منهل باريش
سيطرت القوات الخاصة الكردية التابعة لقوى الأمن الداخلي «أسايش» ظهر الجمعة، على معظم حي طي ومساكن حي حلكو المجاور للمطار في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات بين «أسايش» وقوات «الدفاع الوطني» التابع لجيش النظام السوري.
بدأت المعارك، ليل الثلاثاء، بعد اعتقال حاجز «أسايش» في منطقة دوار الوحدة لأحد أبرز قادة «الدفاع الوطني» عبد الفتاح الليلو، ما دفع مقاتلي الدفاع إلى مهاجمة الحاجز وتحرير الليلو، وأدى الهجوم إلى مقتل خالد حاجي، المسؤول في قوى الأمن الداخلي «أسايش» في القامشلي وسقوط عدد من القتلى من الجانبين.
سعت روسيا إلى محاولة فرض وقف لإطلاق نار في الحي المجاور لمطار القامشلي والذي تسيطر عليه القوات الروسية وتنتشر في محيطه. ولكن فشل وقف إطلاق النار، الأربعاء، بسبب تدخل «قوات المهام» وهي القوات التي دعمتها إيران وأعادت تشكيلها من «الدفاع الوطني» المتآكل والذي أوقف النظام دعمه وظل مقاتلوه بدون رواتب أو دعم عسكري، فاستغل الحجاج الإيرانيون ذلك، وقدموا عرضهم لقادة «الدفاع الوطني» ما أدى إلى ترك أكثر من نصف قادته إلى «قوات المهام» المشكلة إيرانيا، ودعمت الأخيرة فصائلهم بالرواتب والسيارات الجديدة والذخائر والأسلحة والقناصات.
وتداعى وجهاء وفاعلون اجتماعيون إلى عقد اجتماع كبير في مضافة الشيخ موفق السالم لتشكيل لجنة «صلح وتهدئة» وعلمت «القدس العربي» من مصدر محلي أنه حضر الاجتماع الدكتور فريد سعدون والمهندس بشير السعدي، الشيخ حسن الفرحان وبسمان العساف والإعلامي هشام شمعون والشيخ عمر الخمري والشيخ هايس الجريان وحسن قطريني والوجيه غازي إبراهيم ومحمد سعيد ونذير اغا الاومري وممثلون عن المجلس المللي السرياني والأرمني. وحاول الوجهاء فرض هدنة على الطرفين المتنازعين والطلب من القيادة الروسية في مطار القامشلي نشر قواتها وحواجزها بين الطرفين واجبارهما على سحب حواجزهما من المنطقة، محاولين فرض ضغط شعبي لوقف القتال.
واغتيل الشيخ هايس الجربان بعد انتهاء الاجتماع، أمام منزله جنوب القامشلي، وتبادل الجانبان (أسايش والدفاع الوطني) الاتهامات حول الفاعل، فالجربان هو أحد وجهاء عشيرة بني سبعة وأولاده يقاتلون في قسد. وشيع ظهر الجمعة إلى مسقط رأسه قرب تل حميس من قبل قسد.
إلى ذلك، رجحت مصادر محلية متقاطعة لـ»القدس العربي» أن طريقة اغتيال الهايس كانت عبر قناصة، حيث لم يشاهد أحد في المنطقة القريبة لحظة مقتله، كما نفوا رؤية أو مرور أي سيارة. فيما تتواجد مواقع قريبة لـ»قوات المهام» المدعومة إيرانيا، وكذلك تتواجد قوات النظام في فوج القوات الخاصة جنوب المدينة، والمعروف محليا باسم فوج طرطب، وهو الفوج 54 قوات خاصة الذي يتبع للفرقة 18 مدرعات في جيش النظام والتي تنتشر في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور.
وأشارت وسائط التواصل الاجتماعي المقربة من قسد إلى وجود قناصة في صفوف «الدفاع الوطني» أخرت تقدم القوات الخاصة وعناصر الوحدات الكردية في حي طي ومنعتها من الوصول إلى عمق سوق الحي وصولا إلى حي زنود، كما أعاقت تقدمها على المحور الواصل إلى مطار القامشلي. فيما تناقل بعض النشطاء وجود قناصة إيرانيين إلى جانب الدفاع الوطني دون التمكن من إثبات تلك الفرضية. كما أعلنت هيئة الدفاع في «الإدارة الذاتية» مشاركة قناصة إيرانيين في العمليات العسكرية في جنوب المدينة إلى جانب «الدفاع الوطني» ولكن من غير المستبعد وجود قناصة يتبعون إلى بعض الميليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا، أو ان تكون إيران دربت خلال الشهور القليلة الماضية «فرقة قناصة» في القوات التي الحقتها بها «قوات المهام» بدون الدفع بقناصة إيرانيين في منطقة مطوقة بالمقاتلين الأكراد.
وسيطرت القوات الخاصة الكردية على عدة مقرات للدفاع الوطني صباح الجمعة، في حي طي، هي مدارس ابن سينا وفاضل الحسن وسليمان عزو، وتوقفت الاشتباكات المباشرة مع توغل القوات الكردية وانسحاب مقاتلي الدفاع الوطني.
من جهة أخرى، دفعت هزيمة «الدفاع الوطني» النظام إلى محاولة تحشيد القبائل العربية ضد الأكراد، وتجلى ذلك من خلال بيان مصور بث بعد ظهر الجمعة، لعدد من وجهاء قبيلة طي في مضافة القبيلة في قرية جرمز، وقرأ البيان الشيخ فيصل العازل وهو بعثي وأحد وجهاء عشيرة المعامرة في قبيلة طي، وإلى جانبه عدد من شيوخ عشائر بني سبعة والراشد والحسو والغنام والأسعد وحرب، وإلى جانب الشيخ فيصل، وقف أحد المتعاقدين المدنيين في أمن الدولة بالقامشلي، وهو ما يوضح دور النظام في التحشيد العربي ضد الأكراد. وبث التلفزيون السوري الرسمي، الكلمة في البيان المصور للعشائر، ونشرت وكالة الأنباء «سانا» الرسمية البيان، أيضاً وناشد وجهاء قبيلة طي العشائر والقبائل في الجزيرة السورية من أجل «التكاتف والوقوف في وجه ميليشيا قسد المدعومة من الاحتلال الأمريكي التي تواصل اعتداءها على حي طي مستخدمة الأسلحة الثقيلة والمدرعات».
ووصف البيان استخدام السلاح والمدرعات من قبل قسد «بهذه الهمجية ضد المدنيين وارتقاء شهداء من الشيوخ والنساء والأطفال يشكل خيانة للشعب والأرض والتاريخ» ولم يفت الوجهاء الإشارة أن قسد مرتهنة لأمريكا وأنها «لم تراع القيم والأخلاق وتنفذ توجيهات سيدها الأمريكي الذي نهب خيرات وثروات البلاد من خلال ما يسمى قانون قيصر».
وطالب البيان بعض أبناء العشائر المنضوين في صفوف قسد إلى الانسحاب منها و»إعلان المقاومة الشعبية ضد المحتل الأمريكي وأدواته والمواجهة بكل عزة وشرف» ونوه بيان الوجهاء إلى أن ما يحصل هدفه «التشويش على الاستحقاق الرئاسي». وأكد شيوخ ووجهاء قبيلة طي على وقوفهم إلى «جانب الجيش العربي السوري في مواصلة الحرب على الإرهاب وتأمين الأمن والاستقرار على كامل الأراضي السورية».
في سياق متصل، أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، أن بلاده «ستبذل جهدها لوقف الاشتباكات الدائرة في مدينة القامشلي، عن طريق الحوار» مؤكدا أن قسد «شريك مهم لنا وهي تقوم بحماية جنودنا».
وعلمت «القدس العربي» أن اجتماعا ضم ممثلين عن جيش النظام وقيادة القوات الروسية والوحدات الكردية، جرى في مطار القامشلي لبحث وقف إطلاق النار والهدنة، ليل الجمعة (لحظة كتابة هذا التقرير) واشترط المفاوضون الأكراد حل «الدفاع الوطني» في القامشلي، فيما رفض النظام ذلك. وتصر قوى الأمن الداخلي على فرض سيطرتها الأمنية على حي طي، وتشكيل مجلس مدني مشترك لإدارة شؤون الحياة في الحي وحي حلكو. فيما يبقى حي زنود تحت سيطرة جيش النظام دون وجود للدفاع الوطني. وطالب الضباط الروس وقف إطلاق نار مدة 24 ساعة حتى التوصل إلى اتفاق.
وتعتبر أحياء طي وحلكو وزنود معقل الدفاع الوطني وهي الأحياء العربية الخالصة في المدينة، وتتاخم الأحياء مطار القامشلي وفوج القوات الخاصة. وهو ما يصعب عملية القضاء على «الدفاع الوطني» بشكل نهائي فيها. كما أن النظام بحاجة إلى قوة عربية رديفة له في القامشلي. وفي حال موافقته على إخراج «الدفاع الوطني» من القامشلي فهذا يعني أنه حصل على مقابل سياسي لقاء ذلك، قد يتعلق بمسألة السماح بفتح صناديق انتخابات الرئاسة أو باستمرار عمليات توريد النفط أو زيادتها.
وسيشكل الدور الإيراني عنوان المرحلة المقبلة مع وصولها إلى القامشلي وتغلغلها في العشائر العربية هناك، وهذا يعني تزايد نفوذ اللاعبين الإقليميين والدوليين، وسيجعل إيران واحدا من معترضي الدوريات الأمريكية في شرق الفرات إلى جانب قوات النظام والقوات الروسية بين حين وآخر، وستضاف القواعد الأمريكية في سوريا إلى قائمة القواعد المستهدفة بالشرق الأوسط من قبل إيران كما يجري في العراق.
المصدر: القدس العربي