تعقد اليوم الثلاثاء جولة جديدة من مسار أستانة في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، بمشاركة الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار، تركيا، وإيران، وروسيا، ودول الجوار السوري بصفة مراقبين، في ظل تلاشي الآمال بقرب التوصل إلى اتفاق يمكن أن يضع البلاد على سكّة الحل السياسي.
ووصل وفد المعارضة السورية، الذي يرأسه أحمد طعمة، إلى مدينة سوتشي، صباح أمس الإثنين، للمشاركة في الجولة الجديدة. وأوضح طعمة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن وفد المعارضة يسعى إلى “إنقاذ اللجنة الدستورية التي يريد النظام القضاء عليها”. وأشار إلى أن جدول أعمال الجولة يتضمن “موضوع تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بمنطقة شرقي نهر الفرات، والقضايا الإنسانية، وإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من أكثر من معبر”. وأكد أن وفد المعارضة يعمل على إحداث انفراج في العديد من الملفات، مستدركاً بالقول: لكن الأمور صعبة. وأشار إلى أن وفد المعارضة السورية سيلتقي على هامش أعمال الجولة مع الجانب الروسي، ومع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن.
وكانت عقدت الجولة 14 في ديسمبر/كانون الأول 2019، غير أن اجتماعاً عُقد عبر دائرة تلفزيونية، في إبريل/نيسان الماضي، بسبب تفشي وباء كورونا، اقتصر على وزراء خارجية الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار، التركي مولود جاووش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف، والروسي سيرغي لافروف. وسبقت هذه الجولة تحركات دبلوماسية إيرانية وروسية، حيث زار كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية علي أصغر خاجي العاصمة السورية دمشق قبل أيام، والتقى رئيس النظام بشار الأسد، قبل أن يجري نفس المسؤول لقاءات مع مسؤولين روس في موسكو في إطار تنسيق المواقف قبل بدء الجولة.
وذكرت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام، أن الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، التقى سفير النظام في موسكو رياض حداد مرتين خلال الأسبوع الماضي. وأمام الجولة الجديدة مجموعة من الملفات العالقة من الجولات السابقة، وخاصة موضوع المعتقلين، الذي لم يشهد أي تحريك، طيلة 14 جولة من هذا المسار، الذي كان بدأ في 23 يناير/كانون الثاني 2017 في العاصمة الكازاخية، من “أجل تخفيف التوتر في سورية، ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، والبحث في قضايا إنسانية، منها المناطق المحاصرة، وملف المعتقلين”.
وفي كل الجولات التي عقدت، كان وفد المعارضة السورية يطرح موضوع المعتقلين في سجون النظام السوري، الذي لم يكترث بهذا الملف خشية مواجهة دعاوى في محكمة العدل الدولية. ومن المرجح أن يحضر ملف اللجنة الدستورية بقوة خلال المباحثات، بعد خمس جولات فاشلة من أعمال هذه اللجنة في مدينة جنيف، حيث من الواضح أن كتابة دستور جديد للبلاد ليست من أولويات النظام، الذي شرع عملياً بالإعداد لانتخابات رئاسية منتصف العام الحالي، وفق دستور عام 2012، لضمان بقاء بشار الأسد في السلطة لدورة جديدة مدتها 7 سنوات.
وشهدت الفترة ما بين الجولتين 14 و15 الكثير من التطورات العسكرية والسياسية، والتي ربما أفقدت هذا المسار أي قيمة، وخاصة لجهة الدفع باتجاه حل سياسي، في ظل مساعٍ روسية إيرانية لتمييع القضية السورية وعرقلة المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، بناء على قرارات الشرعية الدولية. وكانت قوات النظام تقدمت أواخر العام 2019، وفي الربع الأول من 2020، تحت غطاء ناري روسي في الشمال الغربي من سورية، في تجاوز سافر لتفاهمات مسار أستانة، الذي كان حدد نطاق منطقة خفض التصعيد الرابعة في محافظة إدلب ومحيطها، إلا أن قوات النظام وروسيا لم يلتزما بما اُتفق عليه. بل إن قوات النظام ذهبت إلى حد استهداف الجنود الأتراك ونقاط المراقبة، وهو ما استدعى رداً تركياً، تجلى بقصف جوي ومدفعي كبّد قوات النظام خسائر، ما دفع أنقرة وموسكو إلى نزع فتيل صراع على نطاق أوسع من خلال اتفاق عقد في العاصمة الروسية في مارس/ آذار الماضي، والذي لا يزال ساري المفعول حتى اللحظة. ومنذ فبراير/شباط 2020 أدخل الجيش التركي آلاف الجنود إلى محافظة إدلب، حيث أقام عشرات نقاط التمركز وأكثر من قاعدة عسكرية، في مؤشر واضح على أن أنقرة لن تسمح لقوات النظام بالتقدم أكثر. وخلال الشهر الماضي، استكمل الجيش التركي إنشاء نقاط تمركز ومراقبة على طول خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، في محيط المنطقة حيث تقع سيطرة هذه الفصائل في محافظة إدلب.
ورأى الباحث السياسي السوري عرابي عبد الحي عرابي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مباحثات أستانة “باتت تقريباً محصورة بين الجانبين التركي والروسي”، مضيفاً أن “حصة إيران من سورية هي في محافظة دير الزور في أقصى الشرق وفي الجنوب، وخاصة العاصمة دمشق، ويمكن القول إن الإيرانيين أخذوا ما يريدون”. وتوقع عرابي أن يتضمن البيان الختامي نفس الكليشيهات حول اللجنة الدستورية ووحدة سورية، مضيفاً: لكن الأهم هو الموقف من مسألة وقف إطلاق النار في الشمال الغربي، فإذا تضمن البيان تجديد اتفاق الهدنة، فإن هذا يعني أن محافظة إدلب ستبقى خاضعة للمساومات والتصعيد. أما إذا نص البيان على وقف دائم لإطلاق النار، فهذا يعني أن الشمال الغربي من سورية يتجه نحو الاستقرار ونهاية العمليات العسكرية.
وبعد خسارتها مساحات واسعة من أرياف حماة وإدلب وحلب، باتت الخيارات العسكرية والسياسية أمام المعارضة السورية محدودة، إذ إن اتفاق موسكو أغفل تماماً مأساة أكثر من مليون نازح، باتت عودتهم إلى مدنهم وبلداتهم، وخاصة معرة النعمان، وسراقب، وخان شيخون، وكفرنبل، شبه مستحيلة، في ظل وجود قوات النظام والمليشيات الإيرانية. ومن المرجح أن يدفع الجانبان التركي والروسي باتجاه تثبيت اتفاق موسكو، في ظل محاولات لاستعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط غربي البلاد بشمالها ويقطع محافظة إدلب.
وتلتئم الجولة الجديدة في ذروة فشل أممي في أعمال اللجنة الدستورية في مدينة جنيف، سببه تعنت النظام السوري، المستند إلى دعم روسي إيراني هدفه عرقلة المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة القرار 2254. وإذا كان الجانب الروسي قد هدف من إيجاد مباحثات أستانة إلى فصل المسارين العسكري والسياسي في القضية السورية لفتح الباب أمام استعادة قوات النظام السيطرة على الأرض، فإن موسكو تحاول الآن حصر الحل في مباحثات أستانة، وهو ما يفسر عدم الضغط على النظام لتسهيل مهمة الأمم المتحدة في كتابة دستور جديد للبلاد.
المصدر: العربي الجديد