أمين العاصي وسلام حسن
ساد الاثنين، الهدوء في مدينة القامشلي، الواقعة أقصى الشمال الشرقي من سورية، في ظل تضارب معلومات حول مضمون الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف برعاية روسية بعد أيام من اشتباكات دامية بين مليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام وقوى الأمن الداخلي “الأسايش”، التابعة للإدارة الذاتية ذات الطابع الكردي.
وبدأ المدنيون النازحون من حي طي في مدينة القامشلي، اليوم الاثنين، بالعودة إلى منازلهم بعد الهدوء إثر المفاوضات بين النظام و”الأسايش”.
وقالت مصادر لـ”العربي الجديد” إن الهدوء عاد بشكل تام إلى حي طي، تنفيذا للاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين النظام السوري و”الأسايش”، والذي أفسح مجالا لعودة العائلات التي غادرت الحي نتيجة الاشتباكات التي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين ومن المدنيين.
وقالت المصادر إن جزءا كبيرا من الأهالي عاد إلى منازله في ظل وجود قوات الأمن التابعة لـ”الادارة الذاتية”، فيما ينتظر السماح للبقية بالعودة إلى منازلهم بعد التأكد من خلو المنطقة بشكل كامل من العوائق الأمنية.
تعزيزات ودورية مشتركة
وأضافت المصادر أن “الأسايش”، وهي قوى الأمن الداخلي التابعة لـ”قسد” في القامشلي، استقدمت تعزيزات من مدينة الرقة بهدف السيطرة على الحي ومحيطه، مشيرة إلى أن القوى أجرت دورية مشتركة في الحي مع القوات الروسية. وقالت إن الدورية رافقها طيران مروحي روسي.
وبحسب مصادر لـ”العربي الجديد”، فإن قوى الأمن الداخلي سيطرت على حي طي بشكل شبه كامل، بعد انسحاب قوات النظام منه، فيما بقيت قوات النظام متمركزة في مدرسة عباس علاوي، التي تحولت إلى نقطة أمنية للنظام، والشوارع المحيطة بخزان المياه، حيث أصبحت تلك المنطقة بمثابة مربع أمني لمؤسسات النظام الأمنية.
وبعد منتصف الليلة الماضية وصباح اليوم، وقعت اشتباكات متقطعة، حيث تبادل الطرفان الاتهام بخرق الاتفاق الذي أعلنت عنه “الإدارة الذاتية” مساء أمس.
اجتماعات متواصلة
إلى ذلك، قالت مصادر “العربي الجديد” إن الاجتماعات متواصلة بين ممثلين عن النظام والإدارة الذاتية” مع الجانب الروسي في مطار القامشلي، بهدف إنهاء الصراع في الحي وتنفيذ اتفاق التهدئة بشكل كامل.
وكانت أولى خطوات تنفيذ الاتفاق سحب مليشيا “الدفاع الوطني”، ووضع مفرزة لـ”الأمن العسكري” التابع للنظام، وبالتالي، بحسب المصادر، سوف يقتصر وجود مليشيا “الدفاع الوطني” في المدينة على الضواحي الجنوبية والشرقية منها، وهي القريبة إلى مطار القامشلي الذي يعد المركز الرئيسي للقوات الروسية هناك.
وفي وقت سابق اليوم، ذكرت مصادر مطلعة على مجريات المفاوضات بين ممثل “الأسايش” وممثل النظام السوري، برعاية من الجانب الروسي و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي واضح البنود.
وأشارت المصادر، لـ”العربي الجديد”، إلى أن اجتماعا يُعقد منذ صباح اليوم في القاعدة الروسية داخل مطار القامشلي، لـ”وضع النقاط على حروف الاتفاق”، مرجحة الخروج بتفاهم ينهي حالة التوتر في المدينة بشكل كلي.
وبيّنت المصادر أن النظام “حريص على الخروج باتفاق”، مضيفة أن “عدم الاتفاق ربما يعني نهاية وجوده الرمزي في المدينة، لأنه غير قادر على الحسم العسكري”.
وكانت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ”الإدارة الذاتية” دخلت، منذ أيام، في صراع نفوذ مع مليشيا الدفاع الوطني، انتهى بسيطرة “الأسايش” على حيي طي وحلكو، وبذلك آل أغلب المدينة إليها.
وقالت سمر حسين، وهي الرئيسة المشتركة لهيئة الداخلية في إقليم الجزيرة التابع لـ”الإدارة الذاتية”، في حديث مع “العربي الجديد”: “ستقوم الإدارة بكل طاقاتها لإعادة الحياة في حي طي إلى طبيعتها”.
وأشارت حسين إلى أن مليشيا الدفاع الوطني “كانت حولته إلى ملجأ للخارجين على القانون والمهربين وتجار المخدرات”، مشددة على أن “ما جرى لم يكن اقتتالا بين المكونين العربي والكردي، كما روجت بعض الأطراف، بل كان تنظيفاً للمدينة من بؤرة الفتن والمشاكل والخروقات الأمنية التي كانت تشكل دوماً مصدر قلق لأهالي القامشلي”.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن “الهدف دوماً توطيد الأمن والاستقرار لجميع المكونات، وتحقيق التعايش الأهلي المشترك فيما بينها”.
تلويح مليشيا “الدفاع” بالقتال
وفي غضون ذلك، يحاول النظام التخفيف من تبعات ما جرى في القامشلي، وخاصة لجهة تراجع نفوذه، حيث نقلت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، عن محافظ الحسكة غسان خليل، أن الاتفاق يقضي بخروج قوات “الأسايش” من حي طي الذي انتزعت السيطرة عليه في مدينة القامشلي منذ أيام، وعودة الأهالي إلى منازلهم، ودخول قوى الأمن الداخلي التابعة للنظام إلى الحي.
وفي السياق، لوّح متزعم مليشيا الدفاع الوطني في الحسكة حسن السلومي باللجوء إلى ما سماه بـ”المقاومة الشعبية”، في حال لم تنسحب “الأسايش” من كامل الحي.
كانت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ”الإدارة الذاتية” دخلت، منذ أيام، في صراع نفوذ مع ميليشيا الدفاع الوطني، انتهى بسيطرة هذه القوى على حيي “طي” و”حلكو”، وبذلك آل أغلب المدينة إليها
وتدل الوقائع على أن مليشيا “الدفاع” تحاول تجميع صفوفها مرة أخرى في محيط مدينة القامشلي استعدادا لجولة قتال أخرى مع القوى الكردية، حيث توعّد متزعم هذه المليشيا، في تسجيلات صوتية، هذه القوى والمتعاونين معها بالقتال لاسترجاع الحي.
ومنيت هذه المليشيا بهزيمة أمام القوى الكردية التي باتت تسيطر على جلّ مدينة القامشلي، باستثناء مربع أمني يضم مقرات الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية التابعة للنظام السوري، الذي فقد الكثير من نفوذه في القامشلي وعموم محافظة الحسكة الغنية بالثروات.
وفي سياق متصل، أكد فريد سعدون، وهو عضو في لجنة المصالحة المؤلفة من أعيان وشيوخ عشائر القامشلي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مليشيا الدفاع الوطني “انتهت في مدينة القامشلي”، مشيرا إلى أنه “ستفكك المليشيا في عموم محافظة الحسكة على مراحل”، مضيفا: “ما جرى في القامشلي خطوة أولى باتجاه هذا الهدف”.
كما أكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” أن الجانب الروسي “يؤيّد تفكيك مليشيا الدفاع الوطني في محافظة الحسكة”، مبيّنة أن هناك جناحا داخل هذه المليشيا “مرتبطا بالجانب الإيراني ويتلقى دعما منه”، مضيفة: “متزعمو هذا الجناح زاروا إيران خلال سنوات الحرب في سورية عدة مرات”.
وتملك أغلب القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع على سورية موطئ قدم لها في محافظة الحسكة، التي تضم ثروتين هائلتين: بترولية وزراعية، فضلا عن موقعها الجغرافي المهم، حيث العراق شرقا، وتركيا شمالا.
وكانت “الأسايش” أعلنت، الأحد، التوصّل إلى هدنة دائمة في مدينة القامشلي “تلبية لوساطة وضمانة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) والقوات الروسية”، ودعت أهالي حي طي النازحين للعودة إلى منازلهم، وتعهدت بحمايتهم.
وبيّن مصدر مقرب من “الأسايش”، لـ”العربي الجديد”، أن الأخيرة مصرّة على البقاء داخل حي طي مقابل عودة الأهالي إلى منازلهم، وتسيير دوريات مشتركة مع الجانب الروسي، مشيرا إلى أن الإدارة الذاتية “ستحترم الهدنة طالما لم تحدث خروقات كبيرة من قبل مليشيا الدفاع الوطني”.
ويشكل العرب غالبية سكان محافظة الحسكة، التي تضم كبريات القبائل العربية السورية، ومنها الجبور وشمّر وطي وسواها.
وعززت الأحداث الأخيرة نفوذ الجانب الكردي في محافظة الحسكة عموما، وفي مدينة القامشلي على وجه الخصوص، والتي تضم هي وريفها عددا كبيرا من الكرد السوريين.
وتقع مدينة القامشلي على الحدود السورية التركية، وتعد امتداداً لمدينة نصيبين التركية، ويتبع لها عدد من النواحي الإدارية، منها تل حميس والقحطانية وعامودا.
وتعد القامشلي بمثابة “سورية مصغرة”، إذ تضم عرباً وكرداً وسرياناً آشوريين ينتشرون في أحياء المدينة المختلفة والمختلطة بكلّ سكان المدينة.
المصدر: العربي الجديد