تيم الحاج
تجري في الوقت الراهن تحركات سياسية تقودها الولايات المتحدة الأميركية ودول من الاتحاد الأوروبي تحت مظلة الأمم المتحدة تهدف إلى تحسين الواقع الإنساني لملايين السوريين في الداخل ودول اللجوء المحيطة بسوريا، يأتي ذلك في وقت تسعى فيه روسيا إلى الاستئثار بمسار المساعدات لصالح نظام الأسد مستخدمة نفوذها السياسي أمميا وآلتها العسكرية على الأرض عبر تهديد المعبر الوحيد المتاح لوصول تلك المساعدات إلى الداخل السوري.
موقف أميركا والاتحاد الأوروبي الثابت من بشار الأسد والمساعدات
في جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي حول سوريا، برئاسة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس الإثنين، جدد المسؤول الأميركي حرص بلاده على وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين، شاركه بذلك وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب.
الوزيران تطرقا إلى التصعيد الأخير الذي أقدمت عليه موسكو شمال غربي سوريا والذي أسفر عن استهداف معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، والذي يُعد آخر شريان تصل من خلاله مساعدات الأمم المتحدة إلى السوريين.
وكانت روسيا ساندت نظام الأسد خلال آذار الحالي، في حملة قصف واسعة استهدفت مشفى الأتارب ومعبر “باب الهوى” إضافة إلى شاحنات نقل المساعدات، واعتبرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” هذا القصف عملا مخططا له ومقصودا ويشكل جريمة حرب من قبل القوات الروسية تستوجب المحاسبة.
الوزير بلينكن طالب في الاجتماع أمس، بإعادة فتح المعابر والسماح بانسياب المساعدات للسوريين بلا عوائق، ويعتبر هذا التصريح خطوة أولية من قبل أميركا باتجاه ما تخطط له روسيا في تموز المقبل إذ تسعى روسيا إلى استخدام صلاحياتها في مجلس الأمن لإغلاق معبر “باب الهوى”.
ومنذ 2014 وحتى 2020 استطاعت روسيا والصين إغلاق ثلاثة معابر حدودية كانت تصل منها المساعدات الأممية إلى ملايين السوريين داخل سوريا.
وفي هذا السياق، دعا ممثل ألمانيا في الأمم المتحدة روسيا والصين إلى عدم استخدام حق النقض الفيتو في تموز القادم لمنع وصول المساعدات إلى السوريين.
الموقف الأميركي والبريطاني جاء واضحاً أيضاً بشأن حل الأزمة السورية عبر قرارات الأمم المتحدة وبإشرافها، وفي هذا السياق اعتبر بلينكن، أن الحل الوحيد في سوريا هو تسوية سياسية ومعالجة نهائية للنزاع السوري.
بدوره قال راب إنه يجبُ التوصل إلى مسار سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة وإنهاء الصراع في سوريا رافضاً العمليات العسكرية الروسية في شمال غربي سوريا لأنها تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، وفق تقديره.
يقابل هذا التحرك إصرار روسي على إثبات “شرعية” نظام الأسد ورئيسه بشار، إذ تتمسك موسكو في كل المناسبات الدولية بالحديث عن أحقية بشار في إعادة ترشيحه نفسه كما تصر على أن المساعدات الدولية يجب أن توّزع بإشراف النظام، مطالبة بإغلاق كل المعابر والتواصل مباشرة مع دمشق.
وفي شباط الفائت، دعت موسكو المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدة لسوريا في إجراء الانتخابات الرئاسية خلال عام 2021، الدعوة الروسية جاءت على لسان النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، الذي قال إن النظام لديه الحق الكامل في إجراء الانتخابات حيث لا توجد أحكام قد تعرقل ذلك، معتبراً أن إعادة انتخاب الأسد لا تتعارض مع عمل “اللجنة الدستورية”.
وفي هذا السياق، شدّد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، على وجوب انخراط نظام الأسد في اتخاذ قرارات واضحة لا لبس فيها، لإنهاء قمع الشعب السوري، والدخول بصورة هادفة في المفاوضات التي ترعاها وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة، لتنفيذ القرار الدولي 2254.
بوريل قال لصحيفة “الشرق الأوسط” أمس الإثنين، عن الانتخابات “إذا كنا نرغب في رؤية انتخابات تسهم في تسوية النزاع القائم، فلا بد أن تُجرى وفق القرار 2254″، مؤكداً أن نظام الأسد أخفق في الانخراط في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة لذلك لا يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية أن تسفر عن أي إجراءات من شأنها التطبيع المباشر مع النظام. وعليه، “فلقد دعونا أطرافاً أخرى في المجتمع الدولي، والمنطقة على نطاقها الأوسع، إلى تجنب الخوض في أي درجة من درجات التطبيع من هذا القبيل”.
وسبق أن أصدرت كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بيانا وصف الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي في سوريا بأنها “لن تكون حرة ونزيهة”، كما أنها “لن تلبي تطلعات المجتمع الدولي”.
وشدد البيان على أن نظام الأسد وداعميه “مسؤولون عن الآلام التي وقعت في الحرب المستمرة منذ 10 أعوام”، في حين حمل البيان شكراً “لكل من وثّق الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي في سوريا”.
وأكد البيان أن قرابة 13 مليون شخص في سوريا باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مضيفاً: “هناك ملايين السوريين الذين تستضيفهم تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر أو من اللاجئين فيها لا يستطيعون العودة إلى منازلهم خشية العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب”.
اجتماع بروكسل يبحث تأمين 10 مليارات دولار من المانحين للسوريين
تزامنا مع اجتماع الأمم المتحدة برئاسة أميركا، تستضيف بروكسل بالتعاون مع الأمم المتحدة مؤتمر مانحين لمساعدة السوريين، يهدف لجمع أكثر من 10 مليارات دولار للمساعدة الإنسانية بسوريا ودعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة بالمنطقة، ولا سيّما لبنان وتركيا والعراق والأردن
وهذا المؤتمر يُنظّم بالتعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ويأتي هذا العام بنسخته الخامسة، ويشارك به نحو 80 وفداً من خمسين دولة فضلاً عن منظّمات غير حكومية ومؤسّسات مالية دولية.
والهدف من المؤتمر جمع 4,2 مليارات للاستجابة الإنسانية في سوريا و5,8 مليارات لدعم اللاجئين ودعم المجتمعات المضيفة، حيث تستضيف الدول المجاورة لسوريا 80 في المئة من اللاجئين السوريين.
ويحتاج حوالي 24 مليونا إلى مساعدات أساسية، بزيادة أربعة ملايين خلال العام المنصرم وهو أعلى رقم حتى الآن منذ اندلاع الثورة في سوريا قبل عشر سنوات.
وبحسب وزارة الخارجية الأميركية فإن واشنطن ستقدم من خلال مؤتمر بروكسل أكثر من 596 مليون دولار كمساعدات إنسانية جديدة استجابة للأزمة السورية، كما شددت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد على مسؤولية المجتمع الدولي في توفير وصول المساعدات الإنسانية للسوريين “دون عوائق” المحتاجين، بما في ذلك عبر الحدود.
وزير الخارجية الأميركي، بلينكن قال في بيان اليوم الثلاثاء “لقد واجه الشعب السوري فظائع لا حصر لها، بما في ذلك الضربات الجوية لنظام الأسد والروسية، والاختفاء القسري، ووحشية داعش، والهجمات بالأسلحة الكيماوية علاوة على ذلك أدى الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية على أيدي نظام الأسد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة، والتي تفاقمت بسبب التحدي المتمثل في COVID-19.”.
وبحسب البيان الأميركي، فإن المساعدات الأخيرة ترفع إجمالي المساعدات الأميركية إلى ما يقرب من 13 مليار دولار منذ بداية الأزمة التي استمرت عشر سنوات، والتي تشمل ما يقرب من 141 مليون دولار لدعم الاستجابة لوباء فيروس كورونا في سوريا والمنطقة.
وقال بلينكن إن المساعدات الأميركية ستفيد أكثر من 13.4 مليون سوري داخل سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى 5.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
من جانبها تعهدت دولة قطر بتقديم 100 مليون دولار لتخفيف وطأة الكارثة الإنسانية في سوريا والإمارات بـ 30 مليون دولار، كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 560 مليون يورو مساعدات للسوريين.
كما تعهدت ألمانيا بتقديم 1.99 مليار دولار، وفرنسا بتقديم 656 مليون دولار، وبريطانيا بتقديم 282 مليون دولار.
ماذا قدم مؤتمر بروكسل الرابع؟
في مؤتمر بروكسل بنسخته الرابعة، الذي عُقد في 30 من حزيران 2020، تعهدت الدول بتقديم مساعدات إنسانية لسوريا وخمس دول مجاورة بقيمة 5.5 مليارات دولار لعام 2020، مقابل 2.2 مليار دولار لعام 2021، إضافة إلى قروض ميسرة تصل إلى 6.7 مليارات دولار.
تقرير مفوضية الأمم المتحدة الذي صدر في تشرين الأول 2020 أوضح أن الدعم المعلَن ذهب إلى الداخل السوري وخمس دول مجاورة تستضيف اللاجئين (لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر).
ووفقا لما أعلنت عنه المفوضية، جرى تخصيص 34% من المنح لسوريا، و19% للبنان، و16% لتركيا، و13% للأردن، و8% للعراق، و1% لمصر، بينما تذهب نسبة 9% المتبقية إلى المبادرات المتعددة البلدان والإقليمية من إجمالي إسهام المنح لعام 2020 البالغة 5 مليارات دولار.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا