عماد كركص
شكوك وتساؤلات عدة باتت تحيط بالموقف الأميركي حيال القضية السورية، بعد وصول إدارة الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض قبل نحو 5 أشهر. وعمّق إجراء النظام السوري للانتخابات، بتحدٍ واضح للمجتمع الدولي والدول الغربية، على رأسهم الولايات المتحدة، بدون موقف صارم من قبلها، من تلك الشكوك. وتزايدت التساؤلات حول ما ستكون عليه سياسة إدارة بايدن حيال سورية في المرحلة المقبلة، أي بعد الانتخابات ونجاح بشار الأسد فيها.
وعلاوة على تناقص الحماسة والاهتمام الأميركيين بالأزمة السورية، بخلاف ما كان عليه الحال في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولو جزئياً، فإن إدارة بايدن أوقفت الإجراءات العقابية الأميركية على النظام منذ وصولها للسلطة في واشنطن، ولا سيما تلك المقوننة منها بموجب “قانون قيصر” للعقوبات، الذي أصدره ترامب نهاية العام 2019 وطبقه منتصف العام الماضي، وضيق من خلاله الخناق على النظام اقتصادياً ودبلوماسياً.
وفي موازاة ذلك، زاد النظام أخيراً من نبرة التحدي حيال الفاعلين الدوليين المطالبين برحيله. وتوضح ذلك في خطاب الأسد الأخير الذي أعلن فيه الفوز في الانتخابات، المطعون بشرعيتها ونزاهتها. وبدا الأسد كأنه متحرر من الضغوط عليه، ما جعله يرفع نبرة التحدي، بعد تمرير الانتخابات دون ضجة دولية بما يشبه “الانتصار” بالنسبة له. وربما يكون الأسد قد قرأ في عدم صدور عقوبات أميركية على نظامه منذ تولي بايدن للسلطة، تراجعاً في الاهتمام الأميركي حيال سورية، والضغط عليه في آن، في حين بات الحديث عن صفقة لإدارة بايدن مع إيران، عنوانها الأبرز “الملف النووي الإيراني”، مطروحاً، ليكون الملف السوري في “بازارها”. وبات مختصون في شؤون الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، من باحثين وكتاب وحتى نواب في الكونغرس، يصوبون على خطر إقدام إدارة بايدن على غض النظر عن توسع إيران في سورية، وزيادة دعمها للأسد، بدون روادع أميركية، ضمن تلك الصفقة.
وشهدت واشنطن، الأسبوع الماضي، حضوراً للملف السوري على لسان مسؤوليها. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية، لم يكشف عن اسمه، خلال مؤتمر صحافي هاتفي، أن بلاده ليس لديها أي نية لتطبيع العلاقات مع النظام، وذلك بعد الإعلان عن فوز الأسد، معتبراً أن الانتخابات “ليست حرة ولا نزيهة” طالما لم تجر بموجب دستور جديد وإشراف الأمم المتحدة ومشاركة اللاجئين. ووجه ثلاثة نواب جمهوريين، أخيراً، رسالة إلى وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والخزانة جانيت يلين، اتهموا فيها إدارة بايدن بالفشل في فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري بوصفه الحليف الأبرز لإيران في الشرق الأوسط. واتهم النواب في الرسالة، التي نقلتها قناة “فوكس نيوز” الإدارة الأميركية بغض النظر عن تزويد إيران للنظام بالنفط عبر البحر، ما يعد انتهاكاً لـ”قانون قيصر” للعقوبات الذي فرضته الإدارة السابقة. واعتبروا أن عدم مواصلة إدارة بايدن العقوبات على النظام، تندرج ضمن صفقة العودة إلى ملف الاتفاق النووي مع إيران. وطلبوا توضيحات حول سبب رفض الإدارة الحالية فرض عقوبات على النظام بموجب “قانون قيصر”، وما إذا كانت انخرطت في محادثات أو تنازلات، أو وضعت أي خطط لرفع العقوبات عن نظام الأسد.
وعلى الرغم من عدم تفاؤله بإحداث نقلة نوعية في الموقف الأميركي تجاه سورية، على خلفية إصرار النظام على إجراء الانتخابات وتمرير فوز الأسد فيها، بتحدٍ واضح للمجتمع الدولي، رأى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، المقيم في واشنطن، أن “أي اتفاق أميركي – إيراني، لا يكفي لحل الأزمة السورية، نظراً للوجود العسكري التركي والروسي، بالإضافة إلى وجود مشكلة التنظيمات الكردية بالنسبة إلى تركيا وكذلك مشكلة (جبهة) النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) للغرب عموماً”. وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الجزئية المتعلقة بإيران والولايات المتحدة في سورية لها علاقة بثلاث نقاط رئيسية، أولاً، التواجد العسكري الإيراني في البلاد بشكل عام، وثانياً، الصواريخ الإيرانية التي تهدد إسرائيل والموجودة في سورية، وثالثاً، حل مشكلة انتشار المليشيات المرتبطة بإيران و”الحرس الثوري”، مثل “حركة النجباء” و”الحشد الشعبي” وغيرها في سورية، بالإضافة إلى “حزب الله” اللبناني. وأعرب بربندي عن اعتقاده أن “إيران لن ترضى بسحب مليشياتها والموافقة على بقاء تركيا على سبيل المثال”، مضيفاً: أن “ما ذكرته بعض الصحف عن صفقة هو تبسيط أو تسخيف للحل وتسويق أفكار النظام، فالحل في سورية برأيي إقليمي ــ دولي، وليس ثنائياً”. وأشار إلى أنه “من المؤكد أن التواصل بين واشنطن وإيران سيفتح قنوات حوار جدية، لكنه لا يعني أن الحل قريب، لأن كل الدول، التي لديها قوات عسكرية، لها مصالح ونفوذ يجب أخذها بعين الاعتبار، باستثناء الشعب السوري، الذي ابتلاه الله بنظام ومعارضة تشعر وكأنهما يعملان لصالح الآخر”.
واعتبر سفير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في الولايات المتحدة قتيبة إدلبي أن موقف الإدارة الأميركية الحالي من القضية السورية “غير مطمئن”. وأشار، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “على الرغم من الرسائل الإيجابية التي ترسلها الإدارة الأميركية من خلال البيانات والتصريحات، إلا أن الواقع داخل الإدارة يعطي إشارات مختلفة تماماً”. وأوضح أنه “لم يتم بعد تعيين مبعوث دائم مسؤول عن الملف السوري، بينما تم تخفيض مستوى إدارة الملف لدرجة أن هناك شخصاً واحداً فقط معنياً بالملف السوري في البيت الأبيض، ويديره مع ملفات أخرى (منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك الذي استقال في 2018 من منصبه كمبعوث أميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” احتجاجاً على إعلان ترامب الانسحاب من شمال سورية). ومن جهة أخرى نجد تراخٍيا في الحفاظ على النفوذ الأميركي في الملف السوري من خلال التراخي في تنفيذ عقوبات قيصر، عبر السماح للسفن الإيرانية المحملة بالوقود بالوصول الى الشواطئ السورية، والتراخي مع بعض القوى الإقليمية في تطبيع علاقاتها مع النظام، وعدم إضافة أي قوائم جديدة لملف عقوبات قيصر منذ بداية العام الحالي”.
ونوه إدلبي إلى أنه “على الصعيد الدبلوماسي، تبدو الإدارة الأميركية مستعدة للتخلي عن باقي نفوذها، فهناك إشارات إلى أنها مستعدة للتخفيف من العقوبات مقابل تمديد قرار المعابر الإنسانية، مثلاً. وبالنتيجة، يبدو أكثر فأكثر أننا هنا في واشنطن بالذات، وكسوريين بشكل عام، في موضع دفاعي للحفاظ على ما حققناه سياسياً خلال الأعوام الماضية”. ولفت إلى أن “ملف الانتقال السياسي والمفاوضات في طريق مسدود حالياً، وهناك إيمان لدى الإدارة الحالية بعدم جدية روسيا أو النظام لتقديم أي تنازل في المفاوضات. ويترافق ذلك مع حالة من التململ من عدم جدوى المسارات الحالية، وهناك جهود للبحث عن مسارات جديدة، ولكنها ليست جدية بما يكفي لتحريك الملف بشكل جيد. وفرصتنا كسوريين اليوم، تكمن بمحاولة تعزيز فرص هذا الحراك من خلال إثبات أنفسنا كقوة قادرة على تقديم نموذج حوكمي يجسد الأهداف التي خرج السوريون من أجلها، ويضمن نوعاً من الاستقرار لهم في مناطق الشمال الغربي من البلاد، ويقدم نموذجاً يقنع السوريين والعالم للاستثمار بهذا النموذج”.
وتنطلق هذه المخاوف بالنسبة السوريين المناوئين للأسد على المستوى الرسمي والشعبي، من إدراكهم للسياسة الأميركية القائمة على عدم تطابق الأقوال بالأفعال في التعامل مع الملفات الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، والأزمة السورية تحديداً طوال 10 أعوام على اندلاعها. وتبقى صحة هذه النظرية من عدمها محط طرح مشروع ومقبول، حتى إثبات عكسها، ربما، في مرحلة مقبلة.