خالد الخطيب
جدّدت روسيا اتهام هيئة “تحرير الشام” بالضلوع بتدبير عمليات إرهابية تستهدف الداخل الروسي. وتكررت المزاعم الروسية أكثر من مرة منذ بداية العام 2021 وتأتي في موازاة أنشطة ومساعي “تحرير الشام” غير المسبوقة في محاولة الانفتاح على الغرب بهدف إزالة إسمها من قوائم الإرهاب الأميركية والدولية.
وقالت وكالة سبوتنيك الروسية الجمعة، إن “قوات الأمن الروسية أحبطت هجوماً إرهابياً في سيمفروبول في جمهورية القرم واحتجزت اثنين من أنصار تحرير الشام كانا يخططان لتفجير إحدى المؤسسات التعليمية في المدينة ومن ثم الهرب إلى سوريا عبر أوكرانيا وتركيا”.
وأوضحت الوكالة أنه “تم اعتقال مواطنين روسيين من مواليد 1992 و1999 من أنصار التنظيم الإرهابي الدولي المحظور في روسيا، وقد خططا لهجوم مسلح باستخدام قنابل يدوية الصنع”.
وتعليقاً، قال مسؤول مكتب العلاقات الإعلامية في “تحرير الشام” تقي الدين العمر ل”المدن”، إن “المزاعم الروسية تندرج في إطار البحث عن ذرائع من أجل التصعيد ومواصلة القتل ضد السوريين وإيجاد مبررات لشن عدوان جديد ضد المنشآت الطبية والتجمعات السكانية”. وأضاف “لقد تعودنا أن يصدر عن روسيا مثل هذه التصريحات بشكل متكرر خلال الأشهر القليلة الماضية”.
وأضاف العمر “ننفي هذا الادعاء بشكل قاطع، ونؤكد بأنه يتوجب على الجميع نقل الحقيقة وعدم الانسياق وراء دعايات الاحتلال الذي هجر ملايين السوريين ودمر البنى التحتية وسرق مقدرات وموارد سورية”.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات عباس شريفة أن “روسيا باتت متخوفة من اتجاه واشنطن لرفع التصنيف عن تحرير الشام وقطع الذرائع الروسية في استهداف الشمال السوري لذلك تحاول أن تثبت أن الهيئة لا تزال تمارس نشاطاً إرهابياً عابراً للحدود”.
ويضيف شريفة ل”المدن”، أن “المزاعم الروسية هي أيضاَ تصب في صالح تحذير الولايات المتحدة من الاقدام على خطوة كهذه كونها استهداف للأمن القومي الروسي”.
وكان زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني قد قال في مقابلة مع الصحافي الأميركي مارتن سميث نُشرت أجزاء منها في بداية نيسان، أن “تحرير الشام لا تشكل أي تهديد للولايات المتحدة، وعلى الإدارة الأميركية رفعها من قائمتها للإرهاب”.
وقال الجولاني إن “دوره في محاربة نظام بشار الأسد وتنظيم داعش، وفي السيطرة على منطقة فيها ملايين النازحين السوريين الذين من المحتمل أن يصبحوا لاجئين، تعكس المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة والغرب”. واعتبر أن “هذه المنطقة لا تمثل تهديداً لأمن أوروبا وأميركا، وليست نقطة انطلاق للجهاد الأجنبي”.
ويقول المحاضر والباحث في العلوم السياسية محمد بقاعي ل”المدن”، إن “الاتهامات الروسية الأخيرة لتحرير الشام يمكن تفسيرها في ثلاث نقاط أساسية، أهمها ما يتعلق بالشأن الداخلي الروسي، فالتصريحات تخدم النظام الروسي من ناحية الدفاع عن الوجود العسكري في سوريا على اعتبار ان سوريا تحتوي تهديداً يمسّ الداخل الروسي وبالتالي هناك مبرر للوجود والبقاء الطويل مهما كان مكلفاً”.
ويضيف بقاعي أن “البعض في روسيا يقول إنها ليست بحاجة لتبريرات في خطابها للداخل الروسي، أعتقد العكس، لأن العامل الاقتصادي عامل مهم، ومن المتوقع أن تشهد روسيا انكماشاً اقتصادياً من 4 الى 6 في المئة، وستعيش الازمة الاقتصادية الأخطر منذ العام 2000، وبالتالي سيصبح التواجد العسكري الخارجي محل جدل داخلي خاصة ان التواجد الروسي الخارجي بالعموم له تكاليفه اليومية من 3 الى 4 ملايين دولار يومياً”.
ويشير بقاعي إلى أن “روسيا في أزمة ضمن الحالة الراهنة في سوريا، فهي ليست راضية عن واقع سكون الجبهات في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها النظام السوري، وبالتالي هي أصبحت لاعباً أساسياً في دولة فاشلة، لذا يبدو أن الاتهامات لتحرير الشام تندرج في إطار المساعي الروسية التي تسعى من خلالها لإعادة خلط الاوراق، على الرغم من أن موازين القوى تفرض نفسها لتسكين الوضع الحالي”.
وبحسب بقاعي “تخدم الاتهامات الروسية المساعي الهادفة الى قطع الطريق على تحرير الشام التي تسعى إلى تعديل مواقفها وسلوكها بشكل يسمح لها بإزالة اسمها من التصنيف الدولي في قوائم الإرهاب، وبالتالي فإن الرواية الروسية المتكررة تركز على أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لا تهدد أمن مناطق النظام فقط، بل يمتد خطرها الى خارج سوريا”.
من المستبعد أن تكون الاتهامات الروسية لتحرير الشام مقدمة لتصعيد عسكري واسع على ادلب في الوقت الحالي، لكنها في الوقت ذاته تخلق المبررات لمواصلة القصف الجوي والبري المتقطع على مناطق ومواقع حيوية في مناطق إدلب وريف حلب الغربي. وجرت العادة في التصريحات الروسية بعد كل تصعيد جوي أو استهداف بري مركز أن تبرر له بالقول بأنها “استهدفت موقعاً يتبع للتنظيمات الإرهابية”.
المصدر: المدن