أمين العاصي
يكتنف الغموض تشكيلاً عسكرياً ظهر في جنوب سورية قبل أيام حمل اسم “المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب” قال متحدث باسمه إنّه يضمّ مقاتلين من محافظتي درعا والقنيطرة، وإنّ له جملة من الأهداف، خصوصاً التصدي لـ”حزب الله” اللبناني وتجار المخدرات. وأكد العديد من المصادر أنّ القادة الميدانيين في فصائل المعارضة، التي كانت في الجنوب السوري، لا معلومات لديهم حول التشكيل الذي لفت إلى أنّه لا يتبع لأيّ جهة.
في خطوة مفاجئة، أعلن في تسجيل صوتي، الخميس الماضي، عن تشكيل كيان عسكري جديد، حمل اسم “المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب” يضم مقاتلين من محافظتي درعا والقنيطرة. وقال شخص عرّف عن نفسه بأنّه متحدث باسم التشكيل، من دون أن يذكر اسمه، أو أيّ تفاصيل أخرى، في التسجيل الذي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “وفاءً لدماء أبناء حوران والجولان خصوصاً، وأبناء الثورة السورية عموماً، واستكمالاً لطريق الحرية والكرامة، نحن أبناء حوران والجولان، نعلن عن تشكيل المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب”. وأوضح المتحدث عدم تبعية هذا التشكيل إلى “أيّ فصيل أو جهة خارجية، أو رايات أو تنظيمات كانت في يوم من الأيام سبباً في حرف بوصلة الثورة السورية وتغيير مسارها”. وشدد على أنّ الهدف الرئيسي لهذا التشكيل هو مواجهة “حزب الله” مضيفاً أنّ “كلّ من سلك طريق المخدرات وتاجر بها” في جنوب سورية من ضمن أهدافه، إضافة إلى “كلّ احتلال على أرضنا”. وأكد أنّه لا يعترف بالنظام، ويؤيد أيّ عملية سياسية تفضي إلى إقامة “دولة مدنية ديمقراطية”.
وأشار الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” أبو محمد الحوراني، المقيم في ريف درعا في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “التشكيل الجديد ظهر بمقطع فيديو وكتابة ورقية، لكن على الأرض ليس له وجود أو قيادة، ولا شيء واضحاً أبداً بشأنه” موضحاً أنّ جميع القادة الميدانيين لا يعرفون شيئاً عن التشكيل الجديد. وبيّن أنّه “لا معلومات عن التشكيل الجديد” مضيفاً: “الأهالي في الجنوب السوري يريدون أفعالاً حقيقية تؤكد وجود مثل هذه المجالس والتشكيلات، وليست مجرد بيانات على الإنترنت، ليس واضحاً من يقف خلفها”.
من جانبه، أشار قائد سابق في فصائل المعارضة السورية بمحافظة درعا (فضّل عدم ذكر اسمه)، في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنّه يعتقد أنّ وراء التشكيل “مجموعات ترفض اتفاقات التسوية في الجنوب السوري مع النظام” مضيفاً: “هي رسالة واضحة للنظام وحزب الله والإيرانيين الذين ينشطون في نشر التشيع في الجنوب السوري”. وأعرب عن اعتقاده بأنّ البيان الصوتي “تلويح بالعقاب لكلّ تجار المخدرات والمروجين لها والمرتبطين بحزب الله، والذين يعملون بأوامر منه لنشر هذه المواد السامة في أوساط الشباب لتسهل السيطرة عليهم”. وأشار إلى أنّ أهالي محافظتي درعا والقنيطرة “ينتظرون أفعالاً حقيقية على الأرض في مقاومة النظام والإيرانيين وحزب الله، لا مجرد بيانات” مؤكداً أنّ هناك مجموعات “تعمل بالفعل على استهداف عناصر تابعة للنظام أو متعاونة معه” وأنّ التظاهرات التي “خرجت في الذكرى العاشرة للثورة، في مارس/ آذار الماضي، أكدت أنّ حالة الرفض الكامل للنظام ما زالت قائمة لدى من بقي من سكان درعا”.
ويأتي التشكيل الجديد في ظل أوضاع أمنية واقتصادية صعبة تعيشها محافظتا درعا والقنيطرة، مع استمرار التلويح من قبل النظام السوري باقتحام المدن والبلدات التي ما زالت خارج سيطرته. وكانت فصائل المعارضة اضطرت، تحت التهديد الروسي، بتدمير الجنوب السوري إلى توقيع اتفاقيات تهدئة منتصف 2018، تبين لاحقاً أنّها كانت مدخلاً واسعاً للفتك بأهالي درعا، عقاباً على خروجهم ضد النظام منذ 2011، خصوصاً أنّ الجانب الروسي لم يلتزم بوعوده كضامن للاتفاقات.
وهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها للعلن تشكيل عسكري مناهض للنظام، يضم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة السورية، إذ ظهرت أواخر 2018، ما سمّيت بـ”المقاومة الشعبية في محافظة درعا”، التي أوضحت، في بيان وقتها، أنّها تعمل لـ”ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظل استمرارها بالاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري”. وبدأت بعد ذلك بتنفيذ عمليات اغتيال شخصيات مرتبطة بالنظام، أو كان لها دور في التوصل لاتفاقات المصالحة معه.
من جهته، أشار المحلل السياسي محمد العويد، وهو من أبناء محافظة درعا، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “غياب التفاصيل عن تشكيل المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب، يزيد الأمر غموضاً” موضحاً أنّه يفترض، بتشكيل بهذا الحجم، أن يكون واضحاً، خصوصاً لجهة القياديين فيه. وتساءل: “ما طبيعة هذا التشكيل، وما هي المرجعية السياسية والعسكرية التي يستند إليها؟” قبل أن يخلص إلى أنّه “حتى اللحظة كلّ هذه الأمور غائبة، لذا نحن مضطرون للانتظار كي يفصح هذا التشكيل عن هويته شكلاً ومضموناً”. وأعرب عن اعتقاده بأنّ “الروس والنظام والمليشيات الإيرانية، والقوى المحلية الحليفة لها، قادرة على وأد أيّ تشكيل قد ينشأ في الجنوب السوري”.
في غضون ذلك، ما زال الفلتان الأمني وعمليات الاغتيال التي تستهدف متعاونين مع النظام السوري السمة الأبرز في محافظة درعا. وفي هذا الصدد، استهدف مجهولون، أول من أمس الجمعة، في بلدة صيدا، قيادياً سابقاً في فصائل المعارضة السورية، انضم عام 2018 إلى الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. وكان أصيب، الخميس الماضي، متزعم مجموعة مسلحة تعمل لصالح جهاز “أمن الدولة” التابع للنظام السوري بجروح في كمين نُصب له على الطريق الواصل بين مدينة الحارّة وبلدة نمر شمال غرب درعا. وبيّن “تجمع أحرار حوران”، في تقرير أخيراً، أنّ عمليات الاعتقال والخطف بحق أبناء محافظة درعا تواصلت في مارس/ آذار الماضي.
المصدر: العربي الجديد