ثائر المحمد
شجعت حالة الاستقرار الجزئية في مدن ريف حلب الشمالي، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، عشرات المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على خوض غمار الاستثمار في المنطقة التي تشهد مع مرور الوقت تطوراً وتعافياً اقتصادياً وخدمياً، بإشراف مباشر من ولاة المدن التركية القريبة من الحدود مع سوريا (أورفا – غازي عنتاب – هاتاي – كلس)، وتنفيذ الحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية في المنطقة.
وكذلك لعب الهدوء النسبي في محافظة إدلب دوراً في نمو القطاع التجاري، حيث شجع ذلك العديد من التجار والمستثمرين على فتح مشاريعهم الخاصة، كالمطاعم والمقاهي وصالات الألعاب والمجمعات التجارية، في مركز مدينة إدلب، والمدن القريبة من الحدود مع تركيا (سرمدا – الدانا).
وظهرت ملامح التطور العمراني والتجاري والصناعي بشكل واضح على المدن الكبرى شمالي سوريا، مثل اعزاز والباب وعفرين، التي ينشط فيها بناء المجمعات التجارية والسكنية، والمولات والمشاريع الخاصة، ما ينعكس بدوره إيجاباً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، لكونه يسمح بتنشيط الحركة التجارية وخفض معدلات البطالة.
قطاع البناء والاستثمار يتنامى شمالي سوريا
افتتح المجلس المحلي في مدينة الباب شرق حلب في السابع من حزيران الجاري، مولاً تجارياً بمساحة 875 متراً مربعاً، ليتم فيما بعد طرحه للاستثمار العلني، في خطوة قال المجلس إنها ستساعد على ازدهار الاستثمار في المدينة، وزيادة فرص العمل.
وتتبع موقع تلفزيون سوريا العديد من المشاريع المشابهة، وكان من أكبرها مشروع “مول اعزاز”، الذي يتم العمل على تشييده منذ نحو عامين وسط المدينة، ليكون أضخم مشروع استثماري في المنطقة، إذ يؤكد القائمون عليه أنه سيضم مطعماً وعشرات المحال التجارية (ألبسة – مواد غذائية – ألعاب – صاغة)، فضلاً عن أن أحد الأقسام جُهّز ليكون عيادات للأطباء بمختلف اختصاصاتهم.
وبدأ العمل على المشروع في شهر أيار عام 2019، ويوضح مدير المول “أبو عادل”، أن ما دفعهم للاستثمار في المنطقة، توفر الأمان النسبي، ولبعث رسالة إلى أصحاب رؤوس الأموال تؤكد حالة الاستقرار، تشجيعاً لهم على فتح مشاريع في الشمال السوري.
وقال “أبو عادل” لموقع تلفزيون سوريا: إن المشاريع الضخمة لها بعد استراتيجي، وتؤكد “أننا أصحاب همم وقادرون على البناء”، كما أكد أن لمثل هذه المشاريع فوائد على المجتمع، حيث أسهم المشروع في تشغيل أكثر من 300 عامل أثناء تشييده، بأجور تتراوح بين 25 ليرة تركية، و75 ليرة يومياً.
ويضيف أنه “لا بد للمركب أن يسير رغم العوائق، ولا بد من المغامرة لبعث روح الثقة في النفوس، سواء في المجتمع المحلي أو الخارجي، بغرض دفع رؤوس الأموال إلى الاستثمار في الداخل السوري”.
ومن المشاريع التي افتُتحت في المدينة نفسها، مول “الأسرة السعيدة”، والذي يضم أقساماً لبيع المواد الغذائية والخضروات واللحوم والألبان والألعاب، وكذلك شركة “شمرا” للاتصالات التي أعلنت قبل أيام عن افتتاح فرع لها داخل اعزاز.
وتتخصص الشركة ببيع الهواتف المحمولة والإكسسوارات، وقطع صيانة الهواتف، كما تضم قسماً للصيانة، وقسماً لبيع أجهزة الحاسوب ومستلزماته، وقطع الإنترنت.
ووفقاً لمدير الشركة “أبو محمد شمرا” فإن هدفه من الاستثمار في المدينة، تحريك الاقتصاد، وتشغيل اليد العاملة، وإنعاش وتطوير المنطقة.
ويعمل داخل الشركة 17 موظفاً في كافة الأقسام، ويقول “شمرا” إنهم سيحتاجون للمزيد في المستقبل، موضحاً أن أجور العمال تتراوح بين 1000 و1600 ليرة تركية، حسب الاختصاص والخبرة، كما يوجد نظام مكافآت وعقوبات.
وذكر مدير الشركة في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن تحسن الواقع الأمني في المنطقة يوماً بعد يوم، بفضل الجهات الأمنية المعنية، شجعه على الاستثمار، كما قال إن الجهات المعنية تجاوبت معه وقدمت له كافة التسهيلات اللازمة.
انطلاقاً من أوروبا.. مشروع استثماري في جرابلس
لم يمنع بُعد المسافة، الشاب السوري “أبو عمر كوشان” الذي يعيش في ألمانيا، من الاستثمار في الشمال السوري، حيث افتتح قبل أسابيع مجمعاً تجارياً في مدينة جرابلس شرق حلب، حمل اسم “اللؤلؤة”.
ووضِع حجر الأساس للمجمع في شهر نيسان عام 2020، وتم الانتهاء من بنائه في نيسان 2021، ويضم محال تجارية ومحال صرافة، ومفروشات وشقق سكنية، بكلفة إجمالية بلغت 800 ألف دولار.
وذكر مدير المجمع “أبو راتب”، لموقع تلفزيون سوريا أنهم وضعوا أجورا رمزية للمحال، وذلك لتسهيل حركة التجارة في المدينة، وتقليل عدد العاطلين عن العمل.
وكذلك لم تغب المشاريع الاستثمارية عن مدينة عفرين، حيث افتُتحت فيها عدة مجمعات، من ضمنها “مول عفرين”، والذي بُدئ العمل به منذ ثلاث سنوات، وشهد تطوراً مع مرور الوقت.
ويقول مدير المول “محمد خنسا” إنه اختار منطقة ريف حلب الشمالي للاستثمار لكونها أكثر أماناً من بقية المناطق، ولا تتعرض للقصف الجوي، فضلاً عن كونها تحت “الرعاية التركية”.
وبلغت كلفة المشروع 90 ألف دولار، ويوضح “خنسا” أن فائدة مجمعات كهذه أنها توفر على السكان مادياً، لكون نسبة الربح فيها قليلة، كما توفر فرص عمل، حيث ذكر أن عدد العاملين في المول يفوق 12 عاملاً، براتب يبلغ وسطياً 150 دولاراً شهرياً.
ومع البدء بالمشروع، كان لدى “خنسا” تخوفات أمنية، وأخرى من حدوث سرقات، ويؤكد وقوع عدة تفجيرات بالقرب من المول، ما دفع الجهات الأمنية في وقت لاحق إلى وضع حواجز تمنع دخول السيارات والدراجات النارية، وهو ما أثّر أيضاً على الحركة الشرائية، بسبب خسارة معظم الزبائن الذين كانوا يرتادون المجمع عبر السيارات.
ويجلب المول البضائع من منبعها الرئيسي (مدينة سرمدا)، وبهذا الصدد يشير “خنسا” في حديث لموقع تلفزيون سوريا إلى أنهم يواجهون عدة عوائق، ومنها دفع ضريبة لحاجز “الغزاوية” الفاصل بين إدلب وشمال حلب، وكذلك دفع مبالغ للمجلس المحلي في عفرين، فضلاً عن منع استيراد بضائع معينة من إدلب.
حركة المدن الصناعية تبدأ بالدوران
قبل 6 أشهر، نشر موقع تلفزيون سوريا تقريراً سلط الضوء على القطاع الصناعي في ريف حلب الشمالي، والعمل على تطويره من قبل المؤسسات المحلية، عبر إنشاء مدن صناعية توزعت على اعزاز والباب والراعي.
وحينذاك أكد رئيس مجلس محافظة حلب الحرة “عبد الغني شوبك” وجود تسهيلات لدخول وخروج الصناعيين والتجار والبضائع من وإلى تركيا عن طريق المعابر الحدودية، كما أشار إلى وجود شبكة طرق حديثة تصل بين المدن الصناعية والمنافذ الحدودية، وكذلك وجود ضمانات للصناعيين بخصوص الحماية الأمنية.
وفي حين ما يزال العمل جارياً على إنشاء المدينتين الصناعيتين في كل من اعزاز والراعي؛ بدأت عجلة المدينة الصناعية في الباب بالدوران، وجذب المستثمرين سواء من داخل سوريا، أو تركيا.
وتبلغ مساحة المدينة الصناعية في الباب 561 ألف متر مربع، 17800 متر مربع منها مخصصة للمباني الخدمية، وخُصص للمحاضر 427200 متر مربع.
واستثمر عدد من التجار داخل المدينة، حيث يؤكد مديرها التنفيذي المحامي أديب جلال وجود مصنع للكابلات، ومصانع للصناعات الغذائية، وللنسيج والبلاستيك، ومعمل لتصفية المياه، ومعمل لإنتاج المنظفات.
ولتسهيل دخول المستثمرين، قال “جلال” لموقع تلفزيون سوريا إن المجلس المحلي في مدينة الباب قدّم عرضاً يتضمن السماح للمستثمر المالك في المدينة الصناعية، بالدخول والخروج إلى الشمال السوري قادماً من تركيا، وتسهيل عملية الدخول مدة 6 أشهر لكل شخص استثمر حديثاً في المدينة الصناعية، وفي حال أقلع مصنعه لاحقاً يُسمح له بالدخول والخروج من وإلى تركيا بشكل دائم.
ويوضح “جلال” أنهم قدموا كافة التسهيلات للمستثمرين، فضلاً عن تفعيل عدة خدمات في المدينة الصناعية مثل الكهرباء والحراسة الدائمة، والمراقبة عبر كاميرات دقيقة منعاً لحدوث أي خلل.
ويتوقع أن تساعد مثل مشاريع كهذه على تشغيل اليد العاملة، كما أكد “جلال” أن تجمع الصناعيين والتجاريين في مكان واحد، سيؤدي إلى تأمين المواد الصناعية الأساسية، وتسهيل التبادل الصناعي والتجاري.
دوافع الاستثمار والفوائد المتوقعة
يرى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري أن حالة الاستقرار النسبية في شمال حلب، لعبت دوراً في تنشيط العمل التجاري، إلى جانب وجود معابر تجارية مع تركيا، وتهيئة أجواء الاستثمار في المنطقة من قبل الجهات المحلية.
وذكر “المصري” أن غرف الصناعة والتجارة في ريف حلب الشمالي، لديها كثير من الأفكار التي ستعمل على تنفيذها، لدعم مشاريع الاستثمار، وتأهيل البنية التحتية.
وأبدى “المصري” في حديث لموقع تلفزيون سوريا استعداد الحكومة السورية المؤقتة لمساعدة أصحاب رؤوس الأموال الراغبين بالاستثمار في المنطقة، وتقديم التسهيلات لهم.
بدوره أشار الباحث الاقتصادي يونس الكريم إلى أن افتتاح المجمعات والمولات التجارية بكثافة في ريف حلب الشمالي، يعود إلى التصريحات التطمينية الصادرة عن المسؤولين الأتراك، والتي تفيد بأن المنطقة أصبحت تحت الحماية التركية، وأن أنقرة لن تتنازل عن إدارتها، وهو ما عززه زيادة انتشار الوحدات الإدارية التابعة للحكومة التركية )الشركات – وحدات الشرطة – PTT-)في مدن شمال حلب، كما أن تحسن البنية التحتية في المنطقة أدى إلى جذب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.
وفي حديث لموقع تلفزيون سوريا، أوضح “الكريم” أن وجود كتلة مالية ضخمة في مساحة جغرافية ضيقة دفع كثيرا إلى بدء مشاريعهم الخاصة، مثل افتتاح المولات، خاصة أن المستثمر يستطيع استرداد رأس المال الموضوع في المشروع بسرعة كبيرة.
ويعتقد “الكريم” أن هذه المشاريع ستؤدي إلى توفير فرص عمل – رغم محدوديتها – وتأمين احتياجات المنطقة من السلع الضرورية.
في المقابل ذكر الباحث الاقتصادي أن هذا النمط من المشاريع يعتبر استهلاكياً، ولا يولد قيمة مضافة، حيث تعود الأرباح للتاجر فقط، من دون خلق قطع أجنبي في المنطقة، حيث يتم تصدير القطع لاستيراد البضائع، ما يعني أن المجتمع يبقى مستهلكاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا