منهل باريش
عاد الجدل حول فتح المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة النظام وسيطرة المعارضة إلى الواجهة، بعد شهر على إعلان مركز المصالحة في حميميم افتتاح معبر الترنبة-سراقب. حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية عبر المركز الروسي لمصالحة الأطراف المتحاربة في سوريا، وقال نائب مدير المركز، اللواء ألكسندر كاربوف، الثلاثاء، في بيان له: «فيما يتعلق بالوضع الإنساني الصعب في المناطق السورية التي تسيطر عليها القوات المسلحة التركية، أرسل المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة مقترحا إلى الجانب التركي لاستئناف عمل نقطتي تفتيش سراقب وميزناز في إدلب وحاجز أبو الزندين في محافظة حلب». مضيفاً أن المقترح تضمن «تنظيم دخول البضائع الإنسانية وخروج اللاجئين اعتبارًا من 25 آذار (مارس)». واتهمت وسائل إعلام النظام وروسيا فصائل المعارضة بمنع المدنيين من الوصول إلى المعابر. وتزامنت تلك المزاعم مع احتجاجات واسعة في عموم الشمال السوري ضد فتح المعابر مع مناطق سيطرة النظام.
ونقل موقع روسيا اليوم عن نائب محافظ إدلب في حكومة النظام السوري، فادي سعدون أن تركيا «قدمت ضمانات بعدم تعطيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه لفتح معابر في محافظتي إدلب وحلب». وأوضح السعدون أن أحد المعابر الثلاثة (سراقب) التي تم الإعلان عن افتتاحها اليوم، كان قد افتتح في شباط (فبراير) الماضي إلا أن الفصائل المسلحة في إدلب عطلت تطبيقه، ومنعت الأهالي من العبور واستهدفت المعبر بقذائف الهاون».
غضب ضد المعابر
لاقت التصريحات الروسية حول فتح المعابر احتجاجا في إدلب وحلب، وأطلق نشطاء سوريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و»فيسبوك» رفضاً لمقترح فتح المعابر. وأطلق النشطاء هاشتاغ «لا للمعابر مع النظام». ودعا بعض الفاعلين المحليين إلى وقفة احتجاجية في مدينة إدلب، وربطوا فتح المعابر بعودتهم إلى مناطقهم وانسحاب قوات النظام إلى ما قبل عملية ربيع 2019 التي شنها النظام بدعم من روسيا وإيران في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها، مستندين بذلك إلى تصريح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في شباط (فبراير) 2020 حيث أشار إلى ضرورة انسحاب النظام إلى حدود منطقة خفض التصعيد، ومن فحوى حديثه أطلق شعار إلى «ما بعد مورك» في أشارة إلى ضرورة سحب قوات النظام من كامل المنطقة التي تقدم فيها في ربيع وصيف 2019 وشتاء 2020.
ونفى رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى الادعاءات الروسية «حول افتتاح معابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة» واصفاً ما تم تناقله بـ»الأخبار غير الدقيقة».
في سياق متصل، شرح وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري أسباب رفض المعارضة فتح المعابر ومنها «تسهيل دخول الإرهابيين عملاء النظام والميليشيات المعادية لتنفيذ أعمال إرهابية لزعزعة استقرار المنطقة المحررة.. وتسهيل عملية التغيير الديموغرافي». مضيفا أن فتح المعابر يساهم «في انعاش اقتصاد النظام المشلول وتحسّينه قبل الانتخابات» موضحا بأن النظام لا يملك العملة الصعبة فهو غير قادر على استيراد المواد الأساسية، لذلك سيقوم بتأمينها عن طريق المناطق المحررة مقابل عملته المنتهية، وحذر وزير المالية في تصريح صحافي نشرته الدائرية الإعلامية في الحكومة المؤقتة من أن فتح المعابر «سيعرض المنطقة لخطر عقوبات قانون حماية المدنيين (قيصر) وارتفاع الأسعار بالمناطق المحررة بشكل كبير».
ورفض ضباط عسكريون في المعارضة فتح المعابر مع النظام، وأشار الضباط في بيان وقعه 13 من أبرز الضباط المقاتلين والذي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، إلى أنهم لا يقبلون تحت أي غطاء أن يكونوا «سبباً في انعاش من يقتل أطفالنا وإعطاؤه الترياق لكي يستمر في قتلنا وإذا كنا نقبل بذلك فهي خيانة لدماء الشهداء وعذابات معتقلينا الذين ضحوا بحياتهم وحريتهم لإسقاط هذا النظام وتحقيق دولة الكرامة والعدالة والحرية». وعلق النقيب مصطفى معراتي، أحد الموقعين على البيان لـ»القدس العربي» على قضية المعابر معتبرا أنها «إضافة لانعاش النظام اقتصاديا فهي مقدمة لمشروع روسي ستطرحه لإلغاء المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى وإدخالها حصرا عن طريق النظام، إضافة لكونه التفافا على قانون قيصر».
في حين فضل الجيش الوطني عدم التعليق على موضوع المعابر، ونوه قائد جيش العزة، الرائد جميل الصالح إلى مآسي السوريين نتيجة الحصار الذي فرضته قوات النظام والميليشيات الإيرانية في حمص وريف دمشق ضمن سياسة «الجوع أو الخضوع».
ولفت عضو الهيئة السياسية في محافظة إدلب، المحامي رضوان الأطرش إلى أن طرح قضية فتح المعابر على الطريقة الروسية هي «محاولة جديدة لحرف الأنظار من جديد بعد اختراعها المسار الدستوري ومناطق خفض التصعيد».
الرد التركي
امتنعت أنقرة عن الرد المباشر والصريح على التصريحات الروسية بخصوص المعابر، واقتصر رد فعلها على تصريح إعلامي لمسؤولين تركيين لوكالة «رويترز» نفيا خلاله اتفاق أنقرة مع موسكو على فتح المعابر الثلاثة. وعادت وكالة «سبوتنيك» الروسية وأكدت على الاتفاق بين الجانبين على ذلك. ونقلت الوكالة، الخميس، عن الدفاع الروسية أن الهدف من فتح المعابر هو «تخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا».
وتسعى روسيا إلى إحراج تركيا والضغط عليها من خلال قضية المعابر، وتحاول ربط المسألة بقضية إعادة تشغيل طريق الترانزيت حلب-اللاذقية/ M4 حسب اتفاق سوتشي.
إن النظر لقضية فتح المعابر مع النظام بوصفه جريمة وخيانة، هو موقف مستجد في صفوف المعارضين والنشطاء، فالمعابر الداخلية بين مناطق السيطرة ليست أمرا طارئا أو حديثا. فقد وجدت لضرورات اقتصادية ورغبة من الطرفين باستمرار دورة الحياة. ومن الوهم التبرير بأن المعبر قادر على إنقاذ النظام اقتصادياً، فحدوده مع لبنان والعراق لم تتوقف ولم يستطع حلفاؤه في البلدين من إنقاذه رغم كل ما يفعلون.
وهنا على المعارضة التركيز في نقاشها على المسألة السياسية والأمنية بدل إطلاق الشعارات، لأن أغلب تلك الأصوات وخصوصا أصوات المعارضة السياسية ستختفي في حال موافقة الجانب التركي، وهذا ما يفسر صمت قيادة الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام عن التعليق على الأمر، لانهم يعلمون أن القرار في أنقرة وليس في إدلب أو إعزاز. فمع رغبة تحرير الشام بفتح معبري سراقب ومزناز سابقا، كان الدور التركي هو الحاسم في منع فتح المعبر وليس الحركة الاحتجاجية ودماء المعتصمين التي سالت بسلاح أمنيي تحرير الشام.
وعليه، تتحمل المعارضة السياسية وقيادة الجيش الوطني مصارحة المهجرين من أراضيهم في أرياف حماة الشمالي وإدلب الشرقي وحلب الجنوبي أنه انسحاب نقاط المراقبة التركية من مكانها قد أنهى حلم العودة لأمد غير قصير. إضافة إلى أن تركيا غير قادرة على منع عملية قضم جديدة في حال قررت روسيا ذلك، وعلى المعارضة أن تصحو من غفوتها وتدرك أن تركيا لن تنجر إلى صدام مع روسيا، حتى لو سيطر النظام على إدلب كلها.
وهنا تصبح أي مبادرة تؤجل أو تبعد شبح العملية العسكرية مهمة للغاية وضرورية على اعتبار أنها لن تدخل الشمال بموجة تهجير جديدة، حتى لو كانت فتح المعابر والطرقات، ورغم معرفتنا المسبقة أن أكثر المستفيدين هي هيئة «تحرير الشام» التي ستجني واردات المعابر في إدلب.
المصدر: القدس العربي