يخبرني صديقي:
أنه اشترى جرابًا صوفيًا مشغولا بيد امرأة عجوز بألف ليرة، صمت قليلاً ليسمع رأيي، وعندما قلت له مازحا، ستوفر الكثير من المازوت هذا الشتاء صمت، بدأت اسمع حشرجة خفيفة عبر الهاتف، ثم وصلني صوته مخنوقا، وبعد قليل انفجر ببكاء فاجع.
عندما هدأ بعد مناشدتي له مرارا أن يهدأ ويخبرني، حكى لي قصة الجراب الصوفي قال :
منذ فترة تحاشيت المرور بالشوارع الرئيسية في طريقي إلى عملي، أحاول ما أستطيع أن أتجنب الحسرة التي تثيرها واجهات المحال في نفسي، وأقلل من رؤية وجوه الناس المنكسرة وعيونهم الحزينة التائهة، والأيدي الممدودة تستجدي أي شيء.
اليوم، وفي زاروب فرعي كانت تقف امرأة عجوز، تسند ظهرها على حائط أحد الأبنية وتسند جسدها المحني قليلا على عكازة، عندما حاذيتها استوقفتني بصوتها الخافت المنكسر:
– ابني هل تشتري هذا الجراب؟
وأخرجت من جيبها جرابا صوفيا نظيفا، لكنه مشغول بطريقة غير متقنة، وثمة اختلاف كبير بين ألوان فردتيه، كنت أقلب الجراب بين يدي وأنا متيقن أن هذا الجراب ما هو إلا لتجنب مذلة طلب المعونة
قلت لها: – هاد شغل ايدك؟
– أي والله إلي خمسة أيام عم أشتغل فيه.
– ومن وين جبتي الصوف؟
– والله يا ابني “كرّيت” كنزة قديمة لابن بنتي.
– طيب يا خالتي لو خليتي الكنزة لابن بنتك ما كان أحسن، الدنيا جايي على شتوية.
صمتت، ثم تنهدت قائلة:
– ابن بنتي تعيش انت، كنت محتفظة بهذه الكنزة لأنو فيها ريحته
– الله يرحمه، وقديش بدك فيه؟
– اللي بيطلع من خاطرك.
– رح ادفع لك فيه ألف ليرة، والله يا خالتي ما بقدر أدفع أكتر.
– يكتر خيرك يا ابني.
أخرجت ألف ليرة من محفظتي، ثم وضعتها فوق الجراب
وقلت لها:
– اشتريت الجراب بس يا خالتي رح خليه عندك أمانة.
رفضت، حاولت كثيرا أن أقنعها بإبقاء الجراب لديها لكنها رفضت، عندما ودعتها
قالت لي:( – أمانة يا ابني لا تكبو.)
طوال الطريق الى البيت كنت اقلب الجراب بين يدي وأبكي…!!!
المصدر: صفحة شحادة غياض