خالد الخطيب
يسود الاعتقاد في الأوساط الشعبية المعارضة شمال غربي سوريا، بأن “تحرير الشام” تؤدي الوظيفة المناطة بها بالشكل الأمثل، وهي ملاحقة التنظيمات الجهادية والتضييق عليها واعتقال وقتل أبرز قادتها. أهم هذه التنظيمات المستهدفة هو “حراس الدين” بالإضافة إلى عدد من الجماعات المستقلة والتي يشكل المقاتلون الأجانب غالبيتها العظمى، وهم في الغالب من المنشقين عن “الهيئة”.
نجحت “تحرير الشام” إلى حد بعيد في إضعاف “حراس الدين” وحشرت ما تبقى من عناصره وقياداته غير الفاعلين في جغرافيا غير متصلة في محافظة إدلب، وأحكمت قبضتها على الوضع الأمني وقللت من نشاط خلايا تنظيم الدولة، وإلى هنا يبدو أداؤها مرضياً في حال صدقت الاعتقادات بوجود تنسيق وتعاون أمني غير مباشر بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية لضرب التنظيمات المتطرفة المطلوبين، خصوصاً وأن أصابع الاتهام وجهت إليها في أكثر من مرة بأنها على اطلاع مباشر بالضربات الجوية التي تنفذها الطائرات المسيرة الأميركية في إدلب، مستهدفة قادة وشخصيات بارزة في التيار الجهادي.
الأداء الأمني ترافق أيضاَ مع تغيير كبير في نهج “تحرير الشام” الداخلي في القطاعين المدني والعسكري، ونجحت في تسويق جزء كبير من رؤيتها عن التحول إلى تنظيم جهادي محلي له مناصرين في الأوساط الشعبية، وألمحت أكثر من مرة بأنها ليست مصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية، لذلك يبدو تكرار إعلان وزارة الخارجية الأميركية حول ملاحقة زعيم “تحرير الشام” مفاجئاً، فهل انتهت المهمة المفترضة الموكلة إليها بالفعل وهل فشلت مساعيها في نيل القبول والرضا الذي تسعى لكسبه؟ هذه أهم التعليقات الشعبية المتداولة في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا على خلفية الإعلان الأميركي.
تجاهل الإعلان ودلالاته
تجاهلت “هيئة تحرير الشام” الإعلان المكرر الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية والذي رصدت فيه جائزة قيمة لمن يدلي بمعلومات عن زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، وبدا التجاهل المفترض محاولة من الهيئة للتقليل من أهمية الإعلان، ويوحي بأنها ماضية في تحولاتها البراغماتية للوصول إلى أهدافها الكبيرة، أهمها، التخلص من هاجس التصنيف كتنظيم إرهابي، والعمل على حيازة القبول الداخلي والخارجي لوجودها كحركة جهادية محلية لها حصة في إدارة سوريا ما بعد نظام الأسد.
ومن المحتمل أن يؤثر الإعلان الأميركي على مسيرة التغيير لدى “تحرير الشام”، وقد تشهد حالة من “النكوص إلى الوراء” في أدائها وسياساتها العامة، وذلك كرد فعل عملي يعبر عن موقفها.
التذكير مرة أخرى بالإعلان الأميركي يثير العديد من التساؤلات حول توقيته وإلى ماذا يهدف، وهل ينسف آمال الجولاني ويعيد هيئته إلى نقطة الصفر؟
الباحث في “مركز جسور للدراسات”، عبد الوهاب عاصي، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “بيان الخارجية الأميركية تأكيد على أن جبهة النصرة ما تزال في صميم هيئة تحرير الشام، وبالتالي استمرار التهديد على السلم والأمن العالمي وليس فقط على المحلي في سوريا، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ الولايات المتحدة ما تزال متشككة بجميع الجهود التي تبذلها تحرير الشام للخروج من اللوائح السوداء، وأنّ الخطوات التي قامت بها غير كافية، وقد يكون ذلك بمنزلة دافع لزعيمها الجولاني لاتخاذ مزيد من الإجراءات لإعادة تعريف نفسه والهيئة كتنظيم مسلّح محلي”
وأضاف عاصي، “يُمكن الاعتقاد أنّ الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية تعتمد في التصنيف ليس على زوال التهديد القائم فحسب، بل على المخاطر المحتملة التي قد يُشكّلها أي تنظيم مستقبلاً مصنّف على قوائم الإرهاب، ولجأ إلى تغيير سلوكه تكيفاً مع الظروف المحلية والدولية. لذلك قد يُنظر إلى خطوات هيئة تحرير الشام على أنّها مجرد تكيّف قسري قابل للتغيير في حال تغيرت المعطيات”.
إعلان غير جدي
بات ظهور زعيم “تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، شبه اعتيادي خلال العامين الماضيين في مختلف مناطق إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وتبدو تحركاته بالنسبة للراصد الأميركي مكشوفة، لذا يبدو إعلان الخارجية الأميركية عن جائزة لمن يدلي بمعلومات عنه، إعلانا ساذجا، أو على الأقل غير جدي، فالمهمة المفترضة التي تؤديها “تحرير الشام” لم تنته وبقاء الجولاني يضمن الاستمرار.
عضو الدائرة السياسية في “اتحاد ثوار حلب”، هشام سكيف، أكد لموقع “تلفزيون سوريا”، بأن “الإعلان الأميركي غريب جداً لا سيما أن التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة والذي قام بعمليات اغتيال لزعماء بارزين في القاعدة وشخصيات عديدة مسجلة على قوائم الإرهاب خلال السنوات الماضية؛ قادر على رصد تحركات الجولاني وقتله”.
من جهته قال عضو المكتب السياسي في “فرقة المعتصم” التابعة للجيش الوطني السوري، مصطفى سيجري، “نثمن وندعم الجهود الأميركية في الحرب على الإرهاب، ونتطلع لمزيد من التعاون البناء بهدف القضاء على الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ونعتبر استمرار تصنيف الجولاني على لوائح الإرهاب الأميركية خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها غير كافية، ولابد من اتخاذ خطوات ميدانية وأكثر عملية بالتشارك مع القوى الوطنية والمحلية”.
وأشار سيجري إلى أن “هذه الإعلانات يستفد منها الجولاني وهيئته ويستخدمها في حشد أنصاره من المعارضين للسياسات الأميركية في المنطقة.. الحرب على الإرهاب تبدأ في دعم قضايانا العادلة وسحق الأنظمة الدكتاتورية، وشعوب المنطقة غير راضية أبداً عن السياسات الأميركية تجاه سوريا، والغالبية يُحمل واشنطن المسؤولية، وهذا ما نقوله دائماً في لقاءاتنا المباشرة مع المسؤولين الأميركان”
نكوص إلى الوراء
الباحث في الجماعات الجهادية، عباس شريفة، يرى بأن إعلان الخارجية الأميركية حول ملاحقة الجولاني لن يؤثر على “تحرير الشام”، وستواصل أدائها البراغماتي عموماً بعد أن تم استهلاك أوراق المزايدات الإيديولوجية وإبعاد أغلب العناصر التي كانت تؤمن بأفكار السلفية الجهادية، والإعلان في الغالب لغايات سياسية بحتة.
وأضاف شريفة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأن “تحرير الشام قد تستثمر في الإعلان الأميركي من خلال المتاجرة الإعلامية بالإعلان، وستحاول أن تثبت لأتباعها المتشككين وخصومها والذين يتهمونها بتنفيذ أجندة تخدم سياسة التقرب من الولايات المتحدة، وسيحاولون إظهار عدم صدق المعلومات التي تتحدث عن تعاون أمني معها، وهذا يصب في صالح تعزيز أوراق تحرير الشام داخليا”.
وفي السياق، قال الناشط الصحفي، هشام محمد لموقع تلفزيون سوريا، “الإعلان لن يؤثر سلباً على سلوك وأداء تحرير الشام، وستواصل ما بدأته من سلسلة تحولات تجميلية في سياساتها الداخلية، وهي تطمح بالفعل لأن تكون التالية بعد الحزب الإسلامي التركستاني خارج التصنيف على قوائم الإرهاب، وستعمل لتحقيق ذلك”.
وأضاف محمد، أن “تحرير الشام سوف تترجم الإعلان الأميركي على أنه ضغط لتحصيل المزيد من التنازلات، والتي عليها أن تقدمها خلال الفترة القادمة، فالتحولات والتنازلات المفترضة التي قدمتها حتى الآن غير مرضية كما يبدو، وهي فعلياً ليست بالكبيرة والمهمة”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا