خليل مبروك
قدم 3 معتقلين مفرج عنهم شهادات مروعة عن التعذيب وظروف الحياة القاسية في سجون النظام السوري، وما يلقاه المعتقلون فيها من معاناة.
واستضاف اتحاد تنسيقيات الثورة السورية المعتقلين المفرج عنهم: صلاح عاشور الذي قضى في معتقلات النظام 25 عاماً، والمحررة حسنة الحريري التي يطلق عليها لقب “خنساء الثورة السورية” والناجية من حكم الإعدام ميسون لباد التي شاركت في نقل المواد الطبية للجرحى فاعتقلت وعذبت وتم الحكم عليها بالإعدام.
وروى المحررون الثلاثة في لقاء عبر موقع “زوم” (zoom) شهادات حول تفاصيل هذا التعذيب، ومن ضمنه عمليات قطع للأعضاء واغتصاب النساء وثقب بالمثاقب الكهربائية ودفن جثث ضحايا التعذيب في مقابر جماعية.
وقالت هناء درويش أمين سر اتحاد تنسيقيات الثورة إن الاتحاد دأب من قبل على تنفيذ فعاليات يوم المعتقل في ديسمبر/كانون الأول من كل عام، لكنه استبدلها بلقاءات مع الناجين عبر الإنترنت بسبب جائحة كوفيد- 19.
تعذيب وقطع أعضاء
وقال عاشور، وهو من مدينة حماة، إنه لم ير وجهه بالمرآة طيلة فترة اعتقاله التي امتدت من 1980 حتى 2004 حيث قضى أغلبها في سجن تدمر.
وأضاف أن السجانين كانوا يجرحون وجهه بالشفرة والسكين ويرددون “أغاني تشرين” مؤكداً أنه عايش رفاقا من الشبان الصغار الذين جرى اغتصابهم أو اغتصاب أمهاتهم وشقيقاتهم لإرغامهم على الاعتراف بما نسب لهم من اتهامات.
وقدم عاشور شهادة قال فيها إن سجاني النظام قطعوا العضو الذكري لأحد المعتقلين وأُذُن معتقل آخر للضغط عليهما خلال الاستجواب.
ورداً على سؤال للجزيرة نت حول دوافع السلطات الأمنية ومبرراتها لهذا التعذيب، قال عاشور إن الأمر يتعلق بما سماه “عقلية العصابة” التي تغولت على السوريين دون تفريق بين اتجاه سياسي أو انتماء مذهبي أو طائفي أو عرقي.
وأضاف “تخيل أن يمضي السجين 21 عاماً يضرب ويعذب ويحرم من لقاء الأهل ويتم تبريد حرارته في الشتاء ودفعه للانفجار حراً في الصيف، كل ذلك يجري بعد سنوات من انتهاء التحقيق والاستجواب”.
وأكد عاشور أن “عقلية العصابة” لا بد أن تقابل بالعقلية الواعية المنظمة من قوى الثورة، مشيراً إلى أن ضحايا النظام نجحوا في التعايش والتعاون داخل سجونه وتقديم منظومة حضارية راقية للعمل الموحد.
كما أشار إلى أن عذاب الأسير يشمل معاناة عائلته طوال فترة اعتقاله وانقطاع أخباره داخل السجون، موضحاً أن والديه توفيا بالجلطة وهما يستقبلان الأخبار المتناقضة عن مصيره.
اغتصاب بالجملة
من جهتها روت الحريري، وهي من بصر الحرير في ريف درعا، الكثير من الشهادات عن التعذيب الذي شهدته خلال فترتي اعتقالها الأول عام 2011 والثاني عام 2012.
وقالت المواطنة المحررة، وهي أم 4 شهداء قضوا خلال الثورة، إنها شهدت الويلات عند اعتقالها الثاني مع ابنتها والذي امتد 3 سنوات تنقلت خلاله بين عدد من السجون ومراكز الاعتقال بين درعا ودمشق.
وأفادت أنها شهدت أيام اعتقالها الأولى قيام السجانين في سجن لواء 102 بدفن جثث الشبان الذين يقضون في التعذيب تحت نوافذ غرف الحجز.
وأضافت أنها عندما نقلت إلى درعا مكثت مع 30 أسيرة بغرفة واحدة، وكان السجانون يختارون منهن كل ليلة أسيرة أو أكثر يتم اقتيادهن إلى ما يزعمون أنه الاستجواب والتحقيق، لكنهن يعدن في حالة جسدية ونفسية يرثى لها ويرفضن الحديث عما تعرضن له.
قلع عيون
وتضيف “شاهدتهم بعيني يخلعون عيون أحد المعتقلين بمفك ويثقبون رقبته وصدره بمثقب كهربائي، ثم سأل المحقق الجنود: “فطس!!” (هل مات؟) فأجابوا: نعم، فقال: كبوه بالحمّام، لكنهم قبل أن يخرجوه كتبوا على صدره بالقلم العريض “خائن للوطن”.
بعد درعا، تم نقل الحريري إلى دمشق في حافلة “بوسطة” أقلت نحو 40 معتقلاً بينهم 6 فتيات، كانت الرحلة بذاتها كما تصفها المواطنة قطعة من الجحيم، فالحافلة مكونة من قواطع من الشبك والسلاسل المعدنية، وعند الوصول إلى مقر فرع الاحتجاز في دمشق كانت الصاعقة الجديدة.
تقول الحريري “كانوا يدفعوننا بالأقدام خارج الحافلة، ويضربون جميع المساجين رغم أن أغلبهم لديهم إعاقات من التعذيب، وقد صعقت من منظر ساحة الفرع، كان مفروشا بجثث عارية لمعتقلين ومعتقلات”.
وردا على سؤال للجزيرة نت حول الأسئلة التي كانت توجه لها خلال التحقيق، قالت إن المحققين كانوا يطلبون منها الاعتراف بتلقي تعليمات من إسرائيل وبالحصول على تمويل من السعودية وقطر والكويت.
وأضافت أنها كانت في المقابل ترفض ذلك، وتخبرهم أن أهالي درعا والسوريين عموما خرجوا دفاعا عن أنفسهم بعدما أصبحت بيوتهم وأموالهم وأعراضهم نهبا للاعتداءات.
وفصل السجانون الحريري عن المعتقلات الست الأخريات، ووضعوها في زنزانة انفرادية 8 أيام قبل نقلها إلى غرفة الأسيرات التي كانت مشهداً جديداً من “جهنم” وفق ما تقول.
واستطردت “كن نحو 75 فتاة في غرفة لا تتجاوز 3/3، أشبه بمصح عقلي، والأسيرات فقدن عقولهن، وكان هناك سجان يدعى محمد عليا يعري كل فتاة تدخل السجن ويغتصبها، وكان من بين الفتيات عدد كبير من اللواتي حملن سفاحا من هذا الاغتصاب”.
تهم جاهزة.. توقيع على بياض
وتقدم الناشطة الدرعاوية ميسون اللباد شهادة أخرى عن ظروف تعذيب المعتقلين في سجون نظام الأسد، تركز فيها على توجيه التهم الجاهزة لهم وعلى توقيعهم على أوراق بيضاء مقابل وقف التعذيب.
نشطت اللباد في المجال الطبي وتقديم الإسعافات الأولية لمصابي المظاهرات في درعا حتى تم اعتقالها بعد تتبعها في إحدى زياراتها للعاصمة دمشق عام 2012 لتمضي عاما ونصف العام في المعتقل.
تم نقلها فور اعتقالها إلى الفرع رقم 215 وأودعت الزنزانة الانفرادية شهرين، كانت خلالها تتعرض للتعذيب الذي شمل الشبح والجلد والدولاب، قبل نقلها إلى درعا في خزانة السيارة “الطبون”.
تعرضت الناشطة للضرب المبرح في درعا من قبل عناصر الفرع، ثم رأت ابن عمها الذي كان معتقلاً يتعرض للتعذيب، وهو مفقود حتى هذه اللحظة، ثم أودعت غرفة مع 15 أسيرة أخرى لمدة شهر التقت فيه بأسرى من لبنان لم يكونوا يعلمون أن حافظ الأسد قد مات، وفق شهادتها.
نقلت بعد ذلك إلى سجن عدرا، وهناك التقت أسيرة أردنية من أصول فلسطينية، والتقت كذلك بإحدى الليبيات من فريق مرافقة الرئيس الراحل القذافي وكذلك بسيدة محكومة بالمؤبد اعتقلوها مع زوجها الذي قتلوه بالتحقيق ووجهوا لهما تهمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل سعد الحريري.
وتقول اللباد عن ظروف الاعتقال في عدرا “التقيت بأسيرة تعرضت للاغتصاب، وكان معنا أسيرة من الطائفة العلوية قضت بالجلطة دون أن يقدموا لها أي إسعاف، وكانت ظروف السجن من أسوأ ما يكون على صعيد الطعام والظروف الصحية والتعذيب”.
وتختم اللباد التي تدرس اليوم العلوم السياسية في الأردن بالقول “أجبروني على البصم على 20 ورقة فارغة بيضاء، ثم ملأوها بالتهم الجاهزة لديهم وقدموها للمحكمة”.
المصدر: الجزيرة. نت