محمد حسان
بدأت قيادات القوات الروسية في سوريا منذ مطلع كانون الثاني/يناير، العمل على رفع الجاهزية العسكرية للفيلق الخامس، القوة العسكرية التي أنشأتها روسيا مطلع تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، بالتوازي مع بداية تحقيق النظام انتصارات عسكرية حاسمة نتيجة تدخلها العسكري.
التدريبات الروسية للفيلق الخامس، تأتي ضمن مساعي رفع القدرات لكوادر الفيلق العسكرية، للبدء في مرحلة استكمال الأهداف الأساسية التي إنشىء الفيلق من أجلها، إضافة إلى مساعٍ مستقبلية تطمح لها روسيا في شمال شرق سوريا، ويحتاج تحقيقها لمتغيرات لدى الفاعلين الدوليين في تلك المنطقة.
4 تدريبات في أقل من شهر
خلال شهر كانون الثاني، خضع عناصر الفيلق الخامس لأربعة تدريبات عسكرية، تحت إشراف عسكريين وخبراء روس، في مناطق متفرقة من ريف حلب ومدينة تدمر شرق حمص وفي مطار ديرالزور العسكري.
وتركزت التدريبات على تقنيات الكشف والرادار المستخدمة في كتائب المدفعية، بغرض تعليم عناصر كتائب الاستطلاع في كتيبة المدفعية، مهارات طلب الدعم المدفعي بشكل مستقل أثناء المواجهات المباشرة.
وقال المدرب الروسي رومان جوف في تصريح لقناة “tvzvezda” الروسية، إن “التدريب يأتي لتعليم الراصدين في قسم المدفعية، مهارات تعيين الأهداف وتحديدها واستخدامها على الأرض، وإرسال الأوامر لإطلاق النار على تلك الأهداف”.
كما تلقى العسكريون تدريبات لأول مرة على استخدام الرادار الروسي “Aistenok”، وهو نظام راداري روسي متنقل، يُستخدم لكشف مصادر النيران الأرضية المختلفة والدبابات المتحركة في أرض المعركة. وشملت التدريبات العسكرية أيضاً، تدريب القوات على استخدام الصواريخ المحمولة على الكتف، وعمليات التمويه باستخدام القنابل الدخانية أثناء العمليات القتالية.
وسبق أن أجرت القوات الروسية في 24 كانون الأول/ديسمبر 2020، بمشاركة القوات السورية، محاكاة تصدي لهجوم على ميناء طرطوس الذي تستثمره، وتضمن التدريب محاولة اقتحام الميناء بسيارة مليئة بالمتفجرات، وصد هجوم بحري.
استكمال الأهداف
روسيا التي أنشأت الفيلق الخامس، المقدرة أعداده بقرابة 15 ألف مقاتل، حققت خلال السنوات الماضية مجموعة من أهداف تشكيله، أولها حماية القواعد العسكرية والاستثمارات الروسية في سوريا، والتي حصلت عليها بموجب عقود مع النظام السوري، ومن بينها قاعدة حميميم وميناء طرطوس ومناجم الفوسفات في حمص.
وفي الفترة الأخيرة بدأت روسيا مساعي استكمال أهداف تشكيل الفيلق الأساسية، وأول تلك الأهداف، تحقيق الموازنة في النفوذ مع المليشيات التابعة لإيران على الأرض، وهذه الخطوة أجّلتها روسيا لسنوات بسبب ضعف الفيلق، وحاجتها للمليشيات الإيرانية في المعارك البرية مع فصائل المعارضة.
مساعي روسيا في تحقيق موازنة القوى اتجهت في الفترة الأخيرة إلى مناطق شرق سوريا وتحديداً محافظة ديرالزور، التي تُعتبر بوابة الخط البري الإيراني إلى سوريا ولبنان عبر العراق، حيث تحاول القوات الروسية فرض السيطرة على المحافظة وتقليص النفوذ الإيراني داخلها، عبر فتح المزيد من المقرات وعمليات استقطاب الكوادر العسكرية البشرية الموالية لإيران إلى صفوفها.
التوجه الروسي إلى محافظة ديرالزور، يأتي في ظل حالة القلق التي تعيشها المليشيات الإيرانية، مستفيدة من الانشقاقات والعصيان داخل عناصرها المحلية من السوريين، والتي بدأت ترفض الالتحاق بصفوف تلك المليشيات، خاصة بعد الغارات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت مواقع إيرانية في المحافظة بتاريخ 12 كانون الثاني.
وأكدت مصادر من ديرالزور ل”المدن”، أن القوات الروسية جهزت بعض المقار العسكرية في مدينة ديرالزور، تحضيراً لنقل عناصر من الفيلق الخامس من محافظات حلب ودرعا إلى تلك المقار”. وأضاف المصدر أن “الهدف تعزيز الوجود الروسي على حساب إيران في المحافظة، وتحضيراً لعملية عسكرية تقودها روسية ضد تنظيم داعش في البادية السورية انطلاقاً من محافظة ديرالزور”.
استنساخ التجربة شرق الفرات
تجربة روسيا بالاستثمار في الفيلق الخامس، بدأت تحاول استنساخها في مناطق النفوذ الأيريكي شمال شرق سوريا، التي تديرها الإدارة الذاتية وجناحها العسكري قوات سورية الديمقراطية.
ففي 14 كانون الثاني، أجرى ضباط روس من قاعدة حميميم العسكرية، اجتماعاً في مدينة القامشلي، مع عدد من شيوخ عشائر المحافظة، من بينهم الشيخ عبد الحميد أسعد الظاهر شيخ عشيرة “بني سبعة”، بهدف تشكيل قوة عسكرية شعبية لمقاومة الوجود الأميركي في المنطقة.
وسبق اجتماع القامشلي اجتماع مماثل عقدته الشرطة الروسية في قرية جرمز، مع وجهاء عشيرة الطائيين، حيث طالب الجانب الروسي من العشائر، تجنيد مئات من الشبان لصالح “المقاومة الشعبية”، بهدف ضرب القوات الأميركية وحلفائها، أسوة بالعمليات التي يشنها الحشد الشعبي في العراق.
محاولة روسيا بناء قوة عسكرية في شمال شرق سوريا، يأتي تحسباً لأي انسحاب أميركي مفاجئ من المنطقة، من أجل سد هذا الفراغ والهيمنة على المنطقة، التي تعتبر من أغنى مناطق سوريا بالنفط والمحاصيل الزراعية.
وسبق لروسيا أن حاولت دخول مناطق شمال شرق سوريا وتحديداً في محافظة ديرالزور. المرة الأولى عندما هاجمت مناطق حقل كونيكو للغاز في نهاية 2017، لكن قوات التحالف الدولي أحبطت العملية، وكبدت الروس عشرات القتلى من مليشيا “فاغنر”. والمرة الثانية عندما بدأت الولايات المتحدة الحديث عن الانسحاب من سوريا، حيث دخلت روسيا بمفاوضات مع العشائر في ديرالزور لترتيب دخول تلك المناطق في حال انسحبت قوات التحالف منها، ضمن عمليات تسوية مشابهة للتسوية الروسية مع أهالي محافظتي درعا والقنيطرة.
المصدر: المدن