حازم الأمين
الأردن أمام مشهد إقليمي مختلف من دون شك. وعلى رغم الانفراجة المتعلقة بتعثر صفقة القرن، إلا أن ضغوطاً داخلية قوية تطالبه بخطوات عملية من نوع طرد السفير الإسرائيلي من عمان، أو استدعاء السفير الأردني من تل أبيب.
الأردن حمال أثقال المنطقة، وفي كل مرة تشتعل حرب في الإقليم، تشد المملكة أحزمتها، ذاك أن المسافة التي تفصلها عن الحروب، مختلفة تماماً عن المسافة التي تفصل دول المشرق. أما الحرب في فلسطين فالمسافة التي تفصلها عن عمان تكاد تكون صفراً. فحكومة عمان هي الوصي القانوني على المسجد الأقصى، وهي من كان أعطى الحق لعائلات حي الشيخ جراح بالإقامة في الحي في خمسينات القرن الفائت، لكن الأهم من هذا وذاك أن في الأردن يعيش أكثر من خمسة ملايين أردني من أصول فلسطينية. وبهذا المعنى تعيش فلسطين في الأردن أكثر مما تعيش في فلسطين. هذا واقع ثقيل، إلا أنه حقيقي، ويملي موقعاً شديد الحساسية على النظام السياسي في المملكة.
لكن في مقابل هذا الواقع الثقيل، قد يكون الأردن التقط أنفاساً في ظل ما فرضه واقع المواجهة من ترنحٍ لما تبقى من صفقة القرن، لا سيما أن الأخيرة تولت الإتيان على الموقع الأردني بوصفه القناة الضرورية للتعاطي مع القضية الفلسطينية. صفقة القرن واتفاقات ابراهام التي أعقبتها، فرضت معادلة السلام مقابل صفر حقوق، ولم تكترث لحل الدولتين، وتجاوزت الوصاية الأردنية على الأقصى، ومهدت لاعتراف “عربي” بالقدس عاصمة لإسرائيل!
مشهد “صفقة القرن” يفترض أنه يترنح اليوم، وإذا كان من هزيمة قد ألحقها المشهد المقدسي، مضافاً إليه ما ألحقته صواريخ “حماس” من اهتزاز في تل أبيب، فهي هزيمة الصفقة الترامبية وملحقها المتمثل في اتفاقات ابراهام.
القول بأن نصراً أردنياً على خطوات تهميش المملكة قد تحقق، ربما ينطوي على قدر من المبالغة، لكن يمكن القول إن طريق العودة عن العثرة التي وضعها جاريد كوشنير أمام دور الأردن قد بدأ، لكن يبقى دونه عقبات أخرى. فـ”حماس” اليوم تتصدر المشهد الفلسطيني، ولا أثر يذكر لـ”فتح” شريكة الأردن الفلسطيني، وفي مقابل ذلك تشهد المملكة احتقاناً غير مسبوق خلفته الوقائع الفلسطينية. تظاهرات على الحدود مع الضفة الغربية لا يمكن أن تتيح لها السلطات عبور الشريط، ومن المربك قمعها، وتظاهرات مسلحة في الجنوب، حيث عشائر الشرق الأردنيون التي صارت ظاهرة السلاح بحوزتها مقلقة. هذه التظاهرات على طرفي الحدود، وإن كانت بدوافع تضامنية، إلا أنها ترسم أيضاً شرخاً قد يستيقظ في مناسبات أخرى لطالما حفلت بها المملكة.
ثم إن عمان لا يمكن أن تسقط حقيقة أن المساعدات الغربية، بعدما جفت المساعدات الخليجية، هي المصدر الذي يكاد يكون وحيداً، في ظل ما تعانيه المملكة من أزمات اقتصادية وتصاعد في معدلات الفساد وسوء الإدارة، وهو ما أملى في الفترة الأخيرة مشهداً غرائبياً تمثل بما وصفته السلطات بـ”مؤامرة خارجية” أحدثت شروخاً داخل العائلة الحاكمة.
الأردن أمام مشهد إقليمي مختلف من دون شك. وعلى رغم الانفراجة المتعلقة بتعثر صفقة القرن، إلا أن ضغوطاً داخلية قوية تطالبه بخطوات عملية من نوع طرد السفير الإسرائيلي من عمان، أو استدعاء السفير الأردني من تل أبيب. هذه الخطوات لا تبدو خياراً واقعياً بحسب ديبلوماسيين عرب. كما أن ضمور دور حركة فتح والانقسام الذي تشهده تسببا بإرباك للمملكة، ومثلا غياباً للشريك الفلسطيني، طالما أن لا علاقة مع “حماس”، وأن هناك خطوات تضييق كانت السلطات في عمان قد اتخذتها بحق الإخوان المسلمين الذين تعتبرهم عمان ذراعاً أردنية لـ”حماس”.
سرعان ما عاد الأردن الديبلوماسي إلى الحديث عن “حل الدولتين مع تبادل أراضي”. هذه المعادلة كانت ترنحت في السنوات السابقة، لكن هذه المرة أرفقها بضرورة تسريع المصالحة الفلسطينية، وهذه إشارة قد يفهم منها قبولاً بأن تكون “حماس” شريكاً في السلطة. لكن مصادر ديبلوماسية عربية أشارت إلى غياب “الشريك الإسرائيلي” هذه المرة، فبنيامين نتانياهو سيكون أمام استحقاقات مختلفة في حال أنقذته الحرب على غزة من مأزقه السياسي الداخلي، فهو سيكون أيضاً أمام مشهد فلسطيني تتصدره “حماس”، أو أنها ستكون في صلبه، وفي هذا عودة إلى مربع المواجهة الأول.
المصدر: موقع درج