عدنان علي
لم تصدر عن إدارة الرئيس الأميركي بايدن حتى الآن مواقف محددة إزاء الملفات الرئيسية في القضية السورية، باستثناء تكرار روتيني من جانب بعض المسؤولين في واشنطن لمواقف عمومية تتعلق بتنفيذ القرار الدولي 2254، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات التي أجراها نظام الأسد مؤخراً، إضافة إلى ضرورة فتح المعابر الإنسانية.
ولعل النقطة الأخيرة المتعلقة بالمعابر باتت مركز اهتمام السياسة الأميركية حيال سوريا في الآونة الأخيرة، حيث لا يكاد يخلو تصريح لمسؤول أميركي من ذكرها. كما أوفدت واشنطن سفيرتها لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إلى أنقرة والحدود السورية التركية لتأكيد هذا الاهتمام، في حين تشير المعطيات إلى أن هذه المسألة ستكون الأساس في النقاش المتعلق بسوريا خلال القمة التي تجمع الرئيس بايدن مع نظيره الروسي بوتين في جنيف 16 من الشهر الجاري.
ووفق مسؤولين أميركيين سوف يسعى بوتين خلال القمة إلى رفع العقوبات عن نظام الأسد، مقابل إعادة فتح المعابر، لكن هذا سيكون بمثابة تقديم مكافأة لبوتين والأسد مقابل عدم تجويع المدنيين، وهذه فكرة غير مقبولة. والثمن الآخر الذي قد يطلبه بوتين في حال عدم الاستجابة لطلبه الأول هو وقف الدعم الأميركي لميليشيا “قسد”، وإعادة مناطق شرق الفرات لنظام الأسد، لكن هذا ليس معادله الموافقة على فتح المعابر الإنسانية، بل الموافقة على دفع العملية السياسية في جنيف وفق قرارات مجلس الأمن لفتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة، بما في ذلك الوضع في شرق البلاد. ويدرك الروس أن محصلة ذلك قد تكون الإطاحة برأس الأسد، وهو ثمن مستعدون لدفعه إذا تم ضمان مصالحهم في سوريا، وفق ما ذكرت صحيفة فورين بوليسي قبل أيام. وحسب الصحيفة، فإن روسيا لم تأخذ عملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة، على محمل الجد أبداً، ولم تمارس أي ضغط على نظام الأسد لإجباره على تقديم تنازلات، وما زال هدفها النهائي يتمثل في دفع المجتمع الدولي لقبول الأسد في نهاية المطاف كفائز بحكم الأمر الواقع في الصراع السوري، وتطبيع العلاقات مع نظامه.
إذاً سياسة روسيا واضحة ومعلنة في دعم نظام الأسد ومواصلة السعي إلى تعويمه سياسياً واقتصادياً، دون استبعاد استعدادها للمساومة على رأس النظام مقابل أثمان لم تحددها بعد، لكن لقاء بوتين مع بايدن، سيكون جس نبض لتلمس مدى استعداد واشنطن للانخراط في حل شامل للقضية السورية، مع إدراك روسيا أنها لا تستطيع بمفردها إنجاز حل في سوريا، ولا بد من التفاهم مع الولايات المتحدة، واللاعبين الآخرين وفي مقدمتهم تركيا.
ومن هنا فإن الأنظار تتجه إلى إدارة بايدن لمعرفة مقاربتها الحقيقة للوضع في سوريا، حيث لا يمكن من خلال المؤشرات الصادرة عنها حتى الآن تشكيل إدراك كامل لحقيقة موقفها، وما إذا كان لديها أساسا رؤية للحل في سوريا، وليس مجرد تعطيل للحلول الروسية، كما كانت تفعل إدارة ترامب السابقة.
ومن المؤشرات التي قد تساعد على فهم موقف إدارة بايدن هو أنها أوقفت الإجراءات العقابية الأميركية على نظام الأسد منذ وصولها للسلطة، ولا سيما تلك المندرجة بموجب “قانون قيصر” للعقوبات، الذي أصدره ترامب نهاية العام 2019 وطبقه منتصف العام الماضي، وضيق من خلاله الخناق على النظام اقتصادياً ودبلوماسياً. كما غضت الطرف عن إقدام عدد من الدول العربية على التقرب من نظام الأسد، فيما وجه مؤخرا ثلاثة نواب جمهوريين، رسالة إلى وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والخزانة جانيت يلين، اتهموا فيها إدارة بايدن بالفشل في فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري بوصفه الحليف الأبرز لإيران في الشرق الأوسط. واتهم النواب الإدارة الأميركية بغض النظر عن تزويد إيران للنظام بالنفط عبر البحر، ما يعد انتهاكاً لـ “قانون قيصر”. واعتبروا أن عدم مواصلة إدارة بايدن العقوبات على النظام، تندرج ضمن صفقة العودة إلى ملف الاتفاق النووي مع إيران.
والواقع أن النقطة الأخيرة قد تكون هي مربط الفرس، حيث يبدو كما تشير معطيات وتسريبات أميركية أن إدارة بايدن جعلت الملف السوري مجرد ملحق ثانوي بالملف النووي الإيراني، ما يعني أنها قد تقدم تنازلات لإيران في سوريا، مقابل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، دون أن يرتقي ذلك بطبيعة الحال إلى الصفقة الشاملة في سوريا، لأن إيران في المحصلة مجرد لاعب، وليس بيدها كل الأوراق، فلا يمكن تجاهل الروس والأتراك في مثل هذه الصفقة التي لا تبدو الظروف ناضجة لإبرامها خاصة بالنسبة لإدارة بايدن التي ما زالت في مرحلة الاستكشاف، ولم تغص أقدامها بعد في وحول المنطقة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا