أحمد السهيل
بيان الفصائل المسلحة يهدف إلى لفت انتباه واشنطن وتحسين شروط التفاوض مع طهران. تستمر ملامح التوتر بالتزايد على الساحة العراقية، خاصة بعد القصف الأميركي لمواقع تابعة لـ”كتائب حزب الله”، شرق سوريا، كأول رد فعل من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على القصف الذي تعرضت له قاعدة أميركية في مطار أربيل، والذي يعد التصعيد الأول الذي تديره الإدارة الجديدة على الأذرع الإيرانية في المنطقة.
الرد الأميركي أتى مفاجئاً للأذرع الإيرانية، التي كانت تعول على أن تعيد إدارة بايدن صياغة التفاهمات مع طهران في شأن الملف النووي الإيراني.
زيادة في إرباك الوضع العراقي
ويبدو أن التصعيد الأخير سيزيد من إرباك الوضع الداخلي في العراق، بعد إعلان ما يطلق عليها “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية” بأن القصف الأميركي الأخير موقع تابعة للفصائل المسلحة الموالية لإيران شرق سوريا على الشريط الحدودي مع العراق، بأنه “سيكون الأكثر تكلفة، وسيطيح كل التفاهمات التي تم القبول بها مع بعض الأطراف السياسية، وتشطب بنحو نهائي وقاطع على كل قواعد الاشتباك التي فرضتها التفاهمات السياسية، بعد أن أثبتت عقمها وعدم جدواها”، فيما توعدت برد “مناسب”.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، في 25-2-2021، شنها هجمات على فصائل موالية لإيران في منطقة البوكمال السورية على حدود العراق.
وقال “البنتاغون” في بيان، إن القصف أدى إلى تدمير “بنى تحتية عديدة تقع في نقطة حدودية تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران، وخصوصاً كتائب حزب الله”، مشيراً إلى أن “الضربات سمح بها رداً على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأميركي وقوات التحالف في العراق والتهديدات المستمرة ضد هؤلاء”.
وعد مراقبون الرد الأميركي رسالة صريحة من صانعي القرار في واشنطن بعدم التهاون مع أي تصعيد للفصائل الموالية لإيران.
إنهاء للهدنة
في المقابل، أوضح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال زيارته إلى طهران أن حكومته “لن تسمح باستغلال الهجمات التي تقع في العراق لتعطيل العلاقات مع إيران”، معلناً تلقيه “مواقف الرفض والإدانة من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في إيران تجاه الضربات التي استهدفت مواقع في بغداد وأربيل وقاعدة بلد الجوية”.
في سياق متصل، لا يبدو الموقف الإيراني مغايراً لما سبق من تصريحات تعبر عن نفيها العلاقة بين طهران والهجمات التي تشن على المصالح الأميركية في البلاد، حيث قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، إن “الهجمات الأخيرة في العراق تهدف إلى عرقلة العلاقات بين طهران وبغداد”.
ولعل ما يعزز الرأي الذي يقول إن زيارة وزير الخارجية العراقي لم تنجح في التوصل إلى تسوية مع طهران، هو البيان المنسوب لـ”الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية”، الذي أشار إلى أن “استهداف نقاط الحشد الشعبي سيكون الأكثر تكلفة”، ما فهم في أوساط المراقبين بأنه يمثل إنهاءً للهدنة بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران وواشنطن.
ويعتقد أن تلك الهيئة تضم الميليشيات الرئيسة الموالية لإيران في العراق، وعلى الرغم من إعلان الهيئة الهدنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، فإن الهجمات تواصلت ضد المصالح الأميركية في البلاد.
وتابع بيان الهيئة، أن “الفرصة أصبحت ضيقة جداً على الحكومة العراقية لتبين موقفها بوضوح من الانتهاك المتكرر لسيادة العراق”، محذرة من أن “الاستمرار بالنهج التجاهلي التغافلي سيجر الجميع إلى ما لا يحمد عقباه”.
وفي مقابلة متلفزة، قال المتحدث باسم المكتب السياسي لـ”عصائب أهل الحق”، محمود الربيعي، إن “البيان كان واضحاً، وجاء كرد فعل طبيعي على العدوان الأميركي المتكرر على مقاتلينا الرابضين على الحدود العراقية السورية للدفاع عن البلاد وصد زمر (داعش)”.
وأضاف “سكتنا طويلاً، والأيام القادمة ستشهد رداً على أي اعتداء ممكن أن يجري على الأرض العراقية، أو يستهدف فصائلنا في أي مكان”.
تصعيد مستمر وتهيئة لأدوات الصدام
ولعل تلك المتغيرات ستنعكس بشكل مباشر على الوضع الداخلي المربك أساساً في العراق، حيث يقول الباحث في الشأن الأمني أحمد الشريفي، إن “بيان الفصائل المسلحة والذي يتضمن إنهاء الهدنة مع القوات الأميركية يعني إدراك إيران وحلفائها بأن إدارة بايدن لن تحدث فرقاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ما يعني إدراكهم أن الصدام قادم لا محالة”.
ويضيف أن “الضربة العسكرية الأخيرة على الحدود السورية تعطي انطباعاً واضحاً بأن مسار التصعيد مع الأذرع الإيراني مستمر على الرغم من تغيير الإدارة”.
ويشير الشريفي إلى أن “النشاط الأميركي في العراق يلوح ضمناً بتهيئة أدوات الصدام حتى على مستوى الداخل العراقي”، معبراً عن اعتقاده أن “سلسلة مواجهات طولية ستبدأ مع إدارة بايدن”.
ويبدو أن صانعي القرار في واشنطن وطهران باتوا مدركين عدم إمكانية إعادة إحياء مفاوضات (5+1)، بحسب الشريفي، الذي يلفت أن هذا الأمر “انعكس على مسار التصعيد بين الطرفين”.
ويعتقد الشريفي أن “أي تصعيد على الساحة العراقية سيزيد من احتمالية حدوث الانقسام في المؤسسات الأمنية والعسكرية، ويؤدي إلى خسارة العراق عنصر الضبط الميداني”.
وفي شأن زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى طهران، يبين أن “ملامح الفشل تبدو واضحة على تلك الزيارة التي لم تقنع طهران بتبني خيارات التهدئة، خصوصاً بالنظر إلى تزامنها مع إعلان تنسيقية الفصائل المسلحة إنهاء الهدنة”، مردفاً أن “فشل السياسة الخارجية للعراق هو الذي يضع البلاد في المأزق الحالي”.
ويختم أنه “ربما يمثل عدم التوصل إلى تسوية بما يتعلق بالأموال الإيرانية المجمدة في العراق دافعاً آخر للتصعيد، خصوصاً مع ذهاب مدير المصرف العراقي للتجارة مع وزير الخارجية في الزيارة إلى طهران”، مشيراً إلى أن “المرحلة القادمة تكاد ترتقي إلى مرحلة استحضار المعركة”.
مناورة إيرانية جديدة
في المقابل، يعتقد الكاتب والصحافي محمد حبيب، أن “بيان الهيئة التنسيقية لم يشر بشكل صريح إلى إنهاء الهدنة مع واشنطن، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن هذا الوعيد يمثل مناورة إيرانية أخرى ضمن محاولاتها العودة للاتفاق النووي”.
ويشير إلى أن “طهران باتت تعتقد أن تلك الميليشيات تمثل ورقة الضغط الأخيرة، ولا يمكنها المجازفة في زجها بحرب صريحة مع واشنطن لذلك كانت حريصة على عدم تضمين عبارة إنهاء الهدنة في بيانها”.
ويلفت حبيب أن “بيان الهيئة التنسيقية الأخير سيحسم الجدل في شأن الجهات المسؤولة عن قصف المصالح الأميركية في العراق، ولن توجه أصابع الاتهام مرة أخرى إلى فصائل الظل أو العناوين المظللة التي تستخدمها الفصائل الرئيسة”، مبيناً أن الغاية الرئيسة تتلخص في محاولة طهران “تغيير شروط واشنطن فيما يتعلق بمساعي العودة للاتفاق النووي”.
ضغط لتحسين شروط التفاوض
وفي مقابل الحديث عن إمكانية أن يكون تصعيد خطاب الفصائل المسلحة الموالية لإيران من خلال “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية” مقوضاً لأي اتفاقات مستقبلية بين واشنطن وطهران، يرى مراقبون أنه يمثل محاولة إيرانية للضغط على الإدارة الأميركية لـ”تحسين شروط التفاوض فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني”.
وتتحدث التسريبات عن أن ملف الأذرع المسلحة الموالية لإيران واستمرار قصف المصالح الأميركية في العراق كانت على رأس جدول أعمال وزير الخارجية العراقي خلال زيارته إلى طهران، لكن بيان “الهيئة التنسيقية” يعطي انطباعاً بأن مساعي العراق لم تنجح.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إن “تصورات إيران بأنها انتصرت بمجيء بايدن أعطى صورة موهومة لحلفائها في العراق، الأمر الذي دفعهم إلى إثارة التصعيد مرة أخرى”.
ويعتقد الشمري أن “استمرار السياسية الأميركية بعدم التنازل ورفع العقوبات، وإضافة اشتراطات جديدة على التفاوض هو الذي دفع طهران لإعطاء ضوء أخضر لبعض حلفائها فيما يرتبط باستهداف أربيل والسفارة الأميركية”، مبيناً أن غاية تلك الاستهدافات “لفت الانتباه لتحسين شروط التفاوض”.
ويلفت أن “طهران كانت تعتقد أن بايدن أكثر دبلوماسية، وبالإمكان أن يسهم الضغط في إرغامه على تقديم التنازلات، فإن تلك الحسابات كانت خاطئة، خصوصاً بعد الرد الأميركي الأخير”، مردفاً أن “إيران تبدو متفاجئة من سرعة رد واشنطن”.
ويشير رئيس مركز التفكير السياسي إلى أن ما حصل من هجمات في الفترة الأخيرة يعد “صواريخ ضغط على الإدارة الأميركية، لأن طهران مستمرة في محاولة العودة إلى الاتفاق النووي”.
وفي شأن زيارة وزير الخارجية العراقي إلى طهران، يبين الشمري أنه “كان يود نقل رسالة إلى صانعي القرار في إيران مفادها أن “عليهم ألا ينجرفوا أكثر في الخيارات العسكرية أو تحريك أدواتهم في العراق، وربما يكون قد نقل تلك الرؤية من خلال المكالمة الهاتفية بين بايدن والكاظمي”.
ويرى أن تصعيد “الهيئة التنسيقية قد يؤثر على الوضع العراقي الداخلي إلى حد ما، لكن هذا التصعيد لا يصب في صالح طهران في المرحلة الحالية”، مبيناً أن “أي استهداف للمصالح الأميركية في العراق، سيقود إلى الرد على إيران نفسها، خصوصاً أن واشنطن باتت تحمل إيران بشكل مباشر أي استهدافات من هذا النوع”.
المصدر: اندبندنت عربية