ضياء عودة
منذ أسبوعين مضيا كان لافتا أن الضربات الجوية والصاروخية الروسية تستهدف وبشكل مركز أسواق المحروقات في مناطق سيطرة فصائل المعارضة
بات من المعتاد لدى سكان الشمال السوري أن يشهدوا عقب كل تصعيد من جانب روسيا اتفاقا ما، تضعه الأخيرة أمام تركيا كشرط لإيقاف قصفها الجوي والمدفعي والصاروخي.
وفي الأيام الماضية وبعد سلسلة هجمات صاروخية وجوية استهدفت مناطق حيوية في كل من إدلب وريف حلب، أعلنت روسيا اتفاقا لفتح ثلاثة معابر داخلية مع مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، الأربعاء، إنها توصلت لهذا الاتفاق، مضيفة، على لسان مدير مركز “حميميم”، ألكسندر كاربوف، أن هذه الخطوة تأتي “بهدف رفع حالة العزل، وعمليا إزالة الحصار الداخلي للمدنيين”.
المعابر هي سراقب وميزناز الواقعان إلى الشرق من مدينة إدلب، إضافة إلى معبر أبو الزندين في ريف حلب الغربي.
وفي الوقت الذي تناولت فيه وسائل الإعلام الروسية حديث وزارة الدفاع، لم يصدر أي بيان رسمي من الجانب التركي، واقتصر التعليق على تأكيد مصادر أمنية تركية أن أنقرة لم تقبل حتى الآن بهذا الطرح، والذي يبدو أنه “فكرة غير جيدة”.
“سبب اقتصادي بحت”
منذ أسبوعين مضيا كان لافتا أن الضربات الجوية والصاروخية الروسية تستهدف بشكل مركز أسواق المحروقات في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، أولا في ريف حلب الشمالي ضمن مناطق “درع الفرات”، ومؤخرا بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي.
وطال القصف أيضا مخازن ومستودعات تعود لمنظمة “شفق الإنسانية”، في تصعيد، رغم أنه ليس الأول، إلا أن الأهداف التي طالها طرحت عدة تساؤلات عما تريده موسكو من ذلك في الوقت الحالي.
حاليا لا توجد أية معابر داخلية مفتوحة بين مناطق سيطرة النظام السوري وفصائل المعارضة، لكن ذلك كان متاحا في السابق، وخاصة في الأيام التي سبقت العملية العسكرية الكبرى والأخيرة، مطلع عام 2020.
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري يقول إن “موسكو تحاول تحسين وضع النظام السوري اقتصاديا، كونه متهالك ولا توجد لديه إمكانية إدخال العملة الصعبة والمواد الضرورية من لبنان، لذلك اتجهت إلى الشمال السوري”.
ويضيف المصري في تصريحات لموقع “الحرة” أن المحاولة الروسية ترتبط بشكل أساسي بالانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في يونيو المقبل، ويتابع: “موسكو تحاول إنعاش الأسد من رئة الشمال السوري”.
وبوجهة نظر وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، “فمن الضروري ألا تفتح هذه المعابر الداخلية، على الرغم من وجود معابر تستخدم لطرق التهريب تارة، ولتهريب بعض المواد الأساسية لمناطق النظام تارة أخرى”.
واعتبر المصري أن “روسيا تطمح لتخفيف الأزمات الاقتصادية في مناطق النظام، لذلك تحاول فتح هذه المعابر، التي من شأنها أن تمرر عملة صعبة ومواد أولية وغيرها”.
وتعيش مناطق نظام الأسد بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا في ظل أزمة اقتصادية، كانت قد اشتدت في الأشهر الماضية، ووصلت إلى حد تدهور الليرة السورية إلى مستويات قياسية في سوق العملات الأجنبية.
ويرى خبراء واقتصاديون أن السبب الأبرز لتدهور الليرة السورية هو فقدان العملة الصعبة من خزينة “المصرف المركزي السوري”، الأمر الذي يدفع حكومة الأسد حاليا للبحث عن قنوات من شأنها أن تخفف أزماته المتلاحقة.
“منفعة سياسية أيضا”
هناك مستفيد وحيد من الاتفاق الذي أعلنت عنه روسيا بشأن فتح المعابر الداخلية، ويراه رئيس المكتب السياسي في الهيئة السياسية في محافظة إدلب، أحمد بكرو متمثلا فقط بحكومة نظام الأسد.
يقول بكرو وهو ناشط سياسي في تصريحات لموقع “الحرة”: “روسيا تحاول أن تكرس أمرا واقعا في الفترة الحالية بالنسبة لمناطق السيطرة في الشمال السوري”.
ويتابع: “تحاول إدخال مناطق سيطرة فصائل المعارضة ضمن منطقة الحظر والحصار الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة الأميركية”.
وإلى جانب المنفعة الاقتصادية يشير بكرو إلى “منفعة سياسية” قد تعود بالفائدة على نظام الأسد.
ويوضح الناشط السياسي: “فتح المعابر سيعطي دعما لنظام الأسد في مناطق سيطرته سياسيا، وخاصة أنه مقبل على دورة انتخابية. سوف تتحول تلك المعابر إلى قارب نجاة من حالة الغليان الشعبي أيضا”.
“قطع طرق الشرق”
على الطرف المقابل، وبعد ساعات من الإعلان الروسي عن الاتفاق عرضت وسائل الإعلام الرسمية تسجيلات مصورة أظهرت إجراءات الاستعداد لفتح المعابر الثلاثة المذكورة سابقا.
وقالت وسائل إعلام، بينها “الإخبارية السورية”، إن هذه الخطوة من شأنها أن تدفع المدنيين في مناطق من وصفتهم بـ”المجموعات المسلحة” إلى مدنهم وقراهم الأصلية.
من جانبها أبدت سلطات مناطق شمال وشرق سوريا من تخوفها، وألمحت عبر تصريحات لـمسؤولين في “مجلس سوريا الديمقراطية”، الجمعة، إلى أن موسكو تحاول نقل الحركة التجارية من الشرق إلى الشمال السوري.
وبالتزامن مع ذلك قالت مصادر إعلامية من شرق سوريا في تصريحات لموقع “الحرة” إن قوات نظام الأسد أغلقت كامل معابرها الداخلية الواصلة مع مناطق “الإدارة الذاتية” (الكردية)، دون وضوح الأسباب التي استدعت إلى ذلك.
وتضيف المصادر: “الإغلاق بدأ منذ ثلاثة أيام. المعابر لم يمر من خلالها أي مدني أو حتى أي شحنة للوقود الخام”.
“تخوف على مصير باب الهوى”
مع غياب أي تعليق رسمي تركي بشأن الاتفاق الذي أعلنت روسيا التوصل إليه، يسود تخوف بين أهالي الشمال السوري من تنفيذ هذه الخطوة، كونها “ستنعكس بالسلب على اقتصاد المنطقة من جهة، وقد تنعش نظام الأسد وتعيد شرعنته من جهة أخرى”.
المخاوف ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، وحسب ما تقول مصادر محلية من إدلب لموقع “الحرة”: “هناك تخوف من ضغوط قد تمارسها موسكو على أنقرة لفتح المعابر أو الضغط لاحقا حول ملف معبر باب الهوى، والذي يعتبر الممر الوحيد لدخول المساعدات الأممية إلى المنطقة”.
وبعد ثلاثة أشهر من الآن من المقرر أن يصوت مجلس الأمن الدولي على قرار يسمح بتمديد إدخال المساعدات إلى سوريا، في محطة كانت قد اصطدمت في السنوات الماضية بفيتو مزدوج روسي- صيني.
وكانت آخر العراقيل الروسية حول هذا الملف، في يوليو 2020، وحينها أصرت روسيا في مجلس الأمن على رفضها تمرير المساعدات من خلال ثلاثة معابر كان “باب السلامة” أحدها، لتقبل مؤخرا بفتح معبر باب الهوى فقط لعام واحد.
المصدر: الحرة. نت