللجنة الدستورية باعتبارها مساراً غير شرعي من جهة، وبلا طائل من جهة أخرى، أوجدته روسيا لكسب الوقت وللإظهار أن هناك مساراً دبلوماسياً للحل في سوريا بعيداً عن الشرعية الدولية، وبما لا يؤدي إلى أي تغيير في بنية النظام، إلا أن أهمية هذا البيان تأتي من ثلاثة عوامل أساسية.
الأول هو عامل التوقيت، فمن الواضح استغلال الموقعين على البيان فترة تعليق أعمال اللجنة الدستورية مجدداً، بعد رفض النظام عقد جولة جديدة لها كانت مقررة في 5 تشرين الأول/أكتوبر، وعدم استجابة روسيا لدعوات المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن للضغط على النظام من أجل القبول بعقد هذه الجولة، ما يمنح فرصة للمعارضة الرافضة لهذا المسار أن تطرح أفكارها من دون أن تُتهم بالتشويش.
والعامل الثاني هو الوزن المعتبر لمعظم الشخصيات الموقعة على البيان، ما يمنحه قيمة إضافية ويظهر مدى اتساع الرفض داخل المعارضة “غير الرسمية” لمسار اللجنة الدستورية، وربما يعكس أيضاً حقيقة المزاج الشعبي العام الذي إن لم يكن قد عارض بالأصل إطلاق هذا المسار على أمل تحقيق انجاز حقيقي، فإنه اليوم يتبنى وجهة النظر التي تعتبر أنه مجرد وهم يستغله النظام وحلفاؤه بالفعل.
وكان لافتاً أن عدداً من رؤساء وأعضاء الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كانوا على رأس الموقعين على البيان، مثل أحمد معاذ الخطيب وعبد الباسط سيدا وجورج صبرا ورياض الترك وميشيل كيلو وسهير الاتاسي، بالإضافة إلى سمير نشار وعبد الحكيم قطيفان وحسام الحافظ وحازم نهار وأيمن أبو هاشم ومحمد صبرا وغيرهم.
أما العامل الثالث الذي يزيد من أهمية هذا البيان، فهو تزامنه مع استعادة الفريق المختص بالشأن السوري داخل الإدارة الأميركية نشاطه الذي يركز على تجميع صفوف المعارضة وتوحيد مكوناتها وتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام “من أجل إجباره على التفاوض الجاد مع المعارضة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254” في وقت يبدو فيه أن الحماس التركي للجنة الدستورية قد خفت أيضاً إن لم نقل أنه لم يعد موجوداً.
معطيات بدت للموقعين على البيان أنها اجتمعت بشكل مثالي لإطلاق دعوتهم من أجل انسحاب المعارضة من اللجنة الدستورية، والعودة إلى قرارات الشرعية الدولية ومحددات مؤتمرات جنيف، التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تهيأ الظروف لكتابة دستور جديد للبلاد وإقامة انتخابات بإشراف دولي، لا أن تكون البداية من خلال لجنة صياغة الدستور التي يصر النظام أن مهمتها تعديل الدستور الحالي وليس كتابة دستور جديد.
ويعتقد داعمو الموقف الذي عبر عنه البيان أنه يجب استغلال الزخم الأميركي المتجدد في ما يتعلق بالشأن السوري والذي يمكن أن ينعكس ايجاباً على المعارضة خاصة مع تقاطعه والبرود التركي تجاه اللجنة الدستورية ومسار استانة بشكل كامل.
لكن المحامي حسام الحافظ، وهو أحد الموقعين على البيان، يرى في تصريحات ل”المدن”، أن أهم ما يتعلق بعامل التوقيت هو التفاعل مع الشعور العام السائد لدى معظم السوريين بأنه يجب عدم منح فرصة إضافية لهذه اللجنة بعد عامين من الفشل، وبأنه قد حان الوقت لمواجهة الحقائق والابتعاد عن تسويق وتجميل ما لا ينتج حلاً عادلاً للسوريين.
وأشار إلى أن “النقاشات لم تتوقف حول الآثار السلبية لإعلان اللجنة والانخراط بها، بينما يستمر اعطاء الانطباع الخاطئ للمجتمع الدولي بأن قوى الثورة والمعارضة راضية بها مع أنها لن تقدم شيئاً، بل هي في الحقيقة تسهم بتوليد شعور زائف لدى المجتمع الدولي، وبخاصة الدول الداعمة للثورة، أن هذا المسار مقبول ويجب دعمه، بينما أخلاقياً وسياسياً فإن دعم هذا المسار لا يؤدي إلى أي حل للقضية”.
لكن ما سبق لا يعتبر كافياً لاتخاذ قرار بحجم وخطورة الانسحاب من اللجنة الدستورية، حسب العديد من أعضاء وفد المعارضة فيها الذين تواصلت معهم “المدن” للتعليق على هذا البيان، على الرغم من تأكيدهم عدم الرضا عن هذا المسار أو ما نتج عنه حتى الآن.
المتحدث باسم الوفد يحيى العريضي يميل إلى الانسحاب من الدستورية لكن على أرض الواقع لا يحبذ مثل هذا القرار ويقول ل”المدن”: “يجب تسمية الأمور بمسمياتها، فقضيتنا ليست بوضع مثالي لنحدد الضوابط التي يجب أن تحكمها..ليس هناك أسهل من أن نقول لا بد من فعل كذا وكذا، وإدارة الظهر لما لا يرضينا، وهذا صحيح عندما نكون في وضع مثالي غير متوفر الآن، وعليه فإن القوة اليوم هي أن تثبت وتتمترس عند حقك وتصمد أمام قانون القوة حيث الجميع تقريباً إما ظلاّماً ومعتدين أو غير مكترثين”.
ودعا الموقعين على البيان إلى أن يأتوا بمشروع “قابل للتنفيذ يعيد الحقوق للسوريين وسأكون أول الموقعين عليه، فحضور لعبة كرة قدم يتيح بذخ النقد، لكن النزول إلى الملعب وخوض المعركة أمر مختلف..ليت الجميع ينزل، فالبيانات لا تطعم خبزاً ولا تعيد حقوقًا”.
لكن كمية النقد المباشر أو المبطن التي عبر عنها العريضي لم تصل إلى حد التشكيك بنوايا من أصدر البيان ودوافعهم، كما ألمح إلى ذلك البعض تعليقاً على هذا البيان، بل إن العديد من المؤيدين للاستمرار في مسار اللجنة الدستورية اعتبروا أن هدف غالبية الموقعين هو العودة للأضواء واستهداف القائمين حالياً على مؤسسات المعارضة بعد أن أصبح معظم المطالبين بالانسحاب من اللجنة الدستورية خارجها.
لكن حسام الحافظ، الذي كان مسؤول المكتب القانوني في هيئة المفاوضات المعارضة، رفض هذا النوع من التفسير، مؤكداً أنه لو كان هدف الموقعين على البيان المنصب أو الأضواء لما استقالوا من تلقاء أنفسهم من الائتلاف أو هيئة التفاوض.
وأضاف “للأسف كلما عجز البعض عن مواجهة مضمون الطرح يتم اللجوء الى شخصنة الأمور واقحام افتراضات عن الدوافع والأشخاص بعيدة عن الحقيقة، اذ لم يخرج أحد من أي مشهد إلا بإرادته ووفقاً لقناعاته”.
ليس واضحاً اليوم من هي الجهة السورية المعارضة المخولة بتحديد “الخطأ” وتقرير كيف يجب التعامل معه وإصلاحه، في ظل تعرض دور هيئة المفاوضات ك”مرجعية” لانقسامات حادة أدخلتها في بطالة مستمرة منذ نهاية العام الماضي، ومعاناة مؤسسة الائتلاف “المرجعية السياسية الأولى” من مشاكل كبيرة، وانتقال المعارضين على الصعيد الشخصي من مستوى الخلاف في المواقف إلى الخصومة والعداء في كثير من الأحيان، الأمر الذي يجعل من أي مبادرة قابلة للتأويل وتحتمل وجوه قراءة متعددة في ظل واقع المعارضة المعقد هذا.
المصدر: المدن