منهل باريش
عاد مشهد حركة النزوح إلى مناطق خفض التصعيد الرابعة في جبل الزاوية وسهل الغاب في ريف حماة الشمالي، إثر مقتل عائلة كاملة وعدد من مقاتلي صقور الشام التابع لـ»الجبهة الوطنية للتحرير» والمتحدث العسكري الرسمي باسم هيئة «تحرير الشام» أبو خالد الشامي، المنحدر من جسرين بالغوطة الشرقية، وهو من قياداتها في الغوطة الشرقية سابقاً، وإعلاميين في الهيئة، هما، منسق الإعلاميين العسكريين في مكتب العلاقات الإعلامية، أبو مصعب الحمصي، ومرافق الوفود الصحافية في مكتب العلاقات الإعلامية، أبو تامر الحمصي.
ورصدت «القدس العربي» حركة سيارات نقل زراعية على طريق جبل الزاوية اريحا وسهل الغاب شمالا باتجاه طريق حلب- اللاذقية/M4 بعد التصعيد الذي بدأ يوم 26 أيار (مايو) الماضي تزامناً مع بدء الانتخابات الرئاسية التي أعلنها النظام السوري، وبلغ القصف أشده، صباح الخميس، عندما استهدفت مدفعية النظام والطيران الروسي عدة قرى في جبل الزاوية وسهل الغاب، أعنفها على قرية ابلين في جبل الزاوية، حيث خلفت مقتل عائلة كاملة من آل العاصي بينهم سيدة وطفلها. وبلغ العدد الكلي للقتلى 12 حتى ليل الجمعة.
ومع القصف الروسي، عاد هاجس المعارك إلى تفكير النازحين والمهجرين قسريا في إدلب. وطغى الخوف على وجوههم. ودفع التصعيد عشرات نشطاء الحراك الثوري من البلدات المهجرة خلال مطلع 2020 إلى الدعوة إلى وقفة احتجاجية ضد القصف الروسي والتصعيد العسكري لقوات النظام، ظهر الجمعة، في دوار المحراب على مدخل مدينة إدلب الشرقي. وتوجهوا بعدها إلى النقطة التركية على طريق إدلب – سرمين، وأبلغوا الضابط المسؤول احتجاجهم وطالبوا تركيا بتحمل مسؤولياتهم باعتبارها الضامن لمسار أستانة. وتكرر الاحتجاج أمام النقاط التركية في جبل الزاوية. وتكرر القصف العنيف على الجبل، فجر السبت، بقذائف المدفعية.
وبالتزامن مع زيارة الوفد التركي إلى موسكو، شنت الطائرات الروسية، بمشاركة مدفعية النظام، قصفا جويا مركزا على نحو ثلاثين نقطة وقرية في المنطقة الواقعة جنوب طريق M4.
وترافق القصف على قرية ابلين، مسقط رأس المقدم حسين هرموش، مع الذكرى 11 لانشقاقه، والتفاعل الكبير مع الذكرى المحفورة في وجدان السوريين من أنصار الثورة السورية. ويزيد من احترام الرجل ومحبته، أنه خطف من الأراضي التركية من قبل عملاء أتراك يتبعون للنظام السوري، نهاية آب (أغسطس) 2011 ونقلوه بحرا بواسطة قارب من صمنداغ في ولاية هاتاي إلى الساحل السوري، ليظهر منتصف شهر أيلول (سبتمبر) على شاشة التلفزيون السوري الرسمي.
على الصعيد السياسي، ترافق التصعيد في إدلب مع زيارة نائب وزير الخارجية التركية، سادات أونال إلى موسكو ولقائه بنائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف. وخصصت الزيارة لبحث الملفين الليبي والسوري. وأشار بيان لوزارة الخارجية الروسية إلى تمسك الجانبين «بسيادة ووحدة أراضي سوريا». وحافظ البيان على لغة دبلوماسية فضفاضة كالترحيب بـ»تنفيذ الاتفاقيات الروسية التركية الهادفة إلى الحفاظ على نظام وقف إطلاق النار» ومكافحة الإرهابيين الدوليين المتواجدين في أراضيها والبحث في «الاستعدادات للاجتماع الدولي الـ16 حول سوريا بصيغة أستانا» و»تبادل الآراء في طرق المساعدة في تنشيط العملية السياسية السورية، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف وفق القرار الدولي رقم 2254». ولم يتطرق بيان الكرملين إلى موضوع تجديد الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية عبر الحدود والتي تعتبر القضية العاجلة والأكثر سخونة في الشأن السوري حالياً، مع اقتراب موعد انتهاء العمل بالقرار الحالي في 10 تموز (يوليو) المقبل. حيث يهدد تعطيل القرار من قبل روسيا والصين نحو مليون ونصف نازح يتلقون المساعدات الإنسانية من أصل 3.5 مليون سوري في مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب الشمالي.
في السياق، عادت الدبلوماسية التركية إلى ذكر المنطقة الآمنة في شمال سوريا، وقال الرئيس التركي عبر الاتصال المرئي خلال مشاركته بافتتاح سد عفرين الأعلى، إن «أجزاء كبيرة من المناطق السورية القريبة من حدودنا جعلناها آمنة» مشددا «سنواصل بذل قصارى جهدنا لضمان مستقبل مشرق لجارتنا سوريا على قاعدة وحدة أراضيها ووحدتها السياسية».
وتقود واشنطن جهودا دبلوماسية، تسعى من خلالها التوصل إلى اتفاق حول تجديد الآلية الدولية الخاصة بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وتعمل على العودة إلى أن تشمل الآلية الدولية ثلاثة معابر إنسانية، باب الهوى وباب السلامة واليعربية، بحيث تحافظ على التوازن في إدخال المساعدات إلى مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، وان لا تبقى المساعدات في مناطق سيطرة المعارضة محصورة بقناة واحدة تتحكم بها هيئة «تحرير الشام» المصنفة إرهابية في واشنطن. وترغب في فتح منفذ حدودي لشركائها المحليين في شرق الفرات، وكف يد النظام عن التحكم بالمساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، حيث يتحكم النظام بتوزيع المساعدات منذ إغلاق معبر اليعربية، ويقوم بفرض شركائه المحليين ومن يتعامل معه بذلك.
ويحتاج المقترح الأمريكي المتعلق بآلية إدخال المساعدات إلى موافقة روسيا وتقديم تنازل ما، يخشى ان يكون تنازلا سياسيا في المسار السوري على حساب القضية الإنسانية، أو تنازلا في قانون قيصر أو ملف إعادة الإعمار. فواشنطن لا تملك أوراق ضغط حقيقية على موسكو في سوريا.
في المقابل، فإن الرفض الروسي واستخدام الفيتو حول مشروع قرار جديد، سيدفع واشنطن إلى خلق تحالف دولي إنساني وتأسيس آلية لايصال المساعدات الإنسانية خارج الأمم المتحدة، تقودها واشنطن وتعتمد على تركيا بشكل رئيسي في تنفيذها، ويساهم بها الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه ألمانيا، والدول العربية وفي مقدمتها السعودية وقطر.
العلاقة التركية الروسية المرتبكة
يضاف الملف السوري المتوتر إلى جملة التعقيدات بين روسيا وتركيا، فتختلف الدولتان في كل الملفات التي يحضران فيها بنسب متفاوتة. ورغم الهدوء في الملف الليبي مؤخرا، عاد التصعيد إلى أوجه في ملف شبه جزيرة القرم مع التصريحات التركية حول وضع تتار القرم، الأمر الذي أغضب الكرملين، ودفعه لإطلاق تصريحات قاسية بحق الدبلوماسية التركية. وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن بلادها سترد على أنقرة في حال مواصلتها خطابها المغرض تجاه روسيا بسبب تتار القرم، مضيفة خلال إيجاز صحافي، في 21 أيار (مايو) الماضي، إنه «إذا استمر هذا الخطاب، فإننا سنضطر إلى لفت الانتباه إلى مشاكل مماثلة في تركيا ذاتها». آملة من وزارة الخارجية التركية سماعها، ووصفت تصريحات أنقرة بأنها «مسيسة وتصادمية حول نية حماية حقوق تتار القرم المرحلين الذين يواجهون تحديات».
وقالت «نعتقد أن الوقت قد حان لكي يتخلى الساسة الأتراك عن استخدام العامل العرقي كأداة للعبة الجيوسياسية، التي تضر بالمقام الأول بمصالح الجماعات العرقية نفسها».
بدوره، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف أن موقف تركيا من شبه جزيرة القرم هو أحد الخلافات التركية بين موسكو وأنقرة.
ويعتبر معيار علاقة أنقرة بواشنطن ومدى تباعدها أو تحسنها، أحد محركات السياسة الروسية في سوريا، فترميم العلاقة بين أمريكا وتركيا وإصلاحها سينعكس سلبا في الواقع الميداني، حيث يشجع روسيا على فتح معركة لكسب سيطرة جديدة على الأرض، تستند فيه على الفقرات غير المنفذة من اتفاق 5 آذار 2020 وتتذرع بها لتبرير هجومها المتحمل، الهادف إلى القضم، ومن المتوقع ان تشكل السيطرة على طريق M4 هدفه الرئيسي.
المصدر: القدس العربي