إسماعيل جمال
منذ أشهر، لم تتوقف الاشتباكات في محيط منطقة عين عيسى شرق نهر الفرات بين فصائل المعارضة السورية والجيش التركي من جانب والوحدات الكردية من جانب آخر، لكن هذه الاشتباكات تصاعدت بشكل كبير في الأيام الأخيرة في ظل تعقيدات عسكرية وسياسية فتحت الباب مجدداً أمام التكهنات حول ما إن كان ذلك يؤشر إلى احتمال تنفيذ تركيا عملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا.
وعلى مدار الأشهر الماضية، تجري بشكل شبه يومي مناوشات واشتباكات ومحاولات تسلل واقتحام إلى جانب ضربات مدفعية وصاروخية ومحاولات للتقدم البري بين الجانبين في محيط منطقة عملية “نبع السلام” وبشكل خاص في محور منطقة عين عيسى التابعة لمحافظة الرقة والتي تتمتع بأهمية استراتيجية للجانبين.
لكن هذه الاشتباكات اشتدت بشكل كبير خلال اليومين الأخيرين، فإلى جانب الاشتباكات والضربات المدفعية المكثفة ومحاولات التقدم البري من الجانبين، تحدثت مصادر سورية عن قصف جوي استهدف المنطقة لأول مرة منذ انتهاء عملية “نبع السلام” العسكرية التركية قبل نحو عام ونصف.
مصادر محلية والمرصد السوري لحقوق الإنسان قالوا إن الطيران الحربي التركي نفذ غارة جوية ضد الوحدات الكردية في عين عيسى لأول مرة منذ عام ونصف، إلا أن مصادر تركية نفت أن تكون طائرات تابعة للجيش التركي نفذت أي عمليات في سوريا، حيث اعتادت وزارة الدفاع أن تعلن عن عملياتها العسكرية عبر بيانات رسمية، وهو ما لم يحدث هذه المرة.
في المقابل، تحدثت مصادر محلية سورية عن أن طائرات مسيرة روسية كانت تحلق في سماء عين عيسى طوال الأيام الماضية، ورجحت هذه المصادر -غير الرسمية- ومصادر أخرى من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا أن تكون الغارة نفذتها طائرات روسية وهدفت إلى إرسال رسالة تحذير لفصائل المعارضة (الجيش الوطني) لوقف تقدمه.
وربطت المصادر بين احتمال أن تكون الغارة نفذتها طائرات روسية، وبين الأنباء التي انتشرت قبل أيام عن أن الضباط الروس قدموا تعهدات لقادة قوات سوريا الديمقراطية بصد أي محاولات لتقدم الفصائل المدعومة من تركيا على محور عين عيسى، وذلك في إطار المفاوضات المتواصلة منذ أسابيع بين روسيا وقسد حول مستقبل ومصير المنطقة.
وتقول تركيا إن الوحدات الكردية تتخذ من عين عيسى منطلقاً لتنفيذ الهجمات التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة ضد تل أبيض ورأس العين، حيث تشهد هذه المناطق بشكل شبه يومي تفجيرات مختلفة تستهدف عادة أسواقا وأماكن مدنية تقول أنقرة إنها “تهدف فقط لإظهار انعدام الأمن في تلك المناطق ولو على حساب قتل المدنيين”، حيث قتل وأصيب في هذه التفجيرات مئات.
ويقول الجيش التركي إنه يواصل العمل للقضاء على مصدر “التهديدات الإرهابية”. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الدفاع التركية، صباح الأحد، أنها حيدت 8 مسلحين من الوحدات الكردية، قبل أن تعلن ظهراً ارتفاع العدد إلى 20 بإعلانها تحييد 12 آخرين، وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت تحييد 14 مسلحاً، تقول إنهم كانوا يحاولون التسلل إلى منطقة “نبع السلام” لتنفيذ هجمات ضد قواتها والمدنيين في المنطقة.
ويأتي هذا التصعيد، بالتزامن مع حراك سياسي كبير بين الوحدات الكردية من جانب وروسيا والنظام السوري من جانب آخر حيث استغلت روسيا الضغط العسكري التركي لمطالبة الوحدات الكردية بتسليم المنطقة للنظام السوري لضمان عدم السيطرة عليها من قبل الجيش التركي، وهو الطرح الذي ما زالت ترفضه الوحدات الكردية.
ومؤخراً، قبلت الوحدات الكردية بإنشاء نقاط عسكرية للجيش الروسي في المنطقة، وهو ما يؤشر إلى أن روسيا معنية بانتشارها في المنطقة تمهيداً لجلب النظام السوري وهي تغض الطرف عن الضغط العسكري التركي لزيادة الضغط على الوحدات الكردية وهو أمر لا تعارضه تركيا كثيراً وذلك بعدما تغيرت الأولويات التركية في الملف السوري وباتت الأولوية طرد الوحدات الكردية وإضعافها لا إسقاط نظام الأسد.
لكن مؤشرات أخرى تشير إلى وجود خلافات تركية روسية، ويثير التزامن بين التصعيد التركي في عين عيسى والروسي على إدلب حيث قصفت روسيا والنظام عدة مناطق في إدلب بكثافة هي الأعنف منذ أشهر إلى احتمال أن موسكو ترد على تصعيد أنقرة شرق الفرات بالتلويح بملف إدلب وغرب الفرات بشكل عام.
وتشير كافة التطورات في الأسابيع الماضية إلى أن ما يجري لا يوحي بأنه تمهيد لعملية عسكرية تركية واسعة في المنطقة، حيث اتسمت كافة العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي في السنوات الماضية بظروف مختلفة عن ذلك، وكان يسبقها أشهر من التهديدات والتحشيد العسكري والمناورة السياسية، لكن هذه الأجواء لم تتكرر بعد في الأسابيع الأخيرة حيث لا يلحظ أي تحركات عسكرية غير اعتيادية أو تحشيد يوحي بالتحضير لعملية عسكرية واسعة.
هذه المؤشرات ترجح أن ما يجري هو مجرد محاولة من الجيش التركي للسيطرة على منطقة محدودة تتمثل في عين عيسى الصغيرة وذات الأهمية الاستراتيجية أو مجرد ضغط على الوحدات الكردية لدفعها لتسليم المنطقة للقوات الروسية والانسحاب منها، مع عدم وجود أي مؤشرات على التحضير لعملية عسكرية واسعة على غرار “نبع السلام” أو “غصن الزيتون”.
كما أن أي عملية عسكرية واسعة في شرق الفرات تحتاج إلى تنسيق ومفاوضات طويلة مع روسيا كما جرى في العمليات السابقة، حيث أن أي عملية واسعة بحاجة لغطاء جوي وهو ما يتطلب الحصول على ضوء أخضر روسي أو توافق لمنع الصدام الذي لا ترغب أنقرة دخول موسكو فيه في الوقت الحالي.
إلى جانب آخر، فمن شأن أي عملية عسكرية واسعة شرق الفرات أن تدفع باتجاه مواجهة سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الوحدات الكردية، وفي ظل رغبة أنقرة بعدم الدخول مبكراً في صدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة فإنها سوف تتجنب عملية كبيرة في الأشهر الأولى من إدارة بايدن للبيت الأبيض في ظل مساع حثيثة لبناء أرضية للحوار بين أردوغان وساكن البيت الأبيض الجديد.
المصدر:” القدس العربي”