عبد الباسط حمودة
ما عاشه الشعب السوري من كوارث ومصائب خلال سنوات ما بعد انطلاق ثورتهم في آذار/مارس 2011- فضلاً عما عانوّه طويلاً بسنوات ما قبل الثورة- يعكس مظاهر وعمق الكارثة، لكنهم كما كل الشعوب الأخرى، سارعوا ما استطاعوا للتغلب على ما أصابهم؛ فالذين تم تهجيرهم، اتخذوا مناطق أخرى للإقامة وخصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام القاتل، لكن القسم الأكبر، الذين زادت أعدادهم عن ثمانية ملايين سوري، ذهبوا إلى اللجوء في بلدان الجوار وفي الأبعد منها.
في تركيا تم استقبال اللاجئين السوريين بحفاوةٍ كبيرة على المستويَين الحكومي والشعبي، وهي تتحمل أعباء العدد الأكبر من اللاجئين- البالغ نحو 3,7 مليون لاجئ- الذين وجدوا أنفسهم فيها أمام تحديات مختلفة، أولها أن تركيا ليست دولة لجوء، تقدّم خدماتها، كما دول اللجوء الأوروبية الأخرى، بدءاً من تعلّم اللغة حتى عملية الاندماج الكامل، وانتهاءً بترتيب شروط حياتهم كمنحهم إقامة قد تدوم عقوداً في هذا البلد؛ فإنه مع تغّير سياسة الباب المفتوح ومع المناكفات السياسية الداخلية- بين الحكومة والمعارضة- في تركيا، فقد كان الجميع يتحدث، بدايةً، عن قضية قبول أو عدم قبول هذا الرقم الهائل من السوريين، فأصبح الحديث بعدها يتمحور حول الآليات الممكنة لدمج اللاجئين السوريين بعد أن بلغ عددهم مبلغه، وبدأ يلوح في الأفق أن إقامتهم طويلة أو شبه دائمة، وأن طرح مشروع “التوطين”- وفق بعض الدارسين الأتراك في 2016- برهن التغيّر الأكيد في تناول الرأي العام التركي لقضية اللاجئين السوريين المقيمين فيها.
وتطرقت، نفس الجهة الدارسة، إلى المعايير المتعلقة بالجنسية التركية، موضحة أن الحديث عن منحها لما يقارب أربعة ملايين لاجئ يعد أمراً غير عقلاني، وأن “الجنسية ستُمنح لأصحاب المؤهلات والاستثمارات ومن يُتوقع أن يفيدوا تركيا”، وعملية دمج اللاجئين السوريين، بدأت من خلال أعمال إدارة الكوارث والطوارئ التركية ’’آفاد‘‘ ومؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني تهتم بالتأهيل الاقتصادي والاجتماعي للاجئين السوريين، وأن وزارة التربية والتعليم دمجت الطلاب السوريين بجميع مراحلهم التعليمية في المدارس والجامعات التركية منذ اللحظة الأولى لقدومهم إلى تركيا، وهناك الآن أعداد كبيرة جداً من اللاجئين السوريين على دراية باللغة والثقافة التركية.
وعملية الدمج هذه بدأت بالتأهيل الاجتماعي والاقتصادي ولكنها ستشمل التأهيل المؤسساتي المتعلق بتسهيل الإجراءات الإدارية والحكومية لإقامة اللاجئين السوريين واستثماراتهم وعملهم في المؤسسات الحكومية بمؤهلاتهم وكفاءاتهم وبشكل مدروس، وأن معظم اللاجئين السوريين سيكونون قد اندمجوا بشكل تلقائي، فالمقيم هنا منذ 5 أو 8 سنوات لا يحتاج وقتاً طويلاً لينسجم مع مجتمعه الجديد.
وعن الفائدة الاقتصادية لدمج اللاجئين السوريين المستثمرين في المجتمع التركي، أشار موقع “سوبر خبر” التركي إلى أن مؤسسة الإحصاءات التركية كشفت أن السوريين هم من أكثر الأجانب الذين أدخلوا على تركيا عملة أجنبية، وأضاف الموقع أن السوريين احتلوا المرتبة الثالثة من حيث تأسيس الشركات الأجنبية الكبرى، ملمّحاً إلى أن مشاريع الاستثمار المباشر التي ينشئها السوريون في تركيا عادت وستعود عليها بالفائدة الاقتصادية الكبيرة والدائمة من حيث رفع ضرائب الدخل للحكومة ورفع مستوى التجارة الخارجية وتخفيض حجم البطالة وغيرها من الآثار الاقتصادية المفيدة.
وقد سد السوريون فراغ الأيدي العاملة في عدة قطاعات كانت تعاني من نقصها مثل قطاعي الإعمار واستخراج المعادن والصناعات والحرف الصغيرة والمتوسطة وغيرها، كما أن دمج السوريين للوصول لمنحهم الجنسية يعني تحول المساعدات الإنسانية لضرائب تُدفع بشكل شهري للحكومة، بحسب ما أورد “سوبر خبر” الذي خلص إلى أن عملية دمج اللاجئين السوريين الذين يتبعون لثقافة وعادات شرقية ودينية مشابهة ستعود بفائدة اقتصادية هائلة وستكون سلسة وليس بالصورة المعقدة التي تُصورها بعض وسائل الإعلام التركية.
أظهرت دراسة حديثة، قام عليها ثلاثة مدرسين في جامعة “غازي عينتاب” وقدموا فيها مشروع لمجلس التعليم العالي تحت عنوان “التواصل الحضاري حول الهجرة”، أن السوريين يرغبون بالاندماج في المجتمع التركي بنسبة أكبر من ميل الأتراك لذلك، إذ يرغب اللاجئون السوريون بالاندماج مع المجتمع الجديد للتخلص من الشعور بالغربة- كما تؤكد جُل الدراسات التي أجريت حول مجتمعات اللجوء في الدول المضيفة- وعزت هذه الدراسة سبب امتناع الأتراك عن الاندماج مع السوريين إلى تضرر الوضع الاقتصادي في تركيا، وأن سبب هذا التضرر في اعتقاد بعض الأتراك وجود السوريين في تركيا، موقنين أن السوريين يعتاشون على مساعدات يتلقونها من الحكومة التركية- رغم عدم معرفة هؤلاء ومخالطتهم للسوريين- وهذه مزاعم غيرُ صحيحة ومغايرة للواقع ومناقضة لما ذكره موقع “سوبر خبر” التركي المشار إليه آنفـاً.
وفي حين سجلت ألمانيا أعلى معدلات للاندماج وأكثرها اتساقاً، تليها هولندا، ثم فرنسا، نجد السويد سجلت نتائج أكثر انخفاضاً وأقل اتساقاً؛ وفق دراسة جديدة أجرتها مؤسسة (اليوم التالي) حول واقع اللاجئين السوريين في الاتحاد الأوربي!؛ فقد اقترحت ’’أورسولا فون دير لاين‘‘ رئيسة المفوضية الأوروبية- مؤخراً وقبل قمة قادة الاتحاد في بروكسل يومي 24 و 25 حزيران الماضي- تحويل المساعدة المالية التي يقدمها الاتحاد لتركيا لتغطية إقامة اللاجئين من الإغاثة الإنسانية العاجلة، إلى الدعم طويل الأمد، وأضافت: “أرى أنه من المهم لنا الاستمرار في دعم تركيا في ظل وجود نحو 3,7 مليون لاجئ سوري فيها”، وأن “بعضهم في تركيا منذ عشر سنوات، ولذا سيزداد توجيه دعمنا أيضاً للمساعدة الاقتصادية الاجتماعية، ولن نحتاج للكثير من المساعدة الإنسانية الطارئة، لكن من المهم بالنسبة لنا أن يرى الناس ما يخفف من واقعهم”، وتحدثت ’فون دير لاين‘ بعد اجتماعها مع المستشارة الألمانية إن تركيا “تفعل أشياء مذهلة” لدعم اللاجئين السوريين، وسيناقش قادة الدول والحكومات الأوروبية اقتراحاً قدمته المفوضية الأوروبية لتخصيص 3,5 مليار يورو جديدة للاجئين في تركيا، وسبق أن خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 6 مليارات يورو لتركيا في إطار الاتفاق الموقع في 2016، وتم صرف 4,1 مليار منها حتى الآن.
المصدر: اشراق