أمين العاصي
طفت على السطح أخيراً خلافات داخل حركة “أحرار الشام الإسلامية”، والمحسوبة على فصائل المعارضة السورية (المعتدلة)، والتي كانت حتى عام 2014 من أبرز الفصائل المواجهة لقوات النظام، لكنها تعرضت لنكسات عدة، أبرزها اغتيال معظم قادتها في حادث لا يزال الغموض يلفه، ما أدى إلى تراجع دورها في الشمال الغربي من سورية. وجاء هذا التراجع أيضاً في ظلّ الوجود العسكري القوي لـ”هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً)، الفصيل الأقوى عسكرياً في محافظة إدلب ومحيطها.
وأعفى مجلس شورى الحركة بقيادة جابر علي باشا، يوم الثلاثاء الماضي، قائد الجناح العسكري للحركة، النقيب عناد الدرويش (المعروف بـ”أبو المنذر)، ونائبه (أبو صهيب) من مهامهما، بعد بيان أصدره الدرويش ومجموعة من القادة العسكريين في الحركة، دعا إلى إعادة القائد السابق حسن صوفان إلى منصبه وإعفاء علي باشا، الذي اعتبر هذا البيان بمثابة “انقلاب”، وفق مصادر مطلعة مقربة من الحركة. وجاء في بيان الدرويش أن المطالبة بعدم التجديد لعلي باشا وتعيين حسن صوفان، تأتي بعد “السعي في إصلاح ذات البين وحصول العديد من الجلسات المطولة والوصول إلى طريق مسدود، رغم اقتصار مطالبتنا على مجرد تعيين أمير جديد من قبل الشورى أنفسهم”. وأشار البيان إلى أن المطالبة بتعيين صوفان في قيادة الحركة هو “بسبب حصول شلل طيلة الفترة الماضية في النشاط العسكري”، وفق البيان.
وقالت المصادر المطلعة لـ”العربي الجديد”، إن السبب الرئيسي للخلافات داخل الحركة هو “تمديد مجلس الشورى للقائد الحالي جابر علي باشا عاماً إضافياً في منصبه، وهو ما رفضه الجناح العسكري، مطالباً بعودة صوفان، الذي كان قد تولى قيادة الحركة في العام 2017”. وأضافت المصادر أن “علي باشا انتقم من معارضيه من خلال الإقصاء المباشر، إذ أرسل قوة إلى ريف اللاذقية الشمالي، حيث يتمركز هؤلاء المعارضون، لكن هيئة تحرير الشام حالت دون حدوث اشتباكات”. وأوضحت المصادر أن “هيئة تحرير الشام” بصدد تشكيل مجلس عسكري في محافظة إدلب، يضّمها مع “فيلق الشام” المدعوم من الجانب التركي، وحركة “أحرار الشام”، مشيرة إلى أن مجلس شورى الحركة “رفض أن يكون حسن صوفان، أو الدرويش، ممثلاً للحركة في هذا المجلس بسبب ميلهما الكبير للهيئة، ما يعني هيمنة الأخيرة على هذا المجلس”. وبيّنت المصادر أن ما يجري “حرب بيانات لا أكثر، لأن أي طرف لا يستطيع التغلب على الآخر بسبب رفض تحرير الشام أي تصعيد عسكري، فضلاً عن وجود قيادة الهيئة داخل مناطق الجيش الوطني (فصائل المعارضة)”، وفق المصادر، التي أكدت أن هناك جهوداً تبذل من قبل شخصيات إسلامية مستقلة لاحتواء الخلاف.
وفي السياق، دعت “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي تضم فصائل المعارضة في الشمال الغربي من سورية، قيادة “أحرار الشام” إلى “التعالي على الخلافات وتغليب لغة الحوار”، محذرة من خطورة الانقسام والتنازع. وأكدت الجبهة أنها ستشكل لجنة من أجل “رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، وتأليف القلوب، لعلنا نكون عوناً لإخواننا في هذه المحنة”.
من جهته، أصدر جابر علي باشا، القائد الحالي للحركة، بياناً، يوم الثلاثاء الماضي، قال فيه إن “ما حصل في الأيام الأخيرة هو تكرار لما شهدته الحركة سابقاً من انشقاقات، دفعنا ودفعت الساحة ثمنها غالياً”، مشيراً إلى “أن الجهة التي عملت على الانقلاب تصدر نفسها لقيادة الحركة بطريقة غير شرعية ومستهجنة، لا تهدف إلا للنيل من تماسك الحركة وصفّها الداخلي”، وفق البيان. ووجّه علي جابر رسالةً إلى منتسبي الحركة، مفادها أن ما جرى “سحابة صيف عابرة لا تلبث أن تزول، ومحنة ستخرج منها الحركة أقوى من ذي قبل”، وفق البيان.
ومن الواضح أن هناك تيارين داخل “أحرار الشام”: الأول يرفض التماهي الكامل مع “تحرير الشام”، يرأسه جابر علي باشا، وهو من مواليد بلدة بنش في محافظة إدلب عام 1984، ويحمل الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق. ويتزعم التيار الثاني الداعي إلى تفاهم مع “تحرير الشام”، وربما الاندماج معها، حسن صوفان، المولود في محافظة اللاذقية السورية عام 1979، والذي درس العلوم الشرعية في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية، وخرج من معتقلات النظام عام 2017 بعد اعتقال دام 12 عاماً، فترأس مجلس شورى الحركة لمدة عام.
وعن ذلك، رأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات عبد الوهاب العاصي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك انقساماً داخل مجلس شورى الحركة”، مشيراً إلى أن صوفان “يريد فرض توازن جديد، مستفيداً من علاقته المتينة مع الجناح العسكري داخل الحركة، ويريد الدخول في شراكة مع هيئة تحرير الشام لتحديد مستقبل منطقة إدلب على المستويين العسكري والسياسي”. وأشار العاصي إلى أن هناك معلومات عن وجود تفاهم بين صوفان وأبو محمد الجولاني (قائد “هيئة تحرير الشام”)، لتشكيل مجلس عسكري في الشمال الغربي يكون له جناح سياسي تشارك فيه “أحرار الشام”، يشكل حكومة في محافظة إدلب، معرباً عن اعتقاده بأن الهيئة “تحاول الالتفاف على مطالبات إقليمية بحل نفسها”. ورأى أن هذا المجلس “سيحارب كل من يرفض الانضواء فيه”.
ولفت العاصي إلى أن صوفان “لم يستطع حتى اللحظة فرض رؤيته على الحركة”، معرباً عن اعتقاده بأن “تحرير الشام ربما تتدخل عسكرياً لصالح صوفان في حال استمرار مجلس شورى الحركة على موقفه المعرقل”، مشيراً إلى أن القائد الحالي للحركة جابر علي باشا “أقال القيادات (المتمردة)”. وأوضح أن قوات “المغاوير” في الحركة “كان لها دور كبير في المعارك التي دارت مع قوات النظام في مطلع العام الحالي”، معرباً عن اعتقاده بأن “تحرير الشام تريد ضمّ الجناح العسكري لحركة أحرار الشام إلى قواتها من خلال تشكيل المجلس العسكري المشترك”.
وكانت “أحرار الشام” التي ينتشر مقاتلوها في بعض مناطق محافظة إدلب، ولا سيما في مدينة أريحا وبلدة بنش ومنطقة جبل الزاوية، وفي أجزاء من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، قد دخلت بأكثر من نزاع دموي مع “تحرير الشام”، لا سيما عامي 2017 و2019، ما أدى إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سورية، وتحجيم دور الحركة إلى الحدود الدنيا.
ومنذ تأسيسها أواخر عام 2011، من قبل مجموعة من الجهاديين السلفيين، أطلق النظام سراحهم من سجن صيدنايا، أبرزهم حسان عبود (أبو عبد الله الحموي)، مرّت الحركة بالعديد من التطورات على صعيد خطابها الثوري والسياسي. ونشأت “أحرار الشام” الإسلامية من اندماج أربعة فصائل، هي: جماعة “الطليعة الإسلامية”، حركة “الفجر الإسلامية”، “كتائب الإيمان المقاتلة”، إضافة إلى “أحرار الشام”. وتعرّضت “أحرار الشام” لضربة كادت أن تطيح بها، حين قتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين في سبتمبر/ أيلول 2014، حين كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان، بريف إدلب، شمالي سورية، في تفجير لا يزال الغموض يلفه، إذ لم يصدر اتهام واضح لجهة معينة بالوقوف وراءه. لكن الحركة استطاعت استيعاب الصدمة، فاختارت قائداً جديداً هو أبو جابر الشيخ، وأبو صالح طحان قائداً للجناح العسكري، وأجرت مراجعات لمنهجها، حيث أكدت في حينه أنها “بعيدة عن نهج تنظيم القاعدة”.
وفي بدايات العام 2015، حدثت نقلة فكرية كبيرة في “أحرار الشام” حين بدّلت شعارها من “مشروع أمة”، إلى “ثورة شعب”، في محاولة للابتعاد عن الفكر المتشدد والاقتراب أكثر إلى الاعتدال، لتكون ضمن المشروع الثوري الوطني الذي تمثله فصائل المعارضة السورية. وكانت الحركة قبل مقتل قادتها في عام 2014، من أهم الفصائل المقاتلة للنظام، وكان لها الدور الأبرز في إجباره على الانسحاب من العديد من المدن والبلدات السورية ولا سيما في محافظة الرقة، شرقي البلاد، وفي محافظة إدلب وريفي حماة وحلب.
المصدر: العربي الجديد