أمين العاصي
خطت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) خطوة واسعة باتجاه السيطرة بشكل كامل على الحدود السورية العراقية في منطقة شرقي نهر الفرات، من خلال السيطرة على أغلب النقاط الحدودية، التي تقع تحت سيطرة مليشيا “الصناديد” المحلية، التي تضم مسلحين من قبيلة شمّر العربية، التي تنتشر في عموم محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وأكد مصدر قيادي في قوات “الدفاع الذاتي”، التابعة إلى “قسد”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قواته انتزعت، خلال الأيام القليلة الماضية، السيطرة من “الصناديد” على عدة نقاط حدودية مع العراق، في قرى خزاعة وتميم وسليم في منطقة تل حميس الواقعة إلى الجنوب من مدينة القامشلي في محافظة الحسكة بنحو 40 كيلومتراً. وأوضح أن هذه النقاط كانت تتبع لقائد مليشيا “الصناديد” مانع الجربا، وهو من مشايخ “شمّر” التي تعد من أبرز القبائل العربية في الشمال الشرقي من سورية. وبيّن المصدر أنه بقي تحت سيطرة “الصناديد” 3 نقاط حدودية، هي همدان، وكنانة، وقضاعة، مشيراً إلى أن هذه المليشيا تستغل هذه النقاط الحدودية كطرق تهريب من وإلى العراق، وخاصة المواشي.
وبيّنت مصادر محلية، فضّلت عدم ذكر اسمها لأسباب تتعلق بسلامتها، أن “قسد” تعتمد على مقاتلين من قبيلة شمّر لانتزاع السيطرة على الحدود السورية العراقية من مسلحي “الصناديد” الذين ينتمون لنفس القبيلة. ورجحت أن تخلي المليشيا بقية النقاط الحدودية خلال الأيام القليلة المقبلة، حتى لا تلجأ “قوات سورية الديمقراطية” لاستخدام القوة، كما فعلت منذ أيام. وأشارت إلى أن رافع الحران، الذي يقود الآن قوات “حرس الحدود” التابعة لـ”قسد”، كان قائد “الصناديد، قبل أن ينشق عنها وينقل ولاءه إلى قوات سورية الديمقراطية”. وأوضحت المصادر أن الحران يحاول استقطاب أكبر عدد من شبان القبيلة للعمل في قوات “حرس الحدود” مقابل راتب شهري يصل إلى 350 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي) بينما تدفع مليشيا “الصناديد” للمجندين فيها، رواتب متدنية لا تصل إلى 30 دولاراً.
وكشفت المصادر أن الجانب الأميركي “دخل على خط هذه الأزمة”، مشيرة إلى أنه “عقد اجتماعاً في مضافة شيخ مشايخ قبيلة شمّر حميدي دهام الهادي الجربا لحل الخلافات بينه وبين قسد، والتفاهم حول مسألة الحدود مع العراق”. وكان حميدي أسس مطلع عام 2013 ما كان يسمى بـ”جيش الكرامة”، إثر سيطرة عدة فصائل على معبر اليعربيّة الحدودي مع العراق في محافظة الحسكة، وفق مصادر مطلعة، بيّنت، في حديث مع “العربي الجديد”، أن حميدي استطاع بالاشتراك مع “وحدات حماية الشعب” الكردية السيطرة على المعبر أواخر ذلك العام. وأوضحت المصادر أنه بدّل تسمية المليشيا التابعة له إلى “الصناديد” في 2015، قبل انضمامه إلى “قسد”، التي تأسست بدعم من التحالف الدولي، بقيادة أميركا، أواخر عام 2015، من تحالف العديد من الفصائل العربية والكردية والتركمانية والأشورية.
وأشار الصحافي عبد العزيز خليفة (وهو من أبناء محافظة الحسكة)، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن حميدي الجربا “ما زال يحتفظ بعلاقاته الوثيقة مع نظام الأسد والروس والإيرانيين”، مضيفاً “بنفس الوقت يحتفظ بعلاقته مع الجانب الكردي في محافظة الحسكة، حيث كان الرئيس المشترك لإقليم الجزيرة ضمن مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية”. وكان حميدي زار القاعدة الروسية في حميميم مطلع العام 2019، عقب زيارة له إلى دمشق، حيث ظهر في شريط فيديو قال فيه إن هدفه من زيارة القاعدة “إنقاذ بلدنا مما هي فيه”. وتعد محافظة الحسكة المعقل الرئيسي لقبيلة شمّر العربية، والتي لها امتداد في العراق شرقاً وفي دول الخليج. وينتشر أفراد القبيلة في منطقة اليعربية في ريف مدينة القامشلي الشرقي على امتداد الشريط الحدودي بين سورية والعراق، إضافة إلى بعض القرى في محافظة الحسكة.
وتظهر التطورات أن “قوات سورية الديمقراطية” تحاول شق صفوف قبيلة شمّر للتقليل من تأثيرها في مجرى الأحداث في الحسكة وهي المحافظة الأكثر أهمية ضمن مشروع “قسد” للسيطرة على الشمال الشرقي من سورية. ويحتفظ حميدي الجربا بعلاقة تُوصف بـ”المتميزة” مع قيادة إقليم كردستان العراق، وهو ما يثير مخاوف “قسد” من إيجاد صلة بين مليشيا “الصناديد” وقوات “البشمركة” السورية في حال أصر الجانب الأميركي على إعادتها من معسكراتها في شمال العراق إلى الشمال الشرقي من سورية. ولم تنقطع الصلة بين الجربا والنظام السوري، إذ لا يزال دائم التردد على منزله في العاصمة دمشق، وفق مصادر مقربة منه، ما يثير أيضاً مخاوف الأكراد في محافظة الحسكة في حال عودة التوتر مع النظام في المحافظة التي تضم أبرز القبائل العربية في سورية، ومنها الجبور، وطي، والعدوان، والبقارة.
غير أن الكاتب عدنان حمكو (وهو ما أبناء الشمال الشرقي من سورية)، يعبر عن اعتقاده، في حديث مع “العربي الجديد”، بأن “قسد”، التي تشكل الوحدات الكردية عمادها الرئيسي، “لا تسعى لفض الشراكة مع شمر لإدراكها بأهمية الثقل القبلي لها في منطقة شمال شرق سورية وامتدادها باتجاه العراق”. وقال إن “دور فصيل الصناديد التابع لقبيلة شمر وتأثيره يقتصر على منطقة انتشار القبيلة في أقصى الشمال الشرقي من سورية”. وأضاف “لا يمكن لأي فصيل أو جهة أخرى أن تسد هذا الفراغ في حال الانقلاب على قبيلة شمر، رغم ما يبديه شيخها (حميدي الجربا) من تودد للنظام السوري، وما يشاع عن العلاقة المستمرة واعتراضه على بعض سياسات قسد في الشمال الشرقي من البلاد أخيراً”. وبيّن حمكو أن هناك “علاقة تاريخية متميزة بين قبيلة شمر والأكراد في شمال شرق سورية”. وأوضح “أعادت قبيلة شمر هذا التحالف بعد سيطرة القوات الكردية على محافظة الحسكة، حيث كان للشيخ الجربا دور لافت في مشروع الإدارة الذاتية فيما يعرف بمقاطعة الجزيرة، فضلاً عن كون فصيل الصناديد شارك ضمن صفوف قوات سورية الديمقراطية، في معارك طرد تنظيم داعش من المنطقة”. وتابع “أي شخصية تتسلم قيادة المنطقة عسكرياً من قبيلة شمر لا يمكن لها التمرد على مشيخة القبيلة، ولا يمكن أن تأتي من دون التوافق عليها”.
المصدر: العربي الجديد