لم يدر في خلد الشعب السوري الذي تنكب كرامته وخرج أواسط آذار/ مارس 2011 معلنًا أن كفى هدرًا للكرامة، ولابد من حياة تلفها الحرية التي سرقها (من أنساق الشعب السوري) ذاك المجرم الأول حافظ الأسد صبيحة 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970، وخطف معها الوطن السوري بقضه وقضيضه، وألغى السياسة من المجتمع، وعمم الفساد والإفساد، وارتبط بدور وظيفي مازال ينهل منه وريثه سيئ الذكر بشار الأسد. لم يكن الشعب السوري الذي ثار على الاستبداد بعد ما ينوف من أربعين سنة أو يزيد، يدرك أو يتوقع أن انتفاضته وثورته الشعبية السلمية سوف تواجه بكل هذا العسف والقتل والتهجير القسري داخلًا وخارجًا، وتدمر بنية الوطن التحتية، ويُسهم ويسمح ويشارك في استباحة سورية من كل شذاذ الآفاق، الذين استقدمهم الطاغية في محاولة منه لإعادة قيامة نظام العصابة الآيل للسقوط، لكن الواقع المر الذي أوصل عبره وبه بشار ونظامه السوريين آل إلى مزيد من القتل والتهجير القسري، حيث تجاوز عدد المهجرين السوريين (اللاجئين) في دول الجوار والعالم كل حد وكل تصور، فحسب إحصاءات «المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين»، وصل عدد اللاجئين السوريين، في تركيا ولبنان والعراق والأردن ومصر، إلى 5.637.050 لاجئا، بينهم 3.594.232 في تركيا (63.8 في المائة) و952.562 في لبنان و673.414 في الأردن. يضاف إلى ذلك، نحو سبعة ملايين نازح داخل الجغرافيا السورية. علاوة على مئات الألوف الأخرى الذين أصبحوا منتشرين في دول الشتات، بحيث تجاوز عديدهم وحجم مأساتهم ما جرى قبل ذلك لأهلنا وشعبنا الفلسطيني الذي شُرد، وتم توزيعه قسرًا على دول العالم قاطبة.
لم تكن مأساة اللجوء السوري واستمرار التهجير اليومي أقل مأساوية من تلك التي جرت للشعب الفلسطيني المكافح، لكن المشكلة الأدهى أن من قام بتشريد الشعب الفلسطيني هم الصهاينة ودولة الكيان الغاصب، بدعم دولي فاضح، بينما من شرد الشعب السوري وخلق منه أكبر مشكلة لجوء في العصر الحديث، هو نظام سوري يُفترض أنه من أبناء الوطن، كما يُفترض كذلك أنه جزءً من جغرافية سورية وديمغرافيتها، والحقيقة المرة تقول بأن إسرائيل (وحسب حسنين هيكل) قتلت من العرب وعبر حروبها جميعها مالا يتجاوز 56 ألف شهيد عربي، من كل الأقطار العربية التي شاركت في الحروب مع الكيان الغاصب، لكن نظام بشار الأسد لوحده قتل عبر عشر سنوات خلت ما يزيد عن مليون سوري، وشرد وهجر أكثر من نصف الشعب السوري، واعتقل اكثر من 600 ألف سوري مازالوا يقبعون في زنازين القهر والموت، ومنهم عشرات الآلاف تم تصفيتهم في المعتقلات.
مشكلة الشعب السوري اللاجئ في دول شتى، أن معظم الدول التي استقبلت في أراضيها جزءً من الشعب السوري، مازالت تمارس ضدهم الكثير من العنصرية، والمزيد من هضم الحقوق، علاوة على عدم الاعتراف بهم كلاجئين لهم حقوق معترف عليها أمميًا، كحال لبنان التي تصر على تسميتهم نازحين، وحال تركيا التي أصدرت قانونًا خاصًا بالسوريين أسمته قانون الحماية المؤقتة، لأنه وحسب اتفاقاتها الدولية الموقعة مع العالم الغربي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لا يحق لها استقبال لاجئين من الجنوب، أي العالم العربي والعالم الإسلامي، ناهيك عن معاناة أخرى للاجئين في العراق والأردن، بالإضافة إلى إغلاق كل الحدود في وجه اللاجئ السوري، والقوانين الجديدة التي يصدرها الاتحاد الأوربي، بما يخص تقييد وتضييق وعدم استقبال لاجئين سوريين جدد.
بالإضافة إلى الاتفاق الذي عقد مؤخرًا بين فرنسا وبريطانيا لمحاربة أو الحد من أي وصول لاجئين جددًا عبر بحر المانش والمراقبة بالطيران المسير.
ويبقى السؤال هل اختار اللاجئ السوري مغادرة وطنه بمحض إرادته؟ وهل وجد الشعب السوري من يعود معه إلى جذر المشكلة للحد من الهجرة والتهجير، من تلك الدول الكبرى التي تُصدر القوانين لمنع اللاجئين من العبور، حيث يدرك الجميع أن جذر المشكلة هو وجود نظام القهر والطغيان، الذي يصمت العالم أجمع عن إجرامه وعن ارتكاباته بحق الانسان السوري، وهدره على كل الصعد، وضمن كل أنواع الهدر، واستخدام كل أشكال الأسلحة التدميرية ضده، ويؤثر ذاك (العالم المتحضر) على الصمت والسكينة، ولا يتحرك جديًا لوقف المقتلة الأسدية، بعد عشر سنوات من الطغيان، تاركًا المجرم طليقًا، ومفسح المجال لآلة القتل الروسية والإيرانية، والإرهاب الإيراني الأسدي الميليشياتي باستباحة دم السوريين، والانسان السوري، وتهجيرهم إلى كل بقاع الدنيا، وتجدر الإشارة هنا إلى مسؤولية المعارضة السورية كذلك، التي باتت تتخبط أمام كل تلاوين معاناة الشعب السوري ولا تؤتي أكلًا، أمام مشكلتين كبريين، هما قضية المعتقلين المنسية والمهملة، وقضية اللاجئين السوريين الذي يعيشون الموت يومًا إثر يوم، ولحظة إثر لحظة.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين