فايز سارة
عرفت ميشال كيلو قبل نحو خمسين من وفاته، كنت شاباً صغيراً، يخطو خطواته الأولى نحو العمل العام، عرفته في حينها كاتباً صحافياً، أتابع كتاباته، وذهبت معرفتي به الى شكل واقعي في التسعينات، وصرت زميلاً في الصحافة والكتابة من دون التخلي عن متابعته بصفته كاتباً وصحافياً، تعجبني مقالاته، ويعجبني ما عرفته عنه من سخونة موقفه في معارضة النظام، والتي كان أحد أثمانها اعتقاله المعروف عام 1979 لانتقاده المباشر والعلني لنظام الأسد الأب في لقاء عام على مدرج جامعة دمشق.
عندما بدأ ربيع دمشق يشق الطينة الصلبة لنظام الأسد الوريث، بدأ شوط جديد من علاقتي بميشيل كيلو، حيث أضيف إلى ما سبق نكهة الرفقة، التي لم تكن مجرد رفقة على نحو ما يتصوّر البعض، بل رفقة بالمعنى العميق الذي كنت أصف المصنفين في حلقتها بأنهم آخر وأهم الأصدقاء لما تبقى لنا في الحياة.
وسط تلك الرفقة ذهبنا مع رفاق آخرين في تجربة لجان إحياء المجتمع المدني، التي ألقت حجارتها في المستنقع السوري الآسن الذي خلقه نظام الأسد، يحيط به حياة السوريين، وانتقلنا منه الى المشاركة النشطة في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي إطاراً لتحالف واسع للمعارضة ضد نظام الأسد، ثم قمنا بالتشارك مع مثقفين وكتاب وأكاديميين لبنانيين بإطلاق إعلان دمشق – بيروت بيروت – دمشق من أجل أنسنة العلاقات السورية اللبنانية وتصحيحها شعبياً ورسمياً، بعدما استباحها نظام الأسد وأدواته اللبنانية، ودمّر أخوة الشعبين وتجاور البلدين.
لم أشارك ميشال ورفاقاً آخرين المبادرات، التي وصفها كثيرون بأنها “مهمة” وغيرها من الأوصاف الكبيرة فقط. بل تشاركنا ألم الاعتقال نحو عامين ونصف عام انتهت أواسط عام 2010، وتشاركنا معاناة التغريبة السورية شتاتاً في فرنسا وتركيا، ثم عشنا معاً في “التجربة المرة” في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، التي سعى كثيرون عن قصد أو من دون الى خرابها وإفشالها، وخرج كل واحد منا من التجربة في وقت متقارب، من دون أن نتشاور في ذلك، بل كنا نعاني “أزمة علاقات بينية” بسبب الائتلاف ونتائج تجاذباته وصراعاته، كما خضنا معاً تجربة ولادة الهيئةٔ العليا للمفاوضات قبل أن نغادر الائتلاف بعيداً عن علاقات التبعية واستسهال مسار العمل الوطني، وإلحاقه بما تيسّر من أجندات إقليمية ودولية بحجج واهية ولا معنى لها.
في السنوات الخمس الأخيرة، وكما درجت علاقاتنا، كانت الهموم المشتركة محور علاقاتنا، وفيها لقاءات ومبادرات وأفكار وأوراق هنا وهناك، كان الهمّ الرئيس في كل ما سبق، تقييم ما جرى، واستخراج دروسه، ودراسة الواقع في أبعاده المحلية والإقليمية والدولية، ووضع تصوّر لما ينبغي القيام به من خطوات للوصول الى حل سوري يحقّق السلام، ويخلّص السوريين من الاستبداد والدكتاتورية والدم مجسدين بصورة نظام الأسد، حل يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
وإذ يغادرنا ميشيل في موته، فإنه يترك تلك المهمة بين يدي الأصدقاء والرفقة القريبين والمقربين للعمل عليها، ليس فقط وفاءً لذكراه وسيرته، بل للضرورة التي تمثلها في حياة السوريين وبلدهم اليوم وفي المستقبل.
* كاتب ومعارض سوري
المصدر: النهار العربي